24-11-2024 11:20 PM بتوقيت القدس المحتلة

باسم يوسف.. أي حرّية يمكن أن تمنحها "أم بي سي"؟

باسم يوسف.. أي حرّية يمكن أن تمنحها

انتقال البرنامج إلى شبكة القنوات السعودية لن يحفّز الاعتقاد بأنه وجد ضالته في قناة تلفزيونية تمنحه ما يحتاجه من هامش حرية للانتقاد، وهو ما تعوّد عليه سابقاً

الإعلامي المصري باسم يوسفوأخيرا عاد باسم يوسف ببرنامجه "البرنامج" بعد عرض حلقة يتيمة من موسمه الجديد على "سي بي سي"، لكنه عاد ليعرض حلقة أولى أخرى من الموسم ذاته إنما على "إم بي سي مصر".

لن يكون سهلاً على فريق "البرنامج" أن يجد قناة تتيح له هامش الحرية الواسع الذي بني عليه صيت البرنامج وجمهوره، ما هو بحاجة له بعد زوال حكم الإخوان وانقلاب العسكر وإحكام قبضته على كل مفاصل البلاد والعباد في مصر.

سليم البيك/ جريدة القدس العربي

البرنامج بات بحاجة ماسة لهامش حرية يحتفظ من خلاله بصيته وجمهوره، ليس كل جمهوره طبعاً، لأن قسماً كبيراً ممن كان مصفّقاً لانتقاد البرنامج لحكم الإخوان وسخريته منه، قد خسر البرنامجَ (لا أقول أن البرنامج خسره)، وكذلك قسم كبير ممن يصفقون للبرنامج اليوم (كارهين) هم ممن هجوه في السابق.

قسم ثالث من جمهور البرنامج، أشعل الثورة من أجل دولة مدنية ديمقراطية في مصر، من أجل الكرامة والخبز والحرية والعدالة الاجتماعية، وهو ما لم يجدونه في حكم الإخوان ولا في حكم العسكر اليوم، قسم هتف يسقط حكم المرشد وهتف ويهتف يسقط حكم العسكر، هذا القسم من الجمهور ما زال، حتى الآن، على الأغلب، يجد في البرنامج أحد أوجه ثورة يناير.

لكن انتقال البرنامج إلى شبكة القنوات السعودية لن يحفّز الاعتقاد بأنه وجد ضالته في قناة تلفزيونية تمنحه ما يحتاجه من هامش حرية للانتقاد، وهو ما تعوّد عليه سابقاً. طبعاً أوضّح أن ‘سي بي سي’ قد منحته مساحة شاسعة في انتقاد الإخوان وحسب، لن أسمي هذا هامش حرية، طالما أن كلاً من البرنامج والقناة متوافقان على مسار الانتقاد والسخرية والهدف منهما. لاحقاً وفي الحلقة الأولى من الموسم الثالث، حيث انتقد يوسف مؤيدي السيسي (لا حكم السيسي) كشّرت ‘الليبرالية’ المصرية عن أظافرها وظهرت بأبشع أشكالها، ما لم يظهره حكم الإخوان على كثر علّاته هو وإعلامه. فلا أسمي ذلك هامش حرية بل مساحة ممنوحة للبرنامج من قبل القناة ضمن شروط ضمنية.

الحال ذاته مع ‘أم بي سي مصر’، إن لم يكن (أو لن يكون) أسوأ. الحلقة الأولى التي عُرضت قبل أيام كانت ترفيهية بالمعنى الواسع للكلمة، ابتعد يوسف عن السياسة قدر الإمكان ورقّع ذلك بـ ‘قفشات’ مضحكة ولمّاحة، عدا عن بعده الأساسي عن أي انتقاد للسيسي، وهو الحاكم الفعلي لمصر، وقريباً: الريّس.

ضمن حكم الإخوان ردّ يوسف على سائليه لمَ يركّز في انتقاده على الإخوان، بأن الإخوان من يحكم البلد، وهذا طبيعي. صحيح تماماً، ومن الطبيعي كذلك حين يحكم العسكر وعلى رأسه المشير السيسي البلد وبقبضة أمنية أبشع مما كان عليه الوضع في أيام مبارك، طبيعي أن ينتقد السيسي وحكمه، بل يركّز عليه، لا أن يحصر النقد والسخرية في الإعلام والمجتمع وكل ما يدور في فلك السيسي. لأن فكرة ‘هو منيح بس اللي حواليه عاطلين’ لم يعد يشتريها (أو يبلعها) البني آدم العربي، كلّما تم الحديث عن الرؤساء العرب وأنظمتهم الحاكمة.

الإعلامي المصري باسم يوسفليس في "أم بي سي مصر" ما يشجّع على الحريات، وهي ضمن شبكة قنوات سعودية، تماماً كالقناة الزميلة لها، ‘العربية’، أيّ هامش حريّات تمنحه ‘العربية’ لمن يخالفون السياستين الخارجية والداخلية للسعودية على شاشتها؟. وقرب هذه الشبكة من النظام المصري الجديد بل ورعايتها الإعلامية له، تبعاً لرعاية النظام السعودي له، ظاهرة للعيان، أي تقرير أو خبر مصري على القناة كفيل بتوضيح ذلك.

لا أتمنى للبرنامج أن يلاقي في هذه القناة ما لاقاه في سابقتها، كما لا أتمنى أن تقتصر سخريته على الإعلام المصري المؤيد للسيسي وعلى كل من حوله وفوقه وتحته، دون أن يمسّ بالذات السيسيّة، وهو الحاكم الفعلي لمصر. ليلتفت معدّو ‘البرنامج’ قليلاً للسخرية والنقد المباشرين اللذين وجههوما إلى محمد مرسي ويقيسوا عليها في حلقات الموسم الجديد القادمة.

وأخيراً، لا أتمنى أن يتحول البرنامج على ‘أم بي سي مصر’ إلى ترفيهي مبتعداً رويداً رويداً عن السياسية، ولا أن يتحوّل لوسيلة إضحاك مفرَّغة من محتواها تناسب ‘أم بي سي مصر’، ولا لبرنامج تحليلي يسخر من الإعلام والفنانين والمواطنين المصريين دون أن يقترب صوب المشير.