27-11-2024 11:30 PM بتوقيت القدس المحتلة

النمط الاستهلاكي صامد: لا انهيار في التجارة

النمط الاستهلاكي صامد: لا انهيار في التجارة

«الانهيار المزعوم» في الاستهلاك تدحضه أرقام الواردات والصادرات للأعوام الستة الماضية. فهي تشير إلى زيادة في فاتورة الاستيراد بقيمة 5 مليارات دولار بين 2008 و2013. أما في السنوات الثلاث الأخيرة...

«الانهيار المزعوم» في الاستهلاك تدحضه أرقام الواردات والصادرات للأعوام الستة الماضية. فهي تشير إلى زيادة في فاتورة الاستيراد بقيمة 5 مليارات دولار بين 2008 و2013. أما في السنوات الثلاث الأخيرة (2011 و2012 و2013) فالتغيرات التي طرأت على استيراد وتصدير بعض السلع لم تؤد إلى تغيير بنيوي مؤثّر في بنية الاستهلاك والإنتاج، وبالتالي لم تظهر المشكلة بالحجم الذي يجري الحديث عنه. ففي المحصّلة، لا يزال العجز التجاري يكبر سنوياً.
النمط الاستهلاكي صامد: لا انهيار في التجارة
محمد وهبة / جريدة الأخبار

خلال السنوات الست الأخيرة ازداد العجز التجاري بقيمة 4606 ملايين دولار. طيلة هذه السنوات كانت الواردات تزداد بوتيرة متسارعة، فيما فشلت الصادرات باللحاق بها. ففي نهاية هذه الفترة، ارتفعت الواردات بقيمة 5091 مليون دولار مقابل زيادة طفيفة في الصادرات بلغت 485 مليون دولار. الرقمان يدلّان على طبيعة النمط الاقتصادي المحفّز للاستهلاك وعلى طبيعة الأحداث التي تمرّ في لبنان؛ هذا النمط الاستهلاكي في لبنان يعتمد أكثر فأكثر على الاستيراد، فيما معاناة الإنتاج متواصلة بخسارتها الأسواق الخارجية، ووضعف قدرتها على منافسة المنتجات المستوردة.
 
قد يقول البعض ان هذه الارقام لا تعكس الصورة بوضوح، وقد يكون هذا صحيحا، الا ان قراءة ممعنة في احصاءات التجارة الخارجية تشير الى ان قطاع التجارة عموما يئن من مشكلة لم تقع بعد. فارقام الاستيراد بحسب البنود تشير الى ان استهلاك المواد الغذائية ازاداد، وكذلك ازدادت عمليات إعادة تصدير المشتقات النفطية إلى السوق السورية. ويلاحظ أن البنود ذات القيم الكبيرة في الواردات والصادرات مثل المجوهرات والمشتقات النفطية أظهرت متغيّرات بنسبة كبيرة. هذا الوضع كان يُستغّل من قبل التجار وكبار أصحاب العمل للتعميم بأن الأوضاع الاستهلاكية وصلت إلى منحنيات خطيرة ومؤذية اقتصادياً.

بالاجمال، الإحصاءات الجمركية للواردات والصادرات تعدّ دليلا على حركة الاستهلاك، وعلى حركة الإنتاج. التغيّرات التي طرأت عليهما ليست كبيرة وليست سلبية في معظمها. فبحسب الإحصاءات الصادرة عن إدارة الجمارك، بلغ العجز في الميزان التجاري نحو 17265 مليون دولار في نهاية عام 2013. هو عجز ناتج عن تراجع في الصادرات بنسبة 11.6% أو ما قيمته 520 مليون دولار مقابل استقرار الواردات. ففي عام 2013 استورد لبنان بما قيمته 21228 مليون دولار مقارنة بـ21280 مليوناً في عام 2012، وصدّر بقيمة 3963 مليوناً مقارنة بـ4483 مليون دولار.

نتائج السنة الاخيرة، تمثّل حجّة للتأكيد على وجود نوع من الركود في حركة التجارة، ولا سيما بعد احتساب عوامل التضخم والطلب الاضافي الناتج عن النزوح السوري الى لبنان، الا ان هذه الحجّة لا يمكن تعميمها على السنوات الممتدة بين عام 2008 و2013. خلال هذه الفترة كانت الواردات والصادرات في حالة متغيّرة. فعلى سبيل المثال، فإن الارتفاع الكبير في الواردات خلال هذه السنوات، جاء على مرحلتين؛ الأولى كانت في عام 2010 حين ازدادت بقيمة 1722 مليون دولار، والثانية في عام 2011 حين زادت 2194 مليون دولار. هاتان الزيادتان تمثّلان نحو 76.9% من الزيادة الإجمالية المسجّلة خلال الفترة الممتدة من 2008 حتى نهاية 2013.
 
أما الصادرات، فلم تسجّل سوى فترة تحسّن واحدة بين 2008 و2013؛ في عام 2010 ازدادت الصادرات اللبنانية بما قيمته 769 مليون دولار، أو ما نسبته 22%. وفي باقي السنوات، كانت زيادة الصادرات طفيفة نسبياً، إلى أن جاء عام 2013 معاكساً للمنحى المسجّل خلال السنوات الماضية وسجّل تراجعاً بنسبة 11.6%.

 لا يجوز النظر الى هذه المؤشرات على نحو مجرّد واطلاق الاحكام، فمن المعروف أن النفط ومشتقاته يمثّلان أهم السلع المستوردة إلى لبنان لجهة قيمتهما. ففي عامي 2010 و2011 استورد لبنان مشتقات نفطية بقيمته 3.5 مليارات دولار، و4.3 مليارات دولار على التوالي. وقد مثّلت هذه السلع النفطية ما نسبته 19.7% و21.5% من الواردات الإجمالية على التوالي. اللافت أنه في عام 2012 ارتفعت قيمة واردات النفط إلى 5700 مليون دولار أو ما يوازي 26.8% من مجمل الواردات. أما في نهاية عام 2013 فقد سجّلت هذه الحركة تراجعاً إلى حدود 5 مليارات دولار، فيما أعاد لبنان تصدير الغاز والبنزين والمازوت بقيمة 330 مليون دولار. هذا يعني أن حركة الاستيراد والتصدير في عام 2012 كان تشمل نسبة كبيرة من المشتقات النفطية خلافاً لعام 2013، حين تراجعت هذه الحركة على حساب حركة مواد أخرى. وانطلاقا من ذلك يمكن القول ان فاتورة الاستيراد من دون احتساب فاتورة استيراد المشتقات النفطية ارتفعت في العام الماضي مقارنة بعام 2012.

ومن الشوائب التي يجب استبعادها خلال التحليل الاقتصادي للميزان التجاري ولعمليات الاستيراد والتصدير، حركة المجوهرات. فهذه الحركة ليس صناعية، بل هي تنطوي على عمليات استيراد مواد خام وتحويلها إلى سلع ثم تصديرها وتصدير الخردة الناتجة منها، وبالتالي فإن قيمتها الاقتصادية المحلية تعدّ ضئيلة. وبحسب إحصاءات الجمارك، فقد جاءت أكبر حركة للمجوهرات في عامي 2011 و2012. ففي السنة الأولى استورد لبنان ما قيمته 2141 مليون دولار وصدّر بما قيمته 1492 مليوناً، وفي السنة الثانية استورد بنحو 1585 مليون دولار وصدر 1724 مليوناً. واللافت أنه في عام 2011 سجّلت المجوهرات 10.6% من الواردات، و35% من الصادرات. وفي السنة الثانية، أي 2012، سجّلت واردات المجوهرات 7.5% مقابل 38.5% من الصادرات.

ويضاف إلى ذلك تصدير الخردة من حديد ونحاس والومينيوم. ففي الأعوام الخمسة الماضية صدّر لبنان بما قيمته 1168 مليون دولار خردة، وهي تمثّل 4.9% من مجمل الصادرات في السنوات الخمس .

أما بالنسبة للسلع الزراعية والصناعية التي استوردها لبنان، والتي تدل على درجتي الاستهلاك والإنتاج الحقيقي، فلم تطاولها عوامل تغيير كبيرة، ولم تتراجع أيضاً، بل على العكس ارتفعت قيمة وارداتها. فعلى سبيل المثال، ازداد استيراد الحيوانات الحيّة (بقر وأغنام..) من 247 مليون دولار في عام 2009 إلى 267 مليوناً في نهاية تشرين الثاني 2013. كذلك، ارتفع استيراد البيض والألبان والأجبان والعسل من 253 مليون دولار إلى 322 مليوناً.
وازداد استيراد الأسماك من 66.5 مليون دولار إلى 73.9 مليوناً، والخضر والفواكهة من 212 مليون دولار إلى 250 مليوناً. أما السكّر فقد ازداد استيراده من 105 ملايين دولار إلى 156 مليوناً، والحبوب من 145 مليون دولار إلى 222 مليون دولار.

التبغ سجّل ايضا زيادة في الواردات من 183 مليون دولار في عام 2009 إلى 250 مليوناً في 2013. أما المعدات الصناعية المختلفة، فقد ازداد استيرادها من 1089 مليون دولار إلى 1220 مليوناً. أيضاً ارتفع استيراد الأحذية من 109 ملايين دولار إلى 140 مليوناً. والآلات الكهربائية ازدادت من 845 مليون دولار إلى 1164 مليوناً.

وبالنسبة إلى الواردات الدالة على النشاط الاستهلاكي، فإن أبرز سلعة سجّلت تراجعاً هي السيارات التي تقلّصت قيمة وارداتها من 1920 مليون دولار إلى 1410 ملايين.

على خطّ الصادرات، فإن التراجع أصاب بعض الصادرات على النحو الآتي: انخفضت قيمة صادرات الأسماك من 1.7 مليون دولار إلى 1.1 مليوناً. بعض الأصناف المستخدمة صناعياً مثل الملح والكبريت والاسمنت تراجعت صادراتها من 77 مليون دولار في عام 2009 إلى 19 مليوناً، وبعض المنتجات الكيماوية أيضاً تراجعت من 42.9 مليون دولار إلى 18.9 مليوناً. وتقلصت صادرات الخشب ومصنوعاته من 28 مليون دولار إلى 18.6 مليوناً. كذلك تراجعت قيمة صادرات الاثاث المنزلي من 182 مليون دولار إلى 113.2 مليوناً.

في المقابل، فإن الصادرات التي زادت قيمتها هي الحيوانات الحيّة (إعادة تصدير) من 1.4 مليون دولار إلى 7.5 ملايين، والفواكه والثمار والحمضيات وسواها من 55.8 مليون دولار إلى 77.7 مليوناً. البن والشاي ازدادت صادراتهما أيضاً من 16.2 مليون دولار إلى 25.2 مليوناً، والسكّر من 26.7 مليون دولار إلى 36.6 مليوناً. وتضاف إلى هذه السلع، المحضرات الغذائية التي ازدادت من 29.6 مليون دولار إلى 63.5 مليوناً. والمشروبات والسوائل الكحولية من 50.1 مليون دولار إلى 91.2 مليوناً. مصنوعات الورق والكرتون ارتفعت صادراتها من 13.7 مليون دولار إلى 78.5 مليوناً. والجلود الخام والمدبوغة ازدادت من 54 مليون دولار إلى 90 مليوناً. الحديد الصب ومصنوعاته زادت تصديرها من 100 مليون دولار إلى 151 مليوناً، ومصنوعات النحاس من 51 مليوناً إلى 183 مليون دولار.

لا شكّ أن تضخم الأسعار قد يبرّر ازدياد الواردات والصادرات على مرّ السنوات الخمسة الماضية، لكنه لا يفسّر كل الارتفاع. فعلى سبيل المثال، أثّرت الازمة السورية على لبنان الذي أصبح يستورد بعض السلع الأساسية ويعيد تصديرها إلى سوريا، وقسم منها يلبي طلب السوريين النازحين في لبنان، الذين ارتفع عددهم إلى أكثر من مليون نازح. كذلك أثّرت الأزمة السورية على مسار تصدير السلع اللبنانية، فعلى سبيل المثال ارتفعت حصّة سوريا من الصادرات اللبنانية إلى 13% في عام 2013 مقارنة بـ6% في عام 2008. وقد جاء هذا الارتفاع على حساب حصّة الإمارات العربية التي تراجعت من 10% في 2008 إلى 8% في 2013. أما سويسرا التي كانت تستحوذ على حصّة كبيرة من الصادرات اللبنانية بنسبة 10%، فقد تراجعت إلى 4% مع تراجع قيمة صادرات الذهب والأحجار الكريمة.

الخلاصة التي يمكن الخروج بها من قراءة اخر احصاءات تجارة لبنان: النمط الاستهلاكي بقي صامدا على الرغم من كل الاهتزازات، والمشكلة تبقى بنيوية في طبيعة هذا النمط، الذي يدافع عنه من يئنون اليوم من تجار ومستوردين.
النمط الاستهلاكي صامد: لا انهيار في التجارة
النمط الاستهلاكي صامد: لا انهيار في التجارة
النمط الاستهلاكي صامد: لا انهيار في التجارة