27-11-2024 11:45 PM بتوقيت القدس المحتلة

تحويل النفايات إلى طاقة: صناعة الأوهام

تحويل النفايات إلى طاقة: صناعة الأوهام

فتح مشهد نفايات بيروت وجبل لبنان المتكدسة في الطرقات شهية العديد من الطامحين إلى الاستثمار في هذا القطاع، علماً بأن خطة تحويل النفايات إلى طاقة لا تزال حبراً على ورق، ولا مفر من استبدالها بخطة طوارئ..

تحويل النفايات إلى طاقة: صناعة الأوهامفتح مشهد نفايات بيروت وجبل لبنان المتكدسة في الطرقات شهية العديد من الطامحين إلى الاستثمار في هذا القطاع، علماً بأن خطة تحويل النفايات إلى طاقة لا تزال حبراً على ورق، ولا مفر من استبدالها بخطة طوارئ جديدة في حال تنفيذ الوعد بإغلاق مطمر الناعمة ــ عين درافيل.

بسام القنطار / جريدة الأخبار

تعهد الرئيس تمام سلام أن يضع قضية إدارة النفايات المنزلية الصلبة في اولويات عمل حكومته القصيرة التي يفترض أن تناقش مسودة خطة أعدتها حكومة الرئيس ميقاتي، تقوم على مبدأ تحويل النفايات الى طاقة، بالاستناد الى دراسة اعدتها شركة رامبول الدنماركية لمجلس الانماء والاعمار بالتنسيق مع وزارة البيئة وبالاستناد الى القرار رقم ٥٥ الصادر عن مجلس الوزراء في ايلول عام ٢٠١٠.
 
الا ان النفايات المكدسة في الشوارع اعادت تحريك العديد من المشاريع الراكدة:

استاذ الكيمياء الفيزيائية والهندسة البيئية الدكتور جميل ريما، أعاد التذكير ببراءة اختراعه، المسجل في وزارة الاقتصاد باسم RPC، لتحويل النفايات الى فحم ــ كربون خام يُستخدَم وقوداً لمعامل الإسمنت. وأكد ريما أن «هذه التقنية تعتمد على عوامل ثلاثة: الحرارة التي تصل الى 400 درجة، والضغط 10 BAR ومحفز، وبعد ارتفاع الحرارة في غضون 15 دقيقة يصبح بالامكان تحويل كل المواد العضوية الى كربون».
 
بدوره، روّج رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين نعمة افرام لمشروع تقدّم به لتحويل النفايات إلى طاقة. ويقول افرام إن هذا المشروع طرحه في عام ٢٠٠٩ من خلال مؤتمر في بكفيا. ويؤكد افرام أنه يملك التكنولوجيا والخبرات الكافية لوضع وحدات لتحويل النفايات إلى طاقة كهربائية و٥ آلاف طن من النفايات يومياً تنتج نحو ١٠٠ ميغاوات من الكهرباء.
 
تجاهل افرام اثناء اعادة طرح مشروعه قبل ايام وجود دراسة أعدها مجلس الوزراء تقوم على مبدأ تحويل النفايات الى طاقة، وإنه في حال إقرار هذه الخطة، يمكنه التقدم الى المناقصة التي يفترض ان تستدرج عروضاً عالمية وتدرسها وتعلن الفائز بناءً على المواصفات التي تحددها، علماً بأن الخطة تتضمن شروطاً عديدة للتأهل، أبرزها أن تكون التقنية المعروضة مجربة وآمنة وتعمل في عشرة بلدان على الأقل.
 
النقطة الابرز التي أثارها افرام في اطلالته الاعلامية هذا الاسبوع تتعلق بمؤسسة كهرباء لبنان التي تملك حصرية إنتاج الطاقة في لبنان، وبالتالي لا يحقّ للمؤسسة أن تشتري طاقة من القطاع الخاص؛ لأنها بحاجة إلى قانون يقره مجلس النواب.
 
ومن المعلوم ان مشروع قانون ٤٦٢ الذي ينظّم مؤسسة كهرباء لبنان ويفتح المجال امام بيع الطاقة من قبل القطاع الخاص، هو العمود الفقري لأي خطة تتعلق بتحويل النفايات الى طاقة. إلا ان عدم حماسة معظم الأطراف السياسية لتنفيذ هذا القانون وتجاهل اشراك وزارة الطاقة في الخطة الاستراتيجية التي اعدتها اللجنة الوزراية لتحويل النفايات الى طاقة، يشير الى فشل ذريع في مقاربة هذا الملف، ما يجعل الخطة المطروحة مجرد حبر على ورق.
 
مشروع آخر ظهر الى العلن بعد ازمة النفايات التي ملأت الطرقات يعود الى مطلع عام ٢٠١٢، يقوم على مبدأ تحويل النفايات الى مادة بيو ايثانول، تقدمت به شركة اثاتيك الى وزير الداخلية والبلديات مروان شربل، بواسطة وكليها المحامي انطوان جبرائيل. حينها، تعهدت الشركة تشييد ستة معامل لفرز النفايات وتوضيبها وتغليفها على نفقتها الخاصة بكلفة تصل الى ٦٠٠ مليون يورو. واعلنت الشركة استعدادها لتشييد هذه المعامل لتغطية كامل الكمية وحجم النفايات المجمعة، على ان تشمل هذه الكلفة استئجار العقارات وتشييد المعامل، مع ما يتطلبه ذلك من بنية تحتية. وتعهدت الشركة نقل النفايات بعد فرزها الى مصنع يشيد على ارض ملاصقة للشاطئ، بحيث تحوَّل النفايات الى مادة بيو ايثانول وتُضَخ بأنابيب لتحميلها الى بواخر خاصة تقف في عرض البحر.
 
في المقابل، طلبت الشركة في مقابل استثمارها الضخم ان تتعهد الدولة اللبنانية إعطاء الشركة حقاً حصرياً والتزاماً لمدة ٣٠ عاماً وتسليمها كامل النفايات المجمعة. ولمّحت الشركة الى استعدادها لدفع اموال اضافية على الطن في حال الموافقة على المشروع!
 
وتقول الشركة إنها قادرة على انتاج ملايين الليترات من وقود الإيثانول باستخدام تقنية «التحليل المائي الحامضي المركز».
 
استطلعت «الأخبار» عدداً من المعنيين بهذا الملف ليتبين ان مدير الشركة قدم بالفعل الى لبنان عام ٢٠١٢، وطلبت منه وزارة البيئة ان تزور احد المعامل التي يديرها ضمن هذه التقنية للاطلاع على سير الاعمال، وبعد ان تعهد تأمين زيارة لقبرص او اوكرانيا للكشف على المعمل انقطعت اخباره ولم يعاود الاتصال.
 
ولبيان صحة هذه المعلومات اتصلت «الأخبار» برئيس مجلس ادارة شركة اثاتيك فالديس ليبانس في جمهورية لاتفيا، الذي أكد بالفعل ان الشركة تقدمت بعرض الى الحكومة اللبنانية عام ٢٠١٢، مشيراً إلى ان هذا العرض لم يعد صالحاً اليوم بسبب الاحداث الامنية في لبنان وسوريا، التي تجعل من استثمار ضخم بهذا الحجم مخاطرة غير منطقية. وحول المعامل التي تديرها الشركة حول العالم، اشار ليبانس الى ان استثمارات الشركة الاساسية هي في روسيا والهند، لافتاً الى انه إن كان دفتر الشروط الذي ستطرحه الحكومة اللبنانية لمشروع تحويل النفايات الى طاقة يتطلب ان تكون الشركة عاملة في عشر دول على الاقل، فإن ذلك سيبعد العشرات من الشركات الطامحة الى الاستثمار في هذا القطاع، وبينها شركة ايثاتيك.
 
هل سيكون بمقدور الحكومة المزمع تشكيلها التصديق على استراتيجية تحويل النفايات الى طاقة والبدء بالمرحلة الثانية؟ من المعلوم ان مسودة الخطة بصيغتها الحالية هي غير صالحة للإقرار؛ لأنها اعتمدت اسوأ وأكثر الخيارات كلفة من بين جميع الخيارات التي طرحتها شركة رامبول. والاهم ان كلفة هذه الخطة ليست مكتملة ان لجهة تحديد كلفة استملاك الاراضي التي ستنشأ عليها محارق للنفايات او المطامر المخصصة لدفن الرماد المتطاير السام الناتج من عملية الحرق، كذلك فإنها لا توضح ما اذا كانت المواقع المقترحة قد نالت موافقة البلديات المعنية، وهي تتجاهل بنحو مفضوح الإشارة الى حوافز للبلديات لتشجيعها على القبول بهذه المحارق، علماً بأن المشروع برمته يلقى اعتراض الجمعيات البيئية.
 
وبالعودة الى مسودة الخطة التي اقرتها لجنة وزارية برئاسة سمير مقبل، يتبين ان المرحلة الثانية التي يفترض ان تنفذها شركة رامبول تحتاج الى تسعة اشهر ونصف، تبدأ من تاريخ تبلغ الشركة موافقة مجلس الوزراء على المرحلة الاولى. وتتضمن المرحلة الثانية تحضير ملفات التأهيل المسبق للمتعهدين، مساندة الادارة في تقويم الملفات وإعداد ملفات التلزيم وتقويم العروض المقدمة، وإعداد ملفات الاستملاك العائدة لمواقع المحارق.
 
ويستدل من هذه الخطة ان عملية ربط اقفال مطمر الناعمة – عين درافيل بإقرار وبدء تنفيذ الخطة الوطنية لتحويل النفايات الى طاقة تجعل من المهلة الزمنية لإقفال هذا المطمر لا تقل عن ست سنوات، وان الموعد الذي ضرب لإقفاله في مطلع عام ٢٠١٥ هو وهم لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إقرار خطة طوارئ تستكمل تقنية الطمر وبالبحث عن موقع بديل للطمر، وهي خطوة ترفض الاطراف السياسية الخوض فيها لعلمها المسبق ان اي موقع جديد سيواجه برفض المجتمع المحلي.

الرابط على موقع جريدة الأخبار