وأهم ما تلاحظه على الفور في ماهية هذه السلسلة أنها نابعة من تحولات بنيوية عميقة تجريها الجامعات في الجمهورية الإسلامية لأسلمة العلوم الإنسانية عامة. وذلك بهدف إنشاء صرح حضاري خاص يتناسب والبيئة الإسلامية
في لقاء نخبوي ضم مثقفين ودكاترة من مختلف الاختصاصات تنادى معهد المعارف الحكمية لعقد سلسلة حول التربية على السيادة الشعبية الدينية. حلقة يوم الجمعة الماضي تمحورت حول وثيقة التحول البنيوي للتربية والتعليم في الجمهورية الإسلامية في إيران.
ألقى المداخلة الأساسية الدكتور محمد عليق، وهو خريج جامعة طهران في اختصاص "فلسفة التربية".
وأهم ما تلاحظه على الفور في ماهية هذه السلسلة أنها نابعة من تحولات بنيوية عميقة تجريها الجامعات في الجمهورية الإسلامية لأسلمة العلوم الإنسانية عامة. وذلك بهدف إنشاء صرح حضاري خاص يتناسب والبيئة الإسلامية والأمة الإيرانية التي تعتنق الإسلام المحمدي الأصيل.
وهذا التحول البنيوي لا يتأتى من وحي ولاية الفقيه الحالية المتمثلة بالإمام الخامنئي "دام ظله"، بل هي انبثقت مع فجر ولاية الإمام الخميني الراحل (قده) إذ يمكن بوضوح ملاحظة محورية فكرة التربية وصناعة الإنسان وإعداد المجتمع الإنساني الإسلامي.
وشرح الدكتور عليق باقتضاب وثيقة التحول البنيوي في التربية والتعليم تاركا المجال للنقاش والإشكاليات التي طرحها الحضور النخبوي.
وهذه الوثيقة تنسجم مع ميثاق الأفق 1404 هـ. ش (الخطة العشرينية) والخارطة العلمية الشاملة للجمهورية الإسلامية وتمهد الطريق للتحولات الكبرى المنشودة.
ومن الأفكار الأساسية التي نالت حيزا من النقاش هي محورية المعلم التي تعدها هذه الوثيقة من الأساليب العملية لتحقيق الأهداف، إضافة إلى نشر الثقافة الإسلامية بمفراداتها الكلية والجزئية لتصبح مسلكاً أصيلا عند الشعب بحيث تضحي خياراته هي التي تطالب بإحقاق العدالة الإسلامية وبالنظام الإسلامي، دون أن يصار إلى فرضه عليهم. وهنا ترتكز عقلانية مفهوم حرية الاختيار والانتخاب والسيادة الوطنية عند الإمام الخامنئي والتي يبتعد عن تسميتها بالديموقراطية، التي هي نتاج العقل الغربي،
وأكثر ما يلفت في هذه الوثيقة مفهومها لطرح الهوية: إذ إنها تقول الهوية خلاصة مجموعة من العقائد والميول والأعمال والصفات والقدرة على الفهم عند الإنسان. وانطلاقا من هذه النظرة هي ليست فقط أمراً غير ثابت وغير مقرّر سابقاً، بل هي نتيجة سعي وتوفيق الشخص. وهي إلى حد ما متأثرة بالظروف الاجتماعية، فالإنسان مخلوق يستطيع بالاعتماد على فطرته ومواهبة الطبيعية، وبالاستفادة من قدرة العقل والإختيار والإرادة، يستطيع الحصول على المعرفة. ويمكن لهذه المعرفة المحصّلة أن توجد لدى المتربي. الفهم والميل الباطني والأرضية الإيمانية وتكوين الإرادة والقرارات المؤدية إلى العمل. وبالتدريج ومن خلال هذا العمل وتكراره تتشكل الهوية لديه. إن هذه الأمور أيضا لها دور أساسي في تحول لاحق في الهوية.
في الحقيقة هذا المفهوم المطروح بهذا الشكل يعيدنا إلى ضرورة تعريف مفهوم الهوية من جديد، ويحزونا إلى ضرورة التوقف عند من نتهمهم بمأزومية الهوية، فهل يمكن لمن لديه انتمائين أن يجمع بينهما دون نشوء صراع يميل تجاه واحد على حساب الأخر، وكيف يمكنه ذلك ضمن هذا المفهوم..؟!!.إلا أنه ثيّت الدكتور المحاضر محمد عليق أن هذه الوثيقة هي مرتبطة منهجياً بالبيئة الاجتماعية في إيران حكماً ولا يمكن تعميمها على أي شعب أو بلد أخر..
ولكن أيضاً من المؤكد أنه لا ضير في أن نتدارس هذه الوثيقة علّنا نطلع على تجربة جديدة تساهم في خلق رؤية خاصة بالمجتمع اللبناني المتعدد الطوائف وإن كانت إيران بلد متعدد القوميات..