02-05-2024 06:58 PM بتوقيت القدس المحتلة

من تحوّل إسرائيلي إلى تحوّل حريري .. هكذا تأخّر القرار الإتهامي

من تحوّل إسرائيلي إلى تحوّل حريري .. هكذا تأخّر القرار الإتهامي

لم يكن ينقص بيان قوى الرابع عشر من آذار الذي أصدرته عقب صدور القرار الإتهامي سوى الطلب صراحة من قوات الناتو أو الجيش الإسرائيلي التدخل مباشرة لتنفيذ القرار 1757

لم يكن ينقص بيان قوى الرابع عشر من آذار الذي أصدرته عقب صدور القرار الإتهامي سوى الطلب صراحة من قوات الناتو أو الجيش الإسرائيلي التدخل مباشرة لتنفيذ القرار 1757 واستخدام الفصل السابع للقبض على المقاومين المستهدفين بالقرار الظني الصادر عن المحكمة الدولية. فالبيان الذي لم يرقى لمستوى وعي الشعب اللبناني جاء ليثبت المثبت، وليقول للبنانيين بأن هذه القوى مصابة بمرض تملّك السلطة وعند خسارتها لها تفقد كل ما تبقى من أعصابها وعقلها وتبدأ مفاعيل هذا المرض بالظهور إلى العلن، كما جاء ليثبت من ناحية أخرى بأنّ المحكمة هي آخر ما يهم هذا الفريق، وأن ما يريدونه هو تطبيق المطلب الإسرائيلي بانتزاع سلاح المقاومة. ولعلّ ما أصاب السنيورة من اصفرار وتوتر أثناء تلاوته البيان هو ردة فعل مناصري تيار المستقبل الذين استقبلوا القرار الظني بفتور كبير واستهزاء وتشكيك. فجاء ظهور السنيورة، المعروف ببراعته في أداء الأدوار الدرامية، كمحاولة فاشلة لتوتير الشارع بتوتره ولاستثارة عصبيات بغيظة لم يهزّها القرار الظني. وما يلفت الأنظار هو عدم أخذ البيان بعين الإعتبار ما عرضه سماحة السيد حسن نصرالله من قرائن ظرفية تكفي لتوجيه أصابع الإتهام للعدو الإسرائيلي، وكأن هذه القوى تهين رفيق الحريري وتقول لمحبيه أوّلاً ولكافة اللبنانيين ثانياً بأنّه كان إسرائيلياً ولا يمكن للعدو الصهيوني أن يقف وراء اغتياله!

ولعلّه من المجدي هنا التذكير بأنّ القناة الإسرائيلية الأولى تحدثت يوم الخميس 29 تموز 2010 عن أن المحكمة الدولية ستتهم مصطفى بدر الدين باغتيال الحريري. وقالت القناة إن سعد الحريري طلب تأخير إعلان التهم، وفي اليوم التالي، أي في 30 تموز، 2010 نشرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية المعلومات نفسها. ولم تكن صدفة زيارة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد للبنان في اليوم ذاته، أي في 30 تموز، 2010 التي طوت ملف المحكمة وقرارها الظني بسحر ساحر.
إذاً الحريري طلب التأخير، شكلياً على الأقل، بما أنه ولي الدم، السعودية استجابت، وأتى الملك حينها ليطلب من حزب الله وحلفائه عدم الإستقالة من الحكومة وإسقاط سعد عن مقعده مقابل توقف الحريري عن بث اتهاماته السياسية حول الحقيقة المزعومة! على أن يتوصلوا فيما بعد إلى حلّ يرضي جميع الأطراف، أو بمعنى آخر البقاء في السلطة مقابل ظهور إعلامي يعترف فيه بتضليل شهود الزور للتحقيق وبخطأه في توجيه الإتهامات السياسية على أن تحلّ بيقية التعقيدات لاحقاً. وهذا ما يثبت مجدداً أن كل ما قام به فريق الحريري منذ العام 2005 وحتى اليوم كان الهدف منه الإستيلاء على السلطة فقط لا غير.

توالت الأحداث بسرعة وحاول الحريري التملّص من وعوده وتعهداته بقرار أميركا التي تبنّت في 11 أيلول الرواية الإسرائيلية ونشرتها على صفحات وول ستريت جورنال، فأُخذ القرار باسقاطه أثناء وجوده إلى جانب أوباما، فاستقال وزراء المعارضة السابقة ليخرجوا سعد من البيت الأبيض رئيساً سابقاً. عاد الرئيس السابق إلى لبنان يجرّ خيبته، فلم يجد أمامه حلاً سوى الاستجداء بالقطريين والأتراك علّهم يعيدوا إليه الكرسي الذي خسره، فاجتمع بهم ليصيغ ورقة وعود ويرسلها معهم إلى السيد حسن نصرالله. والورقة التي نتحدّث عنها هي نفسها التي نصح السيد نصرالله فريق المعارضة الحالية بالاطلاع عليها قبل أن يطلبوا من الرئيس نجيب ميقاتي تنفيذ ما تنازل عنه سعد الحريري مقابل بقائه في السلطة. ولم يعد يخفى على أحد بأن هذه الورقة تضمنت تنازلاً صريحاً عن كلّ ما اسماه "حقيقة" مقابل بقائه في السلطة، إلا أنّ السيّد نصرالله رفض هذه الصفقة وقرر إراحة الشعب اللبناني، الذي ضاق ذرعاً بالسياسات المالية الحريرية، من الفاسدين والمفسدين.

إذاً حزب الله لم يخطئ عندما حسم الأمر على الرغم من معرفته مسبقاً بعواقبه، وإن كان هناك عتب شعبي على الحزب وحلفائه فسببه تأجيل سقوط الحريري، إلا أنّ المعارضة حينها لم تكن مدركة بأن كلّ ما قام به سعد الدين لم يكن سوى مناورة هدفها، بطريقة أو بأخرى، إتاحة المجال أمام إسرائيل لاستكمال استعداداتها العسكرية، وأن الحريري لم يكن صادقاً منذ البداية بكل ما طرحه. ومع صدور القرار الإتهامي كُشف المستور، فتزامن صدور القرار مع انتهاء المناورات الإسرائيلية تحوّل 5 وأبسط ما يمكن قوله في هذا المجال أنّ القرار الإتهامي جاء ليختتم سلسلة مناورات "التحوّل الإسرائيلي"، والملفت في الموضوع اعتبار الحريري في البيان الذي أصدره عقب صدور القرار الإتهامي، أنّ القرار هو بمثابة "لحظة تحوّل" في تاريخ لبنان! وبين نقطة إسرائيلية تحولت إلى محيط من الإخفاق ولحظة من لحظات المحكمة الأميركية الإسرائيلية تحولت إلى دهر من الندم، صدق الحريري في تعبيره.

هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فقرار التأخير جاء لإفساح المجال بداية أمام الغرب وحلفاءه للإنتهاء من مخطط ضرب محور المقاومة عبر السيناريو الذي كان يحضّر حينذاك وراء الكواليس لإسقاط النظام المقاوم في سوريا والذي تعيش دمشق اليوم آخر فصوله، حتى يصدر القرار الإتهامي ومحور المقاومة منهك ومتعب وغير قادر على التصدي بأي شكل.

وبحسب مصادر متابعة لمسار المحكمة والتحقيق، فالقرار الإتهامي سيصدر على أربعة دفعات حتى بداية أيلول 2011، فما صدر حتى الآن لا يتعدى كونه المرحلة الأولى والتي تضمنت اتهام مقاومين باغتيال رفيق الحريري وبالتالي لصق التهمة بحزب الله، أما المرحلة الثانية والتي أخطأ إعلام تيار المستقبل في كشفه عنها في وقت مبكر نسبياً فهي اتهام سوريا بالإشتراك في جريمة العصر وبشكل خاص شقيق الرئيس السوري ماهر الأسد، وبالإنتقال إلى المرحلة الثالثة فستتضمن اتهام الطرف الثالث من محور المقاومة والممانعة ألا وهو إيران.

أما المرحلة الرابعة والأخيرة فتتطابق مع ما جاء في بيان قوى الرابع عشر من آذار أي مقاطعة دولية وشبه عربية لحكومة ميقاتي وتشديد العقوبات الدولية عليها وعلى دول المحور الثلاثة. فهل ستقتصر هذه العقوبات على الإقتصاد؟ أم أن ما ينتظرنا هو خريف ساخن تحت الفصل السابع؟