وتشهد بلاد العرب والمسلمين حاليا انقسامات حادة تكاد تفتك بمصيرنا فهناك احزاب وحركات وجبهات ومجموعات تطلق على نفسها أسماء عزيزة علينا ولها مكانة في ضمير كل عربي ومسلم وكلها تقوم بعمليات انتحارية
منذ عودتي إلى مسقط رأسي وتاج رأسي القدس الغالية في شهر شباط /فبراير 1993 وانا منتظم ومواظب الذهاب إلى المسجد الاقصى المبارك لأداء صلاة الجمعة.
فباستثناء وجودي في الخارج أو بسبب ظرف طارئ غير مخطط له لم أغب عن صلاة الجمعة . ويمكن لي على ضوء ذلك تقدير تغيبي بما لا يزيد عن 10% من عدد آيام الجمع للفترة المنوه عنها.
محمد خضر قرش – القدس
فمنذ التاريخ المذكور وانا أستمع وانصت كغيري إلى خطب الجمعة في الأقصى والتي يلقيها شيوخنا الأفاضل علينا والذين لا يزيد عددهم عن ستة خطباء في أحسن الأحوال بما فيهم بعض الضيوف الذين أتوا إلى القدس. واكاد اجزم بانه لم يضف إلى معلوماتي الدينية أي جديد سواء فيما يتعلق بالأحداث او الشروحات أو بالقصص والروايات التاريخية والدينية والمعارك التي درسناها وتلقيناها منذ الصغر وحفظناها عن ظهر قلب وحتى سنة التخرج عام 1966 من المدارس التي درسنا فيها مثل العمرية والبكرية وخليل السكاكيني والرشيدية.
فالخطباء على قلة عددهم يكررون نفس الكلام والدروس والعبر والروايات التي حدثت في الماضي البعيد دون اي محاولة فعلية جادة للتطرق إلى المصائب الحالية التي تعصف بفلسطين وبالعرب والمسلمين بدءا من افغانستان والباكستان مرورا بشبه الجزيرة العربية واليمن والعراق وسوريا والصومال والمغرب العربي ومصر ،وخاصة بعد بروز التيارات التكفيرية التي ما فتئت تهدم القيم والمبادئ التي يقوم عليها ديننا الحنيف وتخرجه عن مساره ومنهجه الذي جاء به رسول البشرية محمد بن عبدالله وأرساه ليكون هدى للناس اجمعين وكرسه فيما بعد الخلفاء الراشدون الأربعة والصحابة والتابعون والفقهاء.
فالخطب في الاقصى – بشكل عام – نمطية ومكررة وتوغل في الماضي كثيرا ولم تخرج إلى واقعنا ومستقبلنا .فبعضها يغلب عليه السجع والطباق والقافية وكأننا نعيش في مباراة شعرية وأدبية باستحضار مقامات وشعر بديع الزمان الهمذاني وسوق عكاظ. فهذه الخطب لا تقدم ما يفيد المسلمين ويغني ثقافتهم ويقوى ارتباطهم بدينهم والبعض الأخر منذ ان يبدأ بالخطبة حتى نتهامس فيما بيننا بأخذ غفوة فهو يتحدث باسلوب تركيب العبارات والجمل ولا تدري ماذا يريد وما هو الهدف من الخطبة واخر يكرر مقدمة خطبته في كل مرة فباتت معروفة وبامكان كل حاضر أو مستمع للخطبة ان يكملها ،حتى في خطب شهر رمضان الكريم وموسم الحج والمولد النبوي الشريف ومعارك أحد وبدر واليرموك وحطين وعين جالوت تعاد االتفاصيل والسرد بنفس العبارات والجمل ولا يقدموا لنا اي جديد يمكن الاستفادة منه. تلك هي سمات خطب الجمعة في الاقصى المبارك اولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين.
ما الذي يتوجب فعله :
من المؤكد ان هناك الكثير من المقترحات التي يمكن تقديمها للخروج من النمطية والروتين الذي صبغت فيه الخطب الدينية في الأقصى. في البداية هناك فقر ونقص واضح وحقيقي وملموس في عدد الخطباء النوعيين ولا اعلم حقيقة كم خطيبا يحمل شهادة من الأزهر الشريف او مؤهل ديني ذي مصداقية من معاهد دينية عربية أو اسلامية معترف بها مما يعني ان أول إقتراح يكون بارسال عشرات الخريجين إلى الأزهر الشربف لتعلم فقه الدين وأصول الخطابة والوعظ والارشاد وكيفية معالجة قضايانا الحياتية والوطنية من منظور الدين.
فالخطباء الحاليين تجاوزت أعمارهم السبعين عاما ومع الدعاء لهم بطول العمر إلا ان العمر محدود مما يتوجب اخذ ذلك بعين الاعتبار والبدء بإعداد خطباء وفقهاء ووعاظ على علم ودراية باصول الدين والحديث والتفسير. والكل يعلم ويشاهد يوميا عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي انتشار جماعات دينية متشددة تكفَر كل من يعارضها وتشرَع وتفتي لنفسها بجز الرؤس وتفجير السيارات والانتحاريين وسط المدنيين وفي الأسواق والاماكن العامة بدون دليل او حجة مسنودة برأي شرعي متفق عليه بين الفقهاء وعلماء الأمة بل ان بعض رجالات الدين يحرضون على هذه الأعمال ويبررونها .
وهنا ما يتوجب معالجتة والوقوف امامه طويلا وهذا هو الاقتراح الثاني الواجب الاهتمام به من قبل خطباء الأقصى. ولعل شيوخنا وخطبائنا الافاضل يتابعون ما يجري في الساحة الفكرية الاسلامية من المحاولات الحثيثة والتي لا تهدأ لنشر الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة وتوسيع شقة الخلاف حيث يذهب بعض الأغرار محدودي الفقه والعلم والدين معا بتكفير الشيعة ويعتبرونها من الروافض يجب محاربتهم .إن مثل هذا العمل الجنوني والطائش وغير المسئول تجاه الأمة الإسلامية من شأنه لو نجح لا سمح الله أن يفتت شمل المسلمين ويزيد من ضعفهم وتبعثرهم ويقوي عدوهم ويحولهم إلى دويلات متناحرة ومتحاربه مما يسمح للأعداء السيطرة على المقدسات وأولهم الأقصى بل ويذهب البعض من موقظي الفتن إلى القول ان للشيعة قرآن غير الذي بين ايدينا يدعون أن أسمه قرآن فاطمة ،وحينما يطلب منهم تقديم الدليل على ذلك كأن يقدم نسخة من هذا القرآن المزعوم ، تتلعثم ألسنتهم وتضمحل وتتقلص جوارحهم وتصفر وجوههم والمشكلة انهم يغرسونها في أذهان النشئة والصبية دون دليل، وهذا هو الاقتراح الثالث الواجب الاهتمام به والتركيز عليه .
ألا يكفينا الفتنة الكبرى التي حصلت قبل نحو 1400 عام وما زلنا نعيش فيها وكأنها حصلت بالأمس. ومن المفيد ان نتوقف هنا طويلا عن مبدأ تكفير المسلم أو المؤمن الذي ينطق بالشهادتين ويؤدي الفروض الخمسة ويقيم حدود الله ويعمل صالحا ولعل حادثة قيام اسامة بن زيد بقتل مشرك كان يقاتل المسلمين بعد أن نطق بالشهادتين فعاتبه رسول البشرية حينما برر قيامه بقتله بانه قالها عن خوف ليتجنب الموت، فقال له ويحك أأنت في قلبه !! فهذا المثل يتوجب ان نقتدي به و نأخذ العبرة منه ولا نكفر المسلمين، وهذا هو الإقتراح الرابع الواجب التركيز عليه.
وفي بعض الجوامع القريبة من الأقصى كمسجد الشيخ جراح يقف شابا يؤم بالمصلين ويرفع يديه عاليا بعد الركعة الثانية ويدعو على المسيحيين والقوميين والناصريين واليساريين والبعثيين والعلويين ويطلب من الله ان يمحقهم ويعذبهم و ينسى الدعاء على اليهود والصهيونية. وهذا ما يجب الوقوف امامه طويلا طويلا وشرح مخاطرة على وحدة العروبة وبذر الشقاق بين أبناء الوطن الواحد، مما يتوجب مواجهته ووضع حد له فابناء فلسطين من مسلمين ومسيحيين هم عماد الوطن وسياجه. لقد حارب الفلسطينييون المحتل بغض النظر عن دينهم.
فالاحتلال لم يفرق بين المطران كبوجي وجورج حبش ووديع حداد وحنا عطا الله ونايف حواتمة وكمال ناصر ونعيم خضر وبين الشيخ عكرمة صبري وياسر عرفات وفيصل الحسيني وخليل الوزير واحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وابو علي مصطفى فكلهم عنده سواء وكلهم فلسطينييون وطنييون وهذا ما يستدعي الوقوف عنده مليا وطويلا لأنه يمس أساس وحدتنا الوطنية التي نفتخر بها وهذا هو الاقتراح الخامس الواجب التركيز عليه. ويذهب بعض ضعفاء الشرع والفقه والايمان والدين بالحقد على العروبة وكل ما هو عربي ويفرقون بين العروبة والاسلام متناسين ان رسول البشرية محمد بن عبد الله هو عربي قح وينتسب لأشهر وأشجع واكرم القبائل العربية .
وهؤلاء يتناسون عن عمد ما قاله سيد المرسلين : احبوا العرب لثلاثة لأنني عربي والقرآن عربي ولغة اهل الجنة عربية فمن يحارب العروبة يحارب الإسلام فالعرب عمود الاسلام كانوا وسيبقون كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها ويتناسى هؤلاء ان كل الفقه والتشريع والاحاديث وما كتبه وخطه الأئمة الأربعة والصحابة والتابعين وقبلهم الخلفاء الراشدين مكتوبا بالعربية وهذا ما يجب الوقوف امامه والتحذير من مخاطره على مصيرنا كعرب وأمة يدين الاغلبية الكبيرة منها بالدين الإسلامي الحنيف وعليهم ان يعلموا أن العروبة والاسلام متكاملين وليس متعارضين أو متناقضين على الاطلاق وهذا هو الإقتراح السادس الواجب التركيز عليه من قبل خطباء الأقصى في كل الأيام والجمع والمناسبات.
وتشهد بلاد العرب والمسلمين حاليا انقسامات حادة تكاد تفتك بمصيرنا فهناك احزاب وحركات وجبهات ومجموعات تطلق على نفسها أسماء عزيزة علينا ولها مكانة في ضمير كل عربي ومسلم وكلها تقوم بعمليات انتحارية بأسم الدين في الكثير من البدان العربية والاسلامية وقد اتسعت هذه الظاهرة وبلغت حدا لا يمكن تقبله أو استمرار السكوت عليه والغريب ان أكثر من 95% منها تنتمي للمذهب السني وتقول بأن هدفها المحافظة على السنة والجماعة قولا وفعلا وهي تفعل ذلك كما فعل الدب بصديقه.
فمنظمة بيت المقدس!! في سيناء قامت في شهر رمضان الفائت بقتل 16 جنديا مصريا مسلما كانوا ينتظرون مدفع الإفطار ليتناولوا طعامهم بعد يوم صيام طويل. وتتكرر هذه العمليات في معظم الدول العربية والإسلامية .لقد أصبح العديد منا في حيرة من أمره، لا يعرف من الصادق منهم او المنافق او المدعي ففي بلاد الشام وحدها أكثر من 15 جبهة او حركة او حزب يدعون بأنهم مسلمون وفي مصر والاردن والصومال وموريتانيا وتونس واليمن ولبنان وافغانستان والباكستان وحتى في نيجيريا (جماعة بوكوحرام )،فكيف يمكن لنا مواجهة ذلك ومع من نقف .وعلينا جميعا ان نحدد معنى ومفهوم العمليات الاستشهادية والعناصر والأركان التي تقوم عليها وهذا هو الإقتراح السابع الواجب التركيز عليه في خطب الأقصى المبارك .
ومن الضروري بل ومن الأهمية بمكان أن نأخذ رأي المصلين من خلال توزيع استبانة مكونة من عدد قليل من الأسئلة يتم وضعها لاحقا لنعلم رأيهم وماذا استفادوا من الخطب طيلة الواحد والعشرين عاما الماضية وما هي ملاحظاتهم ،ويمكن رفع عدد العينة إلى 1000 مصلِ ويجري تحليلها لوضع خطة وبرنامج في المواضيع محل إهتمام المؤمنين الذين يؤمون الأقصى للصلاة فيه والتعبد وهذا هو الاقتراح الثامن الذي نأمل ان يجد طريقه للتنفيذ . فرأي المصلين على درجة عالية من الأهمية وهذا ما يجب الأخذ به وتطبيقه.
ونرجو ان يتسع صدر شيوخنا الأفاضل لهذه الملاحظات التي آمل ان تجد طريقها في الخطب والمناسبات فللمجتهد إذا أصاب عشرة حسنات وإن جانبه الصواب فله درجة، ولعلنا نتذكر الحوار الذي دار بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وإمراة حينما قالت له : والله لو وجدنا بك إعوجاجا لقومناك بسيوفنا .كل ما نريده هو الارتقاء بالخطب الدينية لتكون جامعة وموحدة للمسلمين والعرب وتعمل على واد وإقتلاع الفتنة المذهبية من جذورها وليس السكوت عليها وتجاهلها .
الخلاصة
هذه بعض المقترحات التي من المفترض التركيز عليها في خطب الأقصى وقد يضيف اخرون مقترحات اخرى مكملة لكن لم تعد الخطب التي يلقيها شيوخنا الافاضل في آيام الجمع والمناسبات الدينية تفيد جموع المصلين ولا تضيف لمعلوماتهم أشياء جديدة ذات وزن أو أهمية. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه