ازدهرت في الفترة الاخيرة ظاهرة لجوء المستهلك لطلب السلع الالكترونية من الخارج، والحافز لنمو هذه الظاهرة: فارق الاسعار الشاسع. بعض المستهلكين يقولون انهم يوفرون مبالغ طائلة عند شراء اي سلعة، حتى بعد...
ازدهرت في الفترة الاخيرة ظاهرة لجوء المستهلك لطلب السلع الالكترونية من الخارج، والحافز لنمو هذه الظاهرة: فارق الاسعار الشاسع. بعض المستهلكين يقولون انهم يوفرون مبالغ طائلة عند شراء اي سلعة، حتى بعد احتساب كلفة النقل او البريد. ويوضح الخبير الاقتصادي كمال حمدان ان الاسعار منفوخة في لبنان نتيجة الاحتكار.سهى شمص / جريدة الأخبار
درجت في الفترة الأخيرة بين اللبنانيين هواية التقاط الصور ثم تحميلها على الإنترنت وانتظار ردود الفعل عليها. من أجل ممارسة هذه الهواية يحتاج الِمصور إلى جهازين أساسيين، كاميرا رقميّة وجهاز كمبيوتر محمول، ولتسهيل الأمر أكثر انضمّ إليها الجهاز اللوحي Tablets فمثلت قائمة أصبح يحتاجها كل من يريد مواكبة التقدّم في التكنولوجيا الاستهلاكية. لكن خلف كل ذلك يبقى السؤال الذي يحيّر جميع اللبنانيين، وخاصةً الذين يخوضون هذا السباق: لماذا أسعار هذه الأجهزة في لبنان أغلى من الخارج؟ وخاصّة في دول تتمتع بمتوسط دخل اعلى بكثير من لبنان كدبي وفرنسا وأميركا؟
من أمام رفوف العرض في محل لبناني، سعر الكاميرا الرقميّة Nikon D5200 مع عدسة (18-55 mm) 1298$، سعر الكمبيوتر المحمول Mac D101 1319$، بينما سعر الجهاز اللوحي Samsung Galaxy Note 10.1 N8000 699$. هذه الأسعار قد تتفاوت على نحو بسيط جداً بين المحال اللبنانيّة
المختلفة.
على صفحة الإنترنت في موقع التجارة العالمي www.amazon.com، أغلى سعر للكاميرا نفسها 746$ وللكمبيوتر المحمول نفسه 1149$ وللجهاز اللوحي نفسه 492$.
لنتجه غرباً إلى الولايات المتحدة الأميركيّة، تحديداً إلى محل في ولاية نيويورك، تبلغ أسعار السلع الثلاث 799$ للكاميرا، 1193$ للكمبيوتر المحمول، و550$ للجهاز اللوحي، ثمّ إلى فرنسا، أسعار السلع مع مراعاة الترتيب المعتمد نفسه، 790$، 1333$ و660$، بعدها إلى الجنوب الشرقي نحو دبي 671$ للكاميرا 1115$ للكمبيوتر المحمول و457$ للجهاز اللوحي.
مع مقارنة الاسعار بين لبنان من جهة، ودبي وفرنسا وأميركا من جهة أخرى، نلحظ أنّه بالنسبة إلى الكاميرا الرقميّة Nikon D5200 مع عدسة (18-55 mm) لبنان أغلى من الولايات المتحدة الأميركيّة ودبي وفرنسا بمعدّل يتجاوز الـ38%. أما بالنسبة إلى الجهاز المحمول Mac D101 فأغلى من الولايات المتحدة الأميركيّة ودبي بمعدّل تقريبي 10% وتتجاوزه فرنسا بـ14$. وأخيراً بالنسبة إلى الجهاز اللوحي Samsung Galaxy Note 10.1 N8000 فلبنان أغلى من الولايات المتحدة الأميركيّة ودبي، بمعدّل يتجاوز الـ20% وأغلى من فرنسا بـ93$.
وإذا كانت حجّة الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة وغيرهما من ضرائب ورسوم حجّة معتادة لتبرير ارتفاع الأسعار في لبنان. فالأجهزة الثلاث، الكاميرا الرقميّة والكمبيوتر المحمول والجهاز اللوحي، لا تخضع لأي تعريفة جمركيّة وعليها صفر ضريبة على القيمة المضافة VAT في لبنان، بينما في الولايات المتحدة الأميركيّة تراوح ضريبتها (الضريبة على القيمة المضافة) بين 0% والـ9% حسب الولايات، وبالنسبة إلى نيويورك فتبلغ 8.875%. أما في فرنسا، فتبلغ 20%، وما من ضريبة في دبي. فإذا كانت أسعارها في فرنسا أغلى من دبي وأميركا بسبب ضريبة القيمة المضافة المرتفعة في فرنسا، فلماذا لبنان أغلى من فرنسا نفسها مع عدم وجود هذه الضريبة؟
اللبناني «الذي جاب العالم»، أدرك جيّداً أنّ أسعار الإلكترونيّات في لبنان أغلى من أسعارها في دول تعد أغلى من لبنان، كالولايات المتّحدة الأميركيّة ودول أوروبا. واللبناني «الشاطر» وجد أساليب للحصول عليها من الخارج بسعر أرخص.
هادي مثلاً يحب ممارسة هواية التصوير، وهذه الهواية تعد من الهوايات المكلفة نظراً إلى ارتفاع أسعار الكاميرات والعدسات والأكسسوارات المتعلّقة بها داخل لبنان. ولمواكبة العصر يجب شراء كل فترة عدسات أكثر تطوراً واستبدال الكاميرا بواحدة أحدث. لجأ هادي إلى استعمال الإنترنت لهذه الغاية، فأصبح يشتري ما يريد بسعر أرخص بكثير من لبنان، ويطلب إيصاله إلى منزل أحد أقربائه في أميركا، فينتظر عودة الأخير ليأتي بالغرض معه. يقول هادي «من خلال هذه العمليّة استطعت إحدى المرّات أن أوفّر 400$ ثمن عدستين وبعض الأكسسوارات».
أمّا علي، فقد اشترى قطعة تغيير للسيّارة عبر أحد المواقع التجاريّة العالميّة ووفر أكثر من نصف السعر، وهو يمارس هواية تركيب الطائرات الكهربائيّة الصغيرة، التي تتطلّب الكثير من القطع المكلفة. ويقول «أفضّل شراء مثل هذه الأمور عن الإنترنت، لأنه حتى مع احتساب تكاليف الشحن تبقى أرخص من لبنان».
لماذا إذاً على اللبناني أن يدفع أكثر ممّا تدفعه «الشعوب الغنيّة» ليلحق بركب الحداثة والتطوّر؟
الإجابة بكلمة واحدة: الاحتكار. يشرح الخبير الاقتصادي كمال حمدان الحالة على نحو مفصّل، اذ إن أسواق الاستيراد في لبنان شبه احتكاريّة وبعضها يخضع للاحتكار الكلّي، فحفنة قليلة من المستوردين تتحكّم في السوق. مما يولّد شبه احتكار للعرض مع حجم طلب مرتفع. وهذا ما يؤدي إلى وجود أسعار منتفخة أكثر من «الطبيعي»، الذي من المفترض أن تكون عليه، مما يجعل المستهلك يدفع الثمن. ويوضح أنه بالنسبة إلى السلع الكهربائيّة فهي تخضع للطلب غير المرن، ومعناه أنه مهما ارتفع سعرها فلا يمكن الاستغناء عنها واستبدالها بسلعة أخرى، وخاصة بالنسبة إلى الماركات العالميّة المشهورة، التي يضطر المواطن إلى شرائها، مهما غلا ثمنها لكونه لا يمكنه استبدالها بماركات أخرى. أمّا الحل، فهو بوجود أجهزة رقابيّة على الأسعار مع إقرار مشروع قانون المنافسة، وتنفيذ قانون إلغاء الحماية عن الوكالات الحصرية، واعتماد سياسات اقتصادية ومالية تتكل على الأبحاث والدراسات لبيئة الأسواق، مع تفعيل لجان أهليّة لحماية المستهلك.
تجدر الإشارة إلى أن القوانين والمراسيم اللبنانيّة استثنت فقط المواد الغذائية من حصرية التمثيل التجاري، فيما باقي المواد ومنها الالكترونية والكهربائيّة تخضع لاحتكار وكلاء حصريين، بعضهم سياسيون او يرتبطون بعلاقات نفعية مع السياسيين. وهم من منعوا حتى الآن إقرار مشروع قانون المنافسة، الذي تنقل لسنوات بين مجلس الوزراء ومجلس النوّاب، دون أخذ قرار جدّي بمناقشته، ومنعوا اقرار وتنفيذ قانون إلغاء الحماية القانونية عن الوكالات التجارية الحصرية.
الرابط على موقع جريدة الأخبار