وأخيراً أقيمت احتفالية جنيف 2 في مدينة مونترو السويسرية , والتي جمعت للمرة الأولى ممثلي النظام والدولة السورية , وبعض ممن تبقى من المعارضين ممن يسمى بالإئتلاف الوطني , تحت سقف واحد
بقلم: حسن شقير
وأخيراً أقيمت احتفالية جنيف 2 في مدينة مونترو السويسرية , والتي جمعت للمرة الأولى ممثلي النظام والدولة السورية , وبعض ممن تبقى من المعارضين ممن يسمى بالإئتلاف الوطني , تحت سقف واحد .
لن نستغرق كثيراً بما دار في أروقة ذاك القصر من خطابات بأسقفٍ عالية جداً , وخصوصاً من جانب المعارضين , وتحالف العدوان على سوريا .. ولن نعود بالتحليل إلى ما تطرقنا إليه سابقاً حول استحالة أن يكون شبيهاً بذاك الطائف اللبناني الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان , فأي متابعٍ يستطيع له أن يتوقع قلة النتائج التي يمكن أن يتمخض عنها ... و لكن أولى تقديرات انعقاده – ولو لناحية الشكل – كانت مطلباً أخلاقياً بامتياز لدى شرائح وازنة من الرأي العام العالمي , وتحديداً الغربي منه , نظراً لهول الفظاعات التي تهز هذا البلد على مدار الساعة ! وتحديداً من أولئك البرابرة الجدد الوافدين إليها.
لن نحيد أيضاً عن تقدير سابق من أن دول تحالف العدوان على سوريا , غربية كانت أم عربية, وحتى إسلامية , ستكون خاسرة خاسرة سواء أكانت هذه الإحتفالية جادة أم لا في تخليص سوريا من جراحها النازفة ..
ولكن , من النافذ القول أيضاً , أن هذا التوقيت الذي انعقد فيه هذا المؤتمر , بعد عبور المنطقة محطتين مفصليتين - خلطتا الكثير من الأوراق فيها - وهما إتفاقي سوريا – الكيميائي , وإيران – النووي , وما تلا هذين الإتفاقين , وتحديداً قبيل إنطلاقة احتفالية مونترو من تأكيدات وضمانات روسية وأمريكية من أن وفدي الحكومة والمعارضة السوريين لن يغادرا حلبة التفاوض ..وما تلا ذلك من إعلان الأخضر الإبراهيمي بأن الوفدان وافقا على أن يجري البحث على أساس مقررات جنيف 1 , وإن اختلفا في التفسير وأليات التنفيذ .. كل هذه المؤشرات تدفع بأن نرقب هذا المؤتمر بعينٍ أكثر شمولية واتساعاً , وذلك لناحية ارتباطه من عدمه بمحطات النظام العالمي الجديد , والذي يُبنى اليوم على أنقاض الأحادية القطبية الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم برمته .
لا شك ان هذا المؤتمر يسير اليوم وغداً ضمن ممرات ضيقة جداً , تتفاوت تارةً بين الموت الرحيم , وتارةً أخرى بين الإنعاش البطيء , إلاّ أنه في نهاية المطاف سيصب هذا المؤتمر في أي ممرٍ سار فيه , في دروب النظام العالمي الجديد , قصُر الزمان أو طال , فالأمر سيان ... فما هي مؤشرات ذلك ؟
مؤشراتٌ ذات دلالة
لقد عادت النقاشات مجدداً في الكيان الصهيوني , ومن مختلف الشرائح الوازنة فيه , من سياسيين وأمنيين , وتحديداً في مراكز البحث العلمي , وذلك حول ما الذي يتمناه الكيان في خواتيم الأزمة السورية , وكيف هو الوجه المفضل لديه في استقرار هذا البلد .. وذلك في عود على بدء , ولكن بشكلٍ معكوس هذه المرة , ففي بدايات الأزمة , لم يكن يختلف إثنان في الكيان , من ضرورة التخلص من " نظام الأسد " , حتى لو كان ذلك لصالح شياطين الأرض ... فهؤلاء بنظر الصهاينة أقل خطراً وأخف وطأة على الكيان من بقاء النظام الحالي ..
لقد عبّر أكثر من مسؤول صهيوني , بأنه " يفضل بقاء الوضع الحالي في سوريا , في حال خُيِّرت إسرائيل بين وصول الإسلاميين إلى السلطة , وبقاء الأسد , فإنها تُفضِّل بقاء الوضع الحالي على ماهو عليه "
من الواضح أن السفن في سوريا بدأت تُبحر بعكس ما تشتهيه الرياح الصهيونية , وتحديداً لصالح الدولة السورية على حساب الجماعات الإرهابية وراعييها .. مما شكل بلا شك خطورة استراتيجية على أماني الكيان الصهيوني في إطالة النزف .. وذلك نظراً لتداعيات هذه الإنعطافة في مسار الأزمة السورية على الكيان الصهيوني واستراتيجيته المرحلية ,..(ولقد فصلنا سابقاً في أهمية نصر سوريا استراتيجياً على المنطقة برمتها )
إذاً , والحال كذلك , فلقد ضاقت الخيارات أمام الكيان الصهيوني , فإما ينتظر نتائج الحسم في سوريا , حيث ستكون كارثةً عليه , وإما أن يختار الوصول إلى ذاك الحسم تحت مظلة التفاهمات الروسية – الأمريكية في إعادة توزيع الأدوار ومناطق النفوذ في المنطقة بينهما ..
ما الذي يعزز هذا التحليل ؟ لقد أوردت مجلة " ذي نيويوركر " الأمريكية في مقال نُشر الإسبوع الماضي , حول موقف الرئيس الأمريكي أوباما حيال تطورات الأوضاع في سوريا , معتبراً أنه " مقتنعاً بقراره عدم التدخل العسكري " ومعترفاً بأنه مضطرٌ " للعمل مع الدول التي استثمرت الكثير من أجل بقاء نظام الأسد في السلطة – الروس والإيرانيين " وهذا لا يمكن تفسيره إلاّ ضمن رضوخ أمريكا مؤخراً لتقاسم النفوذ في المنطقة .. واعتبار النظام في سوريا واستمراريته من حصة الحلف الروسي – الإيراني ..
ومن الدلائل الإضافية أيضاً - والتي تعزز ما نذهب إليه - ما ذكره الوزير لافروف نفسه في مونترو وما قبلها , من ان روسيا وأمريكا قد اتفقتا على مرتكزات عدة في سبيل الوصول إلى حل الأزمة السورية , والتي من بينها " ..وحدة الدولة السورية , وعدم قيام حكم إسلامي فيها ..." وبالتالي فإنه لا بد لهذه الثوابت من أليات تنفيذية صيغت , أو هي في طور الصياغة , وقد وُضعت ركائزها بين الكبار مسبقاً ..
أثمانٌ تُدفع
لا يتسع المقام في هذه العجالة للحديث حول مكتسبات أمريكا وأوروبا من هذا التوزيع الجديد لمناطق النفوذ في العالم , إلاّ أن القاعدة تقتضي أن مثل هذه الصفقات بين الطبقات السياسية العليا في العالم , لا بد أن يصاحبها الكثير الكثير من الألام , وخصوصاً إذا كانت أمريكا مجبرةٌ على الأفول , وروسيا في مرحلة الصعود , تنصب لها الكثير من السلالم السلسة, كي لا يكون أفولها سريعاً ومدوياً , وذلك تجنباً لتداعيات أكبر مما يحدث اليوم .. وبالتالي فإن ما تشهده المنطقة اليوم من بثٍ للإرهاب الذي سرى فيها كالسم في الجسد , والذي جُمع من أقصى أقاصي الأرض , ليوضع بوجه القوى الصاعدة من أطراف محور الممانعة فيها , ليُفرض عليها – وبشكلٍ لم تختاره هذه الدول والأطراف – محاربته , بعد أن أضحى في عُقر دارها ... لتشتغل هذه الأطراف بخوض النزال معه .. حيث سيكون مخاض الإنتصار عليه ليس بالأمر اليسير , نظراً لطبيعة المعركة التي يخوضها , ونظراً لحركته واسلوبه المتحرّك باستمرار ... فكسر الإرهاب واجتثاثه ستكون عملية عسيرة ومؤلمة , وقد تمتد ردحاً من الزمن .. فكل ذلك بلا شك هو بعضٌ من الأثمان التي تدفعها القوى الصاعدة على دروب انتصارها .
من الأثمان الأخرى التي تُدفع اليوم - والتي حذرنا منها منذ حوالي أكثر من عامين , عندما كتبنا حول " الإستيطان بين (الربيع العربي ) واللانظام الدولي حتى العام 2014 " – هي تتجسد في فلسطين ومحاولات أمريكا الحثيثة لتصفية قضيتها , والإستيطان الصهيوني الذي يلتهم ما تبقى من أرضها ... وكل ذلك في زمن الأفول الأمريكي !
قد يفشل جنيف 2 , أو قد يتعثر , أو أنه قد يسير سلحفاتياً , أو أنه سيكون فاتحةً لأكثر من جنيف ... كل ذلك ممكن الحدوث, بحسب تطورات الميدان أولاً , والسياسة تالياً ... إلا أن الثابت في كل ذلك أن هذه المحطة من عمر الحرب على سوريا وأطراف الممانعة من خلفها , قد شكلت إيذانا وإشعاراً لما قد يكون قد تم إنجازه بين الكبار .. وأن آلام ذلك وآماله , ستكون باهضة الأثمان على الجميع , وإن بنسب متفاوتة بين الأفلين والصاعدين , على حد سواء .
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه