كشفت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن السيارة «نزلت من طريق بلدة عرسال بشكل هادئ وبطيء، وكان من يقودها يشغل الإشارات الأربع (الفلاشر)».
بعد أسبوعين على التفجير الانتحاري الأول في 16 الشهر الماضي، كانت الهرمل، مساء السبت الماضي، على موعد تفجير انتحاري ثان استهدف محطة للمحروقات وأدى الى سقوط ثلاثة شهداء و27 جريحاً.
رامح حمية
مرة أخرى كانت الهرمل على موعد مع الإرهاب. تفجير انتحاري جديد بسيارة مفخخة. لم يفصل بين التفجيرين سوى أسبوعين فقط، وعشرات الأمتار بين ساحة السرايا، موقع التفجير الأول، ومحطة الأيتام للمحروقات مكان التفجير الثاني. سلك الانتحاري طريقه إلى داخل مدينة الهرمل وفجّر نفسه «بهدوء»، فيما الهدف كان واضحاً بالنسبة إليه: قتل أكبر قدر ممكن من أبناء الهرمل، لا فرق بين عامل محطة كادح خلف لقمة عيش أبنائه، أو شاب لم يتجاوز ستة عشر ربيعاً.
ما يميّز تفجير السبت الماضي والتفجيرات التي سبقته، سواء في الهرمل أو في الضاحية الجنوبية، أنه وقع ليلاً قرابة الساعة السادسة و25 دقيقة من ليل السبت ــ الأحد، عندما توقف انتحاري يقود «غراند شيروكي» في محطة الأيتام للمحروقات وفجّرها بالعمال والزبائن، ما أدى الى استشهاد العامل في المحطة عصام خير الدين (41 عاماً)، وعلي علّوه (16 عاماً)، ومحمد عيسى الهق، وجرح 27 شخصاً، فيما اندلعت ألسنة اللهب التي التهمت ست سيارات وتضررت عشرات المنازل المحيطة.
في مكان التفجير فرضت القوى الأمنية طوقاً أمنياً، استمر طيلة يوم أمس، وعملت الأدلة الجنائية في الشرطة القضائية والشرطة العسكرية في الجيش اللبناني على مسح الموقع وجمع الأدلة. خلف الشريط الاصفر، خارج الطوق الأمني، وجوه خبرت التفجير الاول وعاشت لحظاته العصيبة، كانت موجودة يوم أمس أيضاً، وكأنه المشهد التفجيري نفسه مع فارق عشرات الأمتار. بين هؤلاء من رفع صوته «للاقتصاص من البيئة الحاضنة للتكفيريين من جبهة النصرة وغيرها، لأن الكيل طفح، مبارح فقدنا أحبة، واليوم كمان، وما منعرف إذا التفجير اللي بعدو رح نموت فيه نحنا أو ولادنا». أما البعض الآخر فانهمك في رفع اللافتات التي تؤكد على الصمود والتحدي «وشو ما عملو رح نبقى كاسرين راسهم وداعسينهم»، يقول الرجل الهرملي الستيني.
داخل المحطة تناثرت أجزاء من سيارة الانتحاري التي قذفها الانفجار حوالى عشرة أمتار ولم يتبق منها سوى جزء صغير من مقدمتها، الأمر الذي لم يسمح للقوى الأمنية باكتشاف رقم محركها بسهولة.
وعلمت «الأخبار» أنه تبين بنتيجة التحقيقات أن رقم محرك السيارة هو 901MX14 وهي «غراند شيروكي لون جردوني (رمادي غامق) تحمل لوحة مزورة رقمها 286173، وأن اللوحة الصحيحة رقمها 113289/ج، وأن الرقم المزور يعود بالأساس لسيارة شيروكي رمادية اللون صاحبها ي. إ. لا علاقة له بالانفجار».
واللافت، بحسب التحقيقات الأمنية الأولية، أن الانتحاري كان يعرف جيداً المكان الذي يقصده، «وتحديداً محطة المحروقات والريغار الذي رجّح أنه يعود لخزان البنزين الخاص بالمحطة، وذلك بقصد إحداث أضرار كبيرة من خلال تفجير الخزانات»، إلا أن الريغار الذي تضرر بقطر يزيد على مترين، تبين أنه يعود إلى مغسل السيارات والصرف الصحي للمحطة. وتبين نتيجة الكشف الذي أنجزته الأدلة الجنائية أن المتفجرة كانت موضبة بطريقة مختلفة عن سيارة الـ«كيا» التي استخدمت في تفجير الهرمل الأول.
وأوضح مسؤول أمني لـ«الأخبار» أن المتفجرة وضعت في الصندوق الخلفي، وهي عبارة عن قذائف 155ملم وقنابل يدوية ومعجونة، وموجهة إلى الأسفل، حيث أظهر «قمع» التفجير أن العبوة موجهة «نزول» لتفجير خزانات الوقود، لكن ريغار المياه امتص الصدمة التفجيرية للعبوة التي قدرت بزنة 20 إلى 25 كلغ فقط».
وتجدر الإشارة إلى أن جثة الانتحاري مكتملة الملامح ولم يحصل فيها الكثير من التشويه، ما خلا الجهة الخلفية من رأسه وظهره، لكون العبوة كانت مزروعة خلفه، وبالتالي لم تتحول إلى أشلاء كما هي حال منفذ التفجير الأول في الهرمل الذي لا تزال القوى الأمنية عاجزة عن تحديد هويته.
الأجهزة الأمنية تمكنت من جمع كاميرات المراقبة من محيط مكان الانفجار ومن مفرق بلدة اللبوة ــ عرسال. وكشفت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن السيارة «نزلت من طريق بلدة عرسال بشكل هادئ وبطيء، وكان من يقودها يشغل الإشارات الأربع (الفلاشر)». وأضافت أن الانتحاري دخل الهرمل من مدخلها الرئيسي، ولدى وصوله إلى مقربة من محطة الأيتام «توجه الانتحاري بهدوء مع إشارة جانبية إلى موقع الريغار وأقدم على تفجير نفسه».
وأكد مسؤول أمني لـ«الأخبار» أن سيارة الـ«غراند شيروكي» كان يجري التفتيش عنها، وأن ثمة «وثيقة أمنية بمواصفاتها مع سيارتين مفخختين غيرها»، كاشفاً أن سيارة الانتحاري كانت «مركونة منذ عدة أيام داخل كاراج لشخص من آل الحجيري». وأضاف المسؤول الأمني أن مخابرات الجيش اللبناني «أوقفت منذ ثلاثة أيام شخصاً من آل رايد يقود سيارة من نوع بيك ــ آب محمّلة بقساطل حديدية 8 إنش، ومواد لتوضيب وتصنيع المتفجرات، وأن التحقيقات تتركز مع الموقوف لمعرفة هوية الأشخاص الذين كانوا سيتسلمون منه الشحنة، والذين يجهزون السيارات المفخخة» بحسب المسؤول الأمني.
إلى ذلك، بدا لافتاً الاهتمام لجهة الخرق الذي حصل وكيفية دخول السيارة المفخخة إلى الهرمل على الرغم من الإجراءات الأمنية المتخذة، الأمر الذي دفع إلى توافر اقتناع لدى الأجهزة الأمنية بأن «ثمة من يساعد في توفير المعلومات للجهات الإرهابية والتكفيرية عن حركة وأوقات الرقابة الأمنية والحواجز على الطريق الدولية وفي الهرمل، والدليل تحرك السيارة ليلاً بمجرد فك الحاجز الأمني عند مدخل الهرمل».
وفي بيان على «تويتر»، تبنّت «جبهة النصرة في لبنان»، في بيان، «العملية الاستشهادية الثانية على معقل حزب إيران في الهرمل»، مخاطباً «أهل السنّة» في لبنان أن «قوموا في وجه هذه الطغمة الظالمة ولا تغرنكم هالته الأمنية، فهو أضعف مما يُظهِر بكثير، وما كان تكرار ضرب الأهداف نفسها إلا دليلاً على ضعفه وهشاشته الداخلية».
وتشيع الهرمل اليوم شهداءها وسط إقفال عام وحال حداد أعلنتهما بلدية المدينة، في حين مسحت لجان من الجيش ومؤسسة جهاد البناء الأضرار.
http://www.al-akhbar.com/node/199946
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه