المكاسب التي حققتها «الإخوان» خلال الأعوام الثلاثة للثورة، سرعان ما تلاشت، بعدما استأثرت بالسلطة، وتخلت عن شعار «المشاركة لا المغالبة»، فكان أن خرج عليها الشعب المصري في 30 حزيران
حققت جماعة «الإخوان المسلمين» مكاسب عدّة من «ثورة يناير»، فقطفت ثمارها على المستوى السياسي، وسقط عنها لقب «الجماعة المحظورة» فباتت «الجماعة المحظوظة»، حيث أسست حزباً سياسياً شارك في كل الاستحقاقات الانتخابية، إلى ان وصلت إلى رأس النظام، بعد انتخاب محمد مرسي رئيساً للجمهورية.
لكن المكاسب التي حققتها «الإخوان» خلال الأعوام الثلاثة للثورة، سرعان ما تلاشت، بعدما استأثرت بالسلطة، وتخلت عن شعار «المشاركة لا المغالبة»، فكان أن خرج عليها الشعب المصري في 30 حزيران. وإلى جانب خسارة الحكم، فإن أداء «الإخوان» خلال السنوات الثلاث الماضية تسبب بتعرض «التنظيم الحديدي» الذي أسسه حسن البنا في 22 آذار العام 1928 لضربة قاصمة، يرى البعض أنه كان بإمكان الجماعة تجنبها لو أنها أحسنت استيعاب التناقضات بين تيار الصقور وتيار الإصلاح على مدار السنوات العشر الماضية.
«لا ريب في أننا جميعا قد وعينا الدرس، واقتنعنا بحكمة أن الوطن للشعب كله بكل أفراده وفصائله وقواه، نديره عبر مشاركة حقيقية من كل أطيافه، لا تستثني أحدا، ولا تقصي أحدا، ولا تحتكر الحقيقة، ولا تتحكم في توزيع صكوك الوطنية بالهوى»... هذه الجملة وردت في بيان أصدرته «الاخوان المسلمون» عشية الذكرى الثالثة لـ«ثورة 25 يناير»، في ما بدا محاولة منها لاصلاح ما افسدته خلال الأعوام الثلاثة الماضية من خلال اخطاء سياسية وتنظيمية قادت الجماعة إلى انهيار تنظيم وعزلة شعبية وقانونية.
ومثلما أحدث البيان الأخير لـ«الإخوان» حالة من الانقسام بين الاحزاب السياسية ومعسكر الثورة، فقد أحدث ايضا حالة من الانقسام داخل صفوف الجماعة نفسها، حيث رفض البعض الاعتذار بينما قبل به آخرون.
وتعكس مواقف قادة الجماعة وكوادرها من هذا البيان حالة الفوضى التي يعيشها «الإخوان»، والخلاف الواضح بين تيار الصقور والتيار الاصلاحي.
خارج السجن، لم يبق من قيادات تيار الصقور البارزين سوى نائب المرشد محمود عزت الهارب إلى خارج البلاد. أما التيار الإصلاحي فلم يبق من رموزه سوى محمد علي بشر الذي كان يتعرض للسباب من افراد التنظيم بعد اي لقاء يبدو انه خطوة اولى للتصالح او التفاوض بعد فض اعتصامي «رابعة».
الاهم في حالة الانقسام داخل صفوف التنظيم، هو ان هذه هي المرة الأولى التي لا يلتزم فيها اعضاء التنظيم بأوامر المرشد العام او من يحل مكانه في حالة غيابه لأي ظرف. والالتزام هنا ليس تنفيذ الاوامر او التعليمات فقط انما ان تكون الفرصة متاحة أمامهم لانتقاد اي قرار واعلان ذلك بوضوح عبر صفحتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي.
وكان خير مثال على ذلك فصل الجماعة لاهم ثلاثة من اعضائها الشباب، وهم الذين كانوا ينسقون مع الحركات والتيارات الشبابية الاخرى قبل الثورة وخلال الأيام الثمانية عشر للاعتصام في ميدان التحرير، لسبب بسيط هو انهم خرجوا عن طوع الاوامر، وعارضوا تأسيس «حزب الحرية والعدالة»، وهو ما يصفه الدكتور عمار علي حسن، الخبير في الحركات الاسلامية، بالأمر الطبيعي في ظل تطور الامور والاوضاع داخل الجماعة بداية من المشاركة في الثورة والاعتصام في الميادين حتى اعتصام رابعة العدوية وفضه وما تبع ذلك من تظاهرات.
ويوضح عمار علي حسن ان «النزول الى الشارع والاعتصام يسمحان بالاختلاط وبان يخرج اعضاء التنظيم وخاصة الشباب من قالب الالتزام بالاوامر والطاعة من دون تردد». ويرى عمار علي حسن أن هذا الامر تزايد بعد فض اعتصامي «رابعة» و«النهضة»، وبعدما كشفت السلطات الامنية عن الطريقة التي هربت فيها القيادات من قلب المعركة.
الامر الثاني الذي ظهر في صفوف التنظيم بعد فض اعتصام «رابعة»، هو عدم الالتزام بالآداب العامة، الذي كان اهم شروط الانتساب إلى «الإخوان». وتتكشف هذه الظاهرة على جدران شوارع القاهرة وما خطه أعضاء «الإخوان» عليها من شتائم ضد الجيش المصري والمشير عيد الفتاح السيسي، وأيضاً في الهتافات التي يطلقونها في تظاهراتهم.
ويفسر العضو السابق في «الإخوان» الباحث احمد أن «التنظيم لم يعد يفكر سوى في الشق السياسي، بعدما ترك على مدار العامين الماضيين الشق الدعوي الذي تأسس عليه التنظيم قبل أكثر 80 عاماً».
لكن الامر الاهم الذى خسره «الإخوان» في الفترة الحالية هو ضياع حلم تأسيس الدولة التي كانوا يحلمون بها بعدما نزل الشعب المصري ضدهم وليس ضد قمع الشرطة او للمطالبة بقضايا ذات طابع اقتصادي ــ اجتماعي كما كانت الحال خلال الاعوام الماضية. ويعني ذلك، بحسب المراقبين، عزل الجماعة شعبيا قبل اي شيء وضياع الحلم.
هكذا لم يعد امام القيادات الحالية، سواء المسجونة او التي ما زالت خارج السجن، سوى الانسحاب من المشهد السياسي، مع اعطاء التنظيم فرصة لاختيار مرشد جديد بين صفوف قيادات الصف الثالث، وهو ما يؤكده الدكتور مختار نوح، القيادي السابق في «الإخوان»، الذي يرى ان هذا الامر يجب أن يعلن من خلال بيان موقع من قبل اعضاء مكتب الارشاد ومجلس شورى الجماعة، اذا كانوا يريدون فعلاً ان يتجدد حلمهم، وأن تكون لهم فرصة تحقيق هذا الحلم خلال السنوات المقبلة.