ينمو الطلب على الإنترنت في العالم العربي بمعدل هو الأعلى في العالم. هناك تفاوت واضح بين الخليج وشمال أفريقيا لناحية الخدمة والسعر. لبنان يقع في المنتصف تماماً كما يقسم الضاد جغرافياً، ولكي يتقدّم....
ينمو الطلب على الإنترنت في العالم العربي بمعدل هو الأعلى في العالم. هناك تفاوت واضح بين الخليج وشمال أفريقيا لناحية الخدمة والسعر. لبنان يقع في المنتصف تماماً كما يقسم الضاد جغرافياً، ولكي يتقدّم، عليه التركيز على بنيته التحتية في مجالي الثابت والمحمول.
حسن شقراني / جريدة الأخبار
يتردّد دوماً بأن الشباب السعودي هو من بين الأكثر إدماناً على الإنترنت، ليس بين العرب فقط بل عالمياً. إنها إحدى النوافذ القليلة، أو لنقل النافذة الوحيدة، التي يُمكن عبرها التعبير بحدود معينة. في المملكة، برغم جهود الحكم في تنفيس الإحتقان الناجم عن اضطهاد المرأة مثلاً، عبر برامج الإنفاق الاجتماعي وتطوير البنى التحتية، هناك ضغط لا يُتاح له التنفيس عنه إلا عبر الشبكة الإلكترونية.
لن يهتمّ شباب الرياض على الأرجح برفاهية الرحلة عبر قطار النفق المرتقب إنجازه في العاصمة بعد أربع سنوات، إلّا بقدر ما سيسمح استخدامه بالتقاط إشارة واضحة تسمح بالولوج إلى الإنترنت عبر تقنية الجيل الخامس ربّما.
ولكن السعودية ليست وحدها، وإن كانت تركبيتها الاجتماعية تتيح ازدهار الشبكة بمعدلات متسارعة. فبعد أربع سنوات أيضاً، ستسجّل حركة الإنترنت في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، 204 مرات المستوى الذي كان سائداً عام 2006. إنه تطور هائل، متماهٍ مع نقلة التكنولوجيا في البلدان النامية ولكنه سيكون الأكبر، مقارنة بالأقاليم الباقية، بحسب تقديرات شركة Cisco.
يعشق العرب الإنترنت من دون شكّ. وهم طبعاً لا يعيشون على كوكب معزول، فالعالم كلّه يعيش ثورة الإنترنت السريع، وخصوصاً عبر شبكات الاتصالات الخلوية. وبحسب تقديرات شركة «إريكسون» فإنّ تقنية الجيل الثالث الرائجة حالياً، ستُغطي أكثر من 85 % من سكان الأرض بحلول عام 2017، أما تقنية الجيل الرابع فستكون بصمتها عند المستوى الذي سجّله الجيل الأقدم عام 2011.
تستند الدراسة الأحدث للبنك الدولي عن هذا القطاع في بلدان المنطقة، إلى هذه المعطيات، للتحذير من أنه إذا لم تعمد البلدان العربية إلى تطوير بنيتها التحتية التي تدعم استخدام الإنترنت الثابت بالحزمة العريضة (Broadband) والإنترنت السريع عبر شبكات الخلوي، فإنّ الأجيال التي تعتمد على هذه النافذة التي ستتسع تدريجاً، لن تكون سعيدة على الأرجح.
تماماً كعنوانها - «شبكات النطاق العريض في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: تسريع الوصول إلى الإنترنت» - لا تُعدّ الدراسة خارقة، وتكرّر المعروف: تأمين الإنترنت السريع مهم للنمو وتحديداً «للوصول إلى نموذج ذكي ومستدام للنمو الاقتصادي».
غير أنّها تُشدّد على العنصر الأهم: التطوير في مجال البنى التحتية يجب أن يشمل ثلاثة محاور أساسية. أوّلاً، السعات التي تؤمّنها الكابلات الإقليمية والدولية. ثانياً، البنية التحتية الإجمالية، التي يتمتع بها كلّ بلد أو ما يُسمّى «العمود الفقري الوطني» الذي ينقل الداتا من نقطة التواصل الدولي إلى المراكز في المناطق المختلفة. ثالثاً، شبكات الولوج المحلية التي تؤمّن ما يُسمّى الألياف الواصلة إلى عتبة المنزل (FTTX).
«هذه المكوّنات الثلاثة للإنترنت السريع، يجب أن تكون جاهزة ومتوفرة لملاقاة الطلب المتزايد، بالطريقة التي تُحقّق الوفر الأكبر المتاح لناحية الأكلاف».
في حالة لبنان، تذكر الدراسة أنه يتمتع بثلاثة كابلات تؤمّن ما سعته 910 كيلوبايت في الثانية (Kb/s) للفرد الواحد؛ ما يجعل لبنان في المرتبة العاشرة بين البلدان المدروسة، فيما تتصدّر اللائحة البحرين بأكثر من عشرة آلاف كيلوبايت في الثانية للفرد الواحد، وهو معدل منطقي نظراً لعدد سكّان الإمارة.
هذا المعدّل، برغم أهميته، قد يغشّ. فالسعودية نفسها مثلاً، تحلّ أمام لبنان مباشرة، بالمعدّل نفسه تقريباً وبعدد كابلات يبلغ 11، فيما تحلّ جيبوتي بعد البحرين في المرتبة الثانية بأربعة كابلات فقط.
ولكن ما يهمّ فعلاً على هذا الصعيد، هو كيف ينعكس تأمين السعات على حقوق المستهلك والكلفة التي يتكبدها. هنا تقول الدراسة إنّه «رغم وفرة إمكانات الاتصالات الدولية، إلا أنّ المنافسة هي عند مستويات متدنية على المستويين الدولي والإقليمي، ما يُترجم أكلافاً عالية على المنطقة... وله عواقب سلبية على إمكان توفير خدمات الإنترنت السريع للمستهلكين».
يعتمد معدّوها مؤشر الاتصال عبر برنامج «سكايب» (Skype) لتصنيف البلدان، ويتضح أن الكلفة الأدنى هي في لبنان حيث تبلغ 12.6 سنتاً للدقيقة الواحدة، فيما أغلاها هي في تونس حيث تقارب أربعين سنتاً.
وعموماً، يحلّ لبنان تماماً في وسط المؤشر الإقليمي للأسعار في مجال الإنترنت الثابت والجوال. تقترب الأسعار السائدة فيه من بلدان خليجية مثل البحرين وعمان، ومن بلدان أقل تطوراً مثل إيران ومصر.
«لبنان هو الاستثناء الوحيد في مجموعة البلدان في طور التقدّم، التي تشهد جميعها منافسة عالية بين شركات القطاع الخاص» يقول معدو الدراسة. «في لبنان هناك مشغلَين فقط، «تاتش» و»ألفا» في إطار اتفاق لإدارة القطاع الذي تملكه الدولة».
وعلى الرغم من ذكرها أن الحكومة اتخذت قراراً لخفض أسعار الإنترنت السريع، تحديداً عبر الإنترنت، إلا أن الدراسة تبقى تنادي بضرورة اعتماد خيارات الشراكة مع القطاع الخاص (PPP)، الوجه الآخر لعملة الخصخصة، لأنها أكثر فاعلية.
يتناسى الخبراء أنّ النجاح يتعلّق اوّلاً وأخيراً بالإدارة والسياسة السليمة وليس بتسليم القطاع للاحتكار الخاص. فلبنان مثلاً، تمكّن رغم أطماع «السياسة» و»البزنس» من إطلاق مشروع الألياف الضوئية في عام 2010، عندما توفّرت الإرادة. كذلك هو من بين بلدان عربية محدودة، أطلقت الجيل الرابع حالياً.
على أي حال، يُصنّف التقرير لبنان ضمن مجموعة البلدان النامية في هذا القطاع؛ تضم المجموعة ثمانية بلدان من أصل 19، تفوق معدلات اختراق هذه التقنية 25% من المجتمع. في المقابل هناك ستة بلدان تُعدّ في طور النهوض. أما البلد الوحيد الذي يُعدّ بالغاً في هذا المجال، فهو البحرين.
يعتمد التقرير بيانات من نهاية عام 2012 وحتى قبل ذلك بعامين. بالاستناد إليها، يستنتج أنّ لبنان والأردن هما البلدان الوحيدان اللذان يتمتعان بمعدلات اختراق للإنترنت تقارب تلك السائدة في بلدان الخليج.
ولكن المهمّ ليس ما حققته البلدان منذ ثلاث سنوات إلى اليوم، بل ما ستكون عليه في عام 2017، الجهد الأساسي في ذلك هو في مجال البنية التحتية.