27-11-2024 08:37 PM بتوقيت القدس المحتلة

"14 آذار" تقسّم الادوار.. من التعطيل الى التعطيل

فجأة قَبِلَ فريق "14 آذار" وتحديدا "تيار المستقبل" الدخول في الحكومة اللبنانية، ومن يسمع الخطاب الحالي لغالبية هذا الفريق لا يقول إنهم هم من رفض الشراكة الوطنية طول الفترة الماضية.

فجأة قَبِلَ فريق "14 آذار" وتحديدا "تيار المستقبل" الدخول في الحكومة اللبنانية، ومن دون سابق إنذار راحت قيادات "المستقبل" وفي مقدمتهم سعد الدين الحريري ومن معهم من الحلفاء يرفعون وتيرة الشروط والشروط المضادة لقبولهم بدخول الحكومة لتبريرهم ذلك أمام جمهورهم، وكي لا يضعوا انفسهم في موقع المتناقض مع خطابهم الذي طالما نادوا به من رفض الجلوس الى طاولة حكومية فيها حزب الله وغيرها من الشعارات الرافضة للشراكة بين اللبنانيين.

ومن يسمع الخطاب الحالي لغالبية فريق "14 آذار" وخصوصا "تيار المستقبل" لا يقول إنهم هم من رفض الشراكة الوطنية طول الفترة الماضية، ويعتقد ان فريق "8 آذار" هو من كان يعرقل قيام الحكومة ويعتقد ان نجيب ميقاتي لم يبادر تجاه سعد الحريري وحلفائه لدعوتهم المشاركة في حكومته التي تصرف الاعمال منذ عدة اشهر، من يسمع خطاب المستقبل و14 آذار لا يظن ان هؤلاء من قرروا ترك الحكومة وعدم المشاركة فيها لان سعد الحريري لم يكن رئيسها.
 
ومع ذلك ما هي الاسباب التي جعلت "14 آذار" يقبل الدخول في الحكومة ولماذا تراجعوا عن رفضهم للشراكة الوطنية؟ هل فعلا لانهم وجدوا اليوم انها من متطلبات مصلحة لبنان وتغليبها على مصالحهم الخاصة ام ان هناك اسبابا اخرى؟ رغم ان البعض في هذا الفريق لا يزال يجاهر برفضه المشاركة مع باقي اللبنانيين وكانه يريد لبنان له وحده لا يشاركه فيه اي فكر او رأي او احد يختلف معه؟ كما ان البعض يحاول التعطيل من باب رمي التهم على الآخرين للقول ان غيره من لا هو.

بكل الاحوال وايا كانت الادوار التي يحاول اطراف فريق "14 آذار" لعبها وايا كانت اسبابها، يبقى السؤال المطروح من يتحمل مسؤولية رفض "14 آذار" المشاركة طوال الفترة الماضية بما حملت من أضرار بحق لبنان؟ ولا تقتصر الاضرار على موضوع النفط مثلا او على السيارات المفخخة والارهاب الذي بات في قلب لبنان بسبب البيئة الحاضنة التي ابتدعها هؤلاء ردا على خروجهم من السلطة. فهل "قبولهم" اليوم بالمشاركة ينطوي على خلفيات معينة لتحقيق غايات ما او مشروع معين ام انهم فعلا استيقظوا انهم كانوا مخطئين في تقديرهم للاوضاع؟ وماذا عن رفض البعض وقبول البعض الآخر هل هو تبادل ادوار تنفيذ لاجندات محددة مسبقا؟

وبغض النظر عن بنية هذه الحكومة او هيكليتها او بيانها الوزاري وكيفية توزيع الحقائب بين الاطراف السياسية المختلفة، ورغم كل التعطيل على مدى اشهر من قبل "المستقبل" وحلفائه، بدأنا نشهد اليوم تظهيرا للمشكلة امام الرأي العام اللبناني ان المعطل في مكان آخر وليس في "بيت الوسط"، وانه ربما في الرابية وليس متنقلا بين الرياض وباريس، حيث ان البعض بات يشير الى ان التعطيل مصدره من سيرفض بعض التفاصيل التي لها علاقة المداورة مثلا او حتى بالبيان الوزاري، لكي تنتهي القصة باتهام "التيار الوطني الحر" انه وراء تعطيل البلد، ولكن رغم كل هذا "الخبث" السياسي يجب ان لا ننسى بل يجب التركيز والتذكير دائما وابدا وصولا الى حد المجاهرة الصريحة، ان المعطل الحقيقي هو الفريق الذي رفض سابقا ولا يزال يرفض الشراكة الحقيقة والواقعية العادلة بين اللبنانيين.

حول كل ذلك توجهنا بالسؤال الى عضو تكتل "التغيير والاصلاح" النيابي في لبنان النائب زياد اسود الذي رأى ان "تعطيل تشكيل الحكومة في لبنان ليس داخليا بل خارجيا ولكن أدواته داخلية متمثلة بفريق 14 آذار"، واضاف ان "المرحلة الراهنة تحتاج الى وقت اضافي لترتيب الاوراق الاقليمية وانتاج تسوية معينة تكون احدى نتائجها التلاقي او التصادم في الداخل اللبناني"، وتابع "ان ما يحصل من قبل 14 آذار وتيار المستقبل هو تقطيع للوقت ودرءا للمخاطر وليس حلا لها".

ولفت اسود في حديثه لموقع "قناة المنار" الالكتروني الى ان "الفريق الآخر في لبنان يقطع الوقت بهذه الطريقة -من خلال تبادل الادوار ووضع الشروط الغريبة والتعجيزية- لانه محشور في مكان معين في الظرف الاقليمي الحالي وهذا الظرف لم يكتمل بعد"، اضاف ان "التعطيل وصل حاليا على نقطة سخيفة هي المداورة بينما جزهر الموضوع في مكان آخر"، وأكد ان "المشكلة ليست بالمداورة بل بالآليات المعتمدة وباتوزيعات التي تحصل خلافا للقواعد الاساسية الواجب احرتامها".

واشار اسود الى ان "البحث في الموضوع الحكومي يحتاج لمقاربة ترتكز على ثلاثة عناصر هي: اولا: شمول عملية التأليف كل الاطراف وهذه العملية تحتاج الى آلية مختلفة عما يحصل حاليا، ثانيا: الاقرار بحقوق الجميع وفقا لاحجامهم الحقيقية، ثالثا: احترام ثلاث مبادىء هي المناصفة واللتمثيل الصحيح والتوزيع العادل  والصحيح بين الطوائف في الوزارات السيادية او الاستراتيجية"، واكد انه "خلافا لذلك ستبقى عملية تشكيل الحكومة مجمّدة او تراوح مكانها"، ولفت الى ان "من لا يقوم بإعادة ترتيب الآلية المعتمدة لا يريد حكومة جامعة".

وسأل اسود "هل الهدف من تشكيل الحكومة كما يريد فريق 14 آذار هو خلق حكومة عرجاء تصطدم مكوناتها على قاعدة ربط نزاع او ان ثمة تحول استراتيجي اقليمي يفترض تدرج في المواقف لدى فريق 14 آذار من رفض الدخول الى الحكومة مع حزب الله وصولا الى القبول مع التحفظ ومن ثم الانتقال الى المشاركة دون اي تحفظ"، ورأى ان "هذا الامر يحتاج الى وقت لاستدراك معالمه".

وحول رغبة 14 آذار بتشكيل حكومة لتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية، قال اسود إنه يوجد احتمالان في هذا المجال حيث ان "من يسعى لتشكيل الحكومة على هذه القواعد اما انه يراهن على الحلول في الفراغ محل رئيس الجمهورية وان تلعب هذا الدور بكل اوراقها ولذلك يعملون لحذف الفريق المسيحي الاكثر تمثيلا في لبنان لتكون مهمتهم سهلة في الفراغ"، واضاف "قد يكون الهدف فريق الآخر عبر هذه الحكومة هو الوصول الى التمديد لرئيس الجمهورية ومن ثم التعايش مع هذه الحكومة من دون ان يكون فيها فريق مسيحي وازن يعتبر مكون اساسي في هذا البلد كالتيار الوطني الحر".

واعتبر اسود ان "الاحتمالين المذكورين أعلاه هما في حضن رئيس الجمهورية ميشال سليمان وفريق 14 آذار وواجهته تمام سلام"، ورأى ان "الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام هو مجرد آداة بيد 14 آذار وتيار المستقبل تحديدا"، وذكّر ان "طيلة الفترة الماضية لم يبادر سلام لتشكيل الحكومة بشكل جدي وفاعل"، وسأل "ماذا فعل سلام طيلة الفترة الماضية ولماذا لم يتحرك لتشكيل الحكومة ولماذا اليوم استفاق وعلم انه يجب تشكيلها علما انه لم يبادر في يوم باتجاه اي فريق لتقديم اقتراحاته لتشكيل الحكومة".

وحول حقيبة النفط وما يثار حولها اليوم من قبل "14 آذار"، قال أسود إنه "عندما تتغير آليات تشكيل الحكومة يصبح لكل حادث حديث ويمكن عندها البحث في اي شيء"، واكد ان "طرح المداورة للحقائب الوزارية في حكومة من المفترض ان ستعيش لمدة ثلاثة اشهر فقط هو إلتفاف على وجود المسيحيين في الحكومة خاصة انه في لبنان كل شيء فيه يحسب على اسس طائفية"، وسأل "ما معنى إعطاء رئيس الجمهورية حصة في الحكومة وهو بعد ثلاثة اشهر سيترك منصبه ويرحل؟"، وتساءل "الوزراء الذين سيكونون من حصة الرئيس أين ستصبح مرجعيتهم السياسية بعد رحيل الرئيس لانتهاء مدة ولايته؟". 

لا بدَّ لمن يريد الشراكة فعلا لا قولا ان يقدم دلائل على ذلك خاصة انه طالما عطّل البلد والدولة طيلة الفترة الماضية، فلا يكفي الحديث عن قبول المشاركة بينما توضع العراقيل تلو العراقيل امام ولادة هذه الحكومة، والانكى من ذلك التهرّب من المسؤولية بـ"خبث سياسي" مفضوح لا ينطلي على احد، ورمي التهم باتجاه من سعى دائما للعودة الى الدولة والمؤسسات ولم يفوّت طريقا للتلاقي إلا وسلكها.