بعد أن دلت دراسات متفرقة ان قضية تلوث الهواء لاسيما في المدن تجاوزت كل الخطوط الحمراء، كان السؤال دائما عن ضرورة وجود أجهزة قياس ثابتة وبرامج مراقبة دائمة لنوعية الهواء وخطة للمعالجة والوقاية.
حبيب معلوف / جريدة السفير
بعد أن دلت دراسات متفرقة ان قضية تلوث الهواء لاسيما في المدن تجاوزت كل الخطوط الحمراء، كان السؤال دائما عن ضرورة وجود أجهزة قياس ثابتة وبرامج مراقبة دائمة لنوعية الهواء وخطة للمعالجة والوقاية. فالدراسات المقارنة و المتفرقة منذ العام 1995 كانت قد أكدت ان نوعية الهواء في لبنان تستدعي إعلان حالة طوارئ لأكثر من مئة يوم في السنة يكون التلوث فيها في حالة الذروة في المدن وعلى ارتفاع بين 600 و700 متر عن سطح البحر.
كما كانت "وحدة البحوث المشاركة حول نوعية الهواء" ، التي تضم باحثين من الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف، والتي أنشاها المجلس الوطني للبحوث العلمية في أواخر عام 2008 ، قد قامت بقياس مستويات الغازات السامة والمواد العالقة في الهواء في مدينة بيروت خلال السنوات الثلاث الأخيرة ووجدت أن مؤشرات تلوث الهواء في مدينة بيروت تتجاوز بأضعاف الحد الأعلى المسموح به من قبل منظمة الصحة العالمية!
كما أظهرت دراسات فريق العمل ان تلوث الهواء في لبنان لم يعد ينحصر في المدن، بل يمتد الى ارتفاعات بين 700 و900 متر عن سطح البحر، حسب فصول السنة وحسب اتجاهات الرياح ودرجات الحرارة...الخ، وهذا يعني أن الحديث من الآن وصاعدا لم يعد ينحصر بتلوث هواء العاصمة بيروت، بل بتلوث هواء لبنان بشكل عام، بناء على كل المعطيات المناخية والتوبوغرافية وبناء على التنظيم المدني وكيفية ترتيب الأراضي في لبنان.
كما بينت الدراسات أن تلوث الهواء يكون في أدنى مستوى له في فصل الشتاء، أثناء تساقط الأمطار التي تسقط معها التلوث على الأرض. إلا أن أوقات الشتاء لا تشكل سوى ما يقارب 75 يوما من أيام السنة وذلك حسب الإحصاءات لعامي 2010 (73 يوم شتاء) والعام 2011 (77 يوم شتاء)، مع معدل انخفاض قياسي هذه السنة، وقد تبين ان التلوث يسيطر على الأجواء اللبنانية طوال 295 يوما، بينها ما لا يقل عن مئة يكون فيها التلوث في حالة الذروة، وهو رقم مرتفع جدا بالنسبة إلى بلد "اخضر" مثل لبنان. كما أشارت الدراسة إلى اتجاهات الرياح بالنسبة إلى المدن القريبة من الساحل حيث يأتي الهواء من البحر إلى اليابسة نهارا، في حين يحصل العكس ليلا. وبالتالي تكون حالة الذروة من التلوث في النهار، ولاسيما بالقرب من الطرق المزدحمة بالسيارات. أما الكلفة الصحية لمعالجة الأمراض الناجمة عن تلوث الهواء فقد بلغت 1,02 من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان!
جديد هذا الملف هو تحرك وزارة البيئة والعمل مع اختصاصيين كي تضع برنامجاً لمراقبة نوعية الهواء، وقد انطلقت المرحلة الأولى من هذا المشروع بخمسة أجهزة موجودة في بعض المناطق اللبنانية وهي أجهزة تعمل بشكل مستمر وتنقل بيانات بشكل "اوتوماتيكي" حول نوعية الهواء الى وزارة البيئة حيث يقوم اختصاصيون في الوزارة بتحليلها وتحويلها الى "داتا" لكي تتمكن من مراقبة نوعية الهواء.
فكيف بدأ هذا الموضوع؟ واين هي المراكز؟ وما هو نوع هذه الاجهزة؟ وكيف تعمل؟ وكيف تم اختيار تلك المواقع وبناء على اية معايير؟ وهل هي كافية ؟ وهل هناك اجهزة متنقلة لنقل الصورة بشكل اوضح وافعل واكثر دقة؟ ومن هو الجهاز البشري الذي سيشرف على هذه العملية؟ من دربه؟ وهل هو دائم في ملاك الوزارة ام هو من ضمن المشروع، ينتهي بانتهاء المشروع كما هي الحال مع معظم هكذا انواع من المشاريع؟ وهل تشمل الخطة إجراءات محددة تطلبها الوزارة في حال وصل التلوث الى الذروة كاعلان حالة طوارئ او اتخاذ إجراءات بمنع التجول او تغيير سياسات ...؟
حملت «السفير» هذه الأسئلة لمديرة مشروع تطوير مراقبة الموارد البيئية في وزارة البيئة التابع لبرنامج الامم المتحدة الإنمائي نور المصري التي أكدت أن عملية رصد نوعية الهواء قد بدأت في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2013 وذلك في ثلاثة مواقع. أما الموقعان الأخيران، فقد أنهيت أعمال التركيب فيهما مؤخرا بحيث أصبحت الوزارة تملك خمسة أجهزة مؤتمتة تخضع لأعمال المعايرة والصيانة دورياً لضمان حسن عملها.
مراكز المحطات
تتمركز هذه المحطات الخمس في الأماكن التالية:
- معهد التعليم في ثكنة محمد مكي بعلبك.
- ثانوية رفيق الحريري - صيدا.
- حديقة الممشية - زحلة.
- حرج بيروت.
- مجمع الجامعة اللبنانية الحدث.
نوعية الأجهزة
تعرف هذه الأجهزة بـ«الـمؤتمتة»، أي إنها تعمل بشكل مستمر لقياس نسب الملوثات الموجودة في الهواء. تحتوي محطة الرصد على أجهزة تحليل مختلفة، وذلك وفقا لأهداف الرصد وخصائص الموقع، لا سيما أكاسد النيتروجين (NOx)، ثاني أكسيد الكبريت (SO2)، أكسيد الكربون (CO)، الجزيئيات (PM10-PM2.5)، والأوزون (O3). يتم ضخ الهواء بشكل مستمر ويتم تسجيل مستوى الملوثات في الهواء. كما يتم تخزين مستويات التلوث من قبل مسجل البيانات ويمكن الحصول عليها عن بُعد من خلال جهاز كمبيوتر موجود في وزارة البيئة. وتؤكد وزارة البيئة على دقة عملية الرصد إذ تعتبر هذه الأجهزة دقيقة وموثوق بها للغاية، إذ تعمل وفقاً لمعايير أوروبية وأميركية.
معايير اختيار المواقع
بحسب المصري، فإن اختيار مواقع الرصد هو جزء من برنامج رصد نوعية الهواء عمل استشاريون على وضعه بإشراف وزارة البيئة وتماشياً مع أهداف وخطط الوزارة على صعيد إدارة نوعية الهواء. يوضع برنامج الرصد آخذا بعين الاعتبار المناطق التي تعتبر ساخنة من حيث نوعية الهواء... وغالباً ما تكون هذه المناطق ذات كثافة سكانية عالية.
باختصار، في مرحلة أولى، تمّ تجهيز خمسة مواقع «خلفية» أي مواقع تسمح برصد متوسط مستوى تعرض السكان للتلوث. بالإضافة الى ذلك، كان هناك عوامل تشغيلية أساسية تؤثر في اختيار الموقع مثل توفر التيار الكهربائي لتشغيل الجهاز وذلك بشكل مستمر. «كما أننا كنا حريصين على إشراك القطاع العام والخاص في عملية الرصد بحيث تتحمّل المؤسسات القيّمة على المواقع بتكلفة الكهرباء»، كما توضح المصري.
المناطق الساخنة
ولكن المواقع المقترحة لا تشمل أكثر المناطق سخونة، لا سيما على اوتوستراد الدورة نهر الموت انطلياس (ساحل المتن)، حيث تسجل زحمة سير مستمرة وحيث يصطدم الهواء بالجبل القريب ويرقد في المنطقة؟
ترى المصري، بناء على الدراسات ومخرجات المشروع، أن الوزارة قد وضعت بالتعاون مع خبراء متخصصين برنامجاً لرصد نوعية الهواء حيث سوف ترصد نسب الملوثات في مواقع حضرية او ريفية «خلفية». بالإضافة الى عملية الرصد المؤتمتة، فهي تعمل على «نمذجة» لنوعية الهواء (air quality dispersion modeling) بحيث تتمكن من فهم انتشار الملوثات على الأراضي اللبنانية كافة. إن التلوث الناتج عن معامل الطاقة (منها في منطقة ساحل المتن الشمالي) وعن المناطق الصناعية لا سيما المنشآت الصناعية الملوثة يمكن استخلاصه عبر عملية النمذجة المذكورة أعلاه علماً إن المعلومات المتعلقة بعملية الإنتاج (نسب الملوثات المختلفة عند المدخنة، ارتفاع المدخنة، حرارة الغازات المنبعثة وسرعة تدفقها،...) متوفرة ويمكن بالتالي معرفة كيفية انتشار الملوّثات ونسبها على مستوى الأرض.
هذا لا يمنع أن يتم في مرحلة لاحقة تثبيت أجهزة لرصد الملوثات في مواقع صناعية للتحقق من نتائج عملية «النمذجة»، ولكن تحركاً كهذا يستدعي التنسيق مع الصناعيين ومشاركتهم في عملية الرصد والالتزام البيئي.
تلوث قطاع النقل
ترى المصري أنه سوف يتم احتساب مساهمة قطاع النقل في عملية «نمذجة» الهواء «إذ أننا نستخدم جردة للانبعاثات من قطاع النقل تأخذ بعين الاعتبار حركة المرور (عدّ يدوي للسيارات على محاور محددة)، وكذلك تخمين وتقدير عدد المركبات وأنواعها وفقاً لبيانات من سجلات «الميكانيك»، وسيتم أيضاً اعتبار خصائص أخرى مثل عمر السيارة، نوع الوقود، وحركة المرور النهاري، وحركة المرور كل يوم من أيام الأسبوع، الخ. كما سيتم استخدام هذه المعلومات في عملية نمذجة الهواء لتقييم مساهمة قطاع النقل في تلوث الهواء. وستقترن هذه المعلومات إلى بيانات الأرصاد الجوية لنمذجة الانبعاثات.
هناك أيضاً منهجيات لدمج تأثير البحر. وهناك خبراء يعملون بالفعل على ذلك. وسوف يتم هذا النشاط بالتعاون مع جامعة القديس يوسف - كلية العلوم والوكالة الوطنية الإيطالية للتكنولوجيا الجديدة والطاقة والتنمية الاقتصادية المستدامة ENEA.
لا خطة طوارئ
تؤكد المصري أن الوزارة تسعى إلى تجهيز 5 مواقع خلفية إضافية وتحضّر أيضاً، بدعم من مراكز بحوث لبنانية وأجنبية، لنمذجة نوعية الهواء (air quality modeling) للسماح للوزارة بفهم نوعية الهواء على نطاق الأراضي اللبنانية ككل. نظراً لكلفة عملية الرصد، فإن الدول المتطورة في مجال رصد نوعية الهواء تسعى أكثر فأكثر لتقليص عدد أجهزة الرصد على أراضيها لتستبدلها بدراسات النمذجة المذكورة أعلاه.
وهل هناك أجهزة متنقلة؟
«ليس هناك من أجهزة متنقلة»، كما تجيب المصري، خاصة أن الوزارة لا تملك الجسم التقني لمتابعة هذه العملية. ومن هو الجهاز البشري الذي سيشرف على هذه العملية اذاً؟
في السنة الأولى، بحسب المصري، سوف تقوم الشركة التي زودت الوزارة بهذه الأجهزة بعملية الصيانة والمعايرة اللازمة بإشراف فريق تقني من الوزارة، لا سيما من قبل دائرة نوعية الهواء التي سوف تقوم بتحليل البيانات. كما «ستكون هذه السنة مهمة لاكتساب الخبرات اللازمة، مع العلم أن فريق الوزارة قد خضع حتى الآن للتدريب في لبنان وكذلك في الكويت لهذه الغاية».
لقد تضمن المشروع مكوّن تدريب بحيث تمّ إشراك دائرة نوعية الهواء والتقنيين المعنيين بالإضافة الى استشاريين بيئيين من القطاع الخاص لبناء قدراتهم في حال تعذر على الوزارة لسبب ما القيام بالمتابعة اللازمة.
وحول ما إذا كان المتدربون سيصبحون في ملاك الوزارة ام هم من ضمن المشروع يذهبون مع انتهاء المشروع؟
تؤكد المصري «أن المشروع يشرف على نهايته مما يعني أن الوزارة سوف تكون مسؤولة عن متابعة عملية الرصد عن كثب».
وهل تشمل الخطة إجراءات محددة تطلبها الوزارة في حال وصل التلوث الى الذروة، كمثل اعتماد خطة طوارئ ما؟
حول هذا الموضوع تقول المصري: «في هذه المرحلة، لم يتم وضع خطة طوارئ (إذا صح التعبير)، إذ إن ذلك يعتمد على تنسيق مع وزارات أخرى ومع القطاع الخاص في مناطق محددة، لكن مع إقرار قانون نوعية الهواء، سوف يكون للوزارة آلية لأخذ التدابير اللازمة».
الرابط على موقع جريدة السفير