لا يغالي مدير عام "مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية" الدكتور ميشال افرام حين يصنف السنة المطرية الحالية في خانة أسوأ سنوات الجفاف التي مرت على تاريخ لبنان الحديث، وأخطرها على الزراعة والبيئة والمياه...
لا يغالي مدير عام "مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية" الدكتور ميشال افرام حين يصنف السنة المطرية الحالية في خانة أسوأ سنوات الجفاف التي مرت على تاريخ لبنان الحديث، وأخطرها على الزراعة والبيئة والمياه الجوفية والسطحية.
سامر الحسيني / صحيفة السفير
على وقع الرياح الشرقية الدافئة، وارتفاع درجات الحرارة، يكمل القطاع الزراعي احصاء خسائره الحتمية التي تترافق مع خسائر بيئية وطبيعية في مقدمتها الاستنزاف المبكر للمياه الجوفية في ظل ارتفاع متوقع لكل أصناف التلوث في المجاري المائية وحتى في الحقول الزراعية.
منذ بداية تسجيل المعطيات المناخية في لبنان لم يصادف اللبنانييون والعاملون في الأرصاد الجوية سنة جفاف وانحباس أمطار، كالتي يعيشونها اليوم، ولم يسجل خبراء المناخ في سجلاتهم المناخية مثل هذه المعطيات المناخية الحالية من انحباس طويل للأمطار، وتفاوت كبير في درجات الحرارة بين ساعات الليل والنهار، إضافة إلى النقص الكبير في كميات الهطولات المطرية لهذه السنة المطرية.
حسبما يقول افرام لـ"السفير"، فإن "مؤشرات الأرصاد الجوية في مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في تل عمارة لا تزال سلبية، ولا وجود لمعطيات مناخية جديدة، فالانحباس المطري متواصل لاسيما أن شهر شباط الحالي لن يشهد عواصف ثلجية أو أمطاراً غزيرة وسيقتصر، للأسف، على أمطار متفرقة بكميات مطرية ضئيلة لن تتجاوز بضع ملليمترات، في حين المطلوب أو المعدل الوسطي للأمطار في هذا الشهر يتجاوز الـ200 ملليمتر".
المعدلات المطرية
يتراوح التراجع في الهطولات المطرية ما بين 72 إلى 79 في المئة من أرقام المعدلات المطرية السنوية الحالية، والمعدلات التصاعدية لهذه الفترة ولأرقام السنة الماضية، ففي البقاع وحسب أرقام "مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية" في تل عمارة، لم تبلغ الهطولات المطرية سوى 150 ملليمتراً، في حين يبلغ المعدل السنوي لهذه الفترة 515 ملليمتراً، يقابله للفترة نفسها من العام الماضي 605 ملليمترات، ما يعني وفق افرام، أن "المتساقطات المطرية لهذه السنة، لن تبلغ حدود 50 في المئة قياساً إلى نسب أرقام السنة الماضية والمعدل العام".
يعود افرام بالذاكرة إلى السنوات الماضية، حين كان يحذر من الجفاف الذي يطرق الأبواب في الشرق الأوسط، ومن ضمنه لبنان، لكن لم يكن أحد في وارد التعاطي بإيجابية ومسؤولية مع هذا الواقع الذي بتنا نتلمسه بكل مآسيه ومخاطره الحيوية على حياتنا اليومية.
بوادر الجفاف الذي تتأثر به منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها لبنان، بدأ في أوائل الثمانينيات مع انخفاض أعداد السنوات المطرية الاعتيادية والغزيرة مقابل ارتفاع في أعداد السنوات الجافة.
الدورة المناخية
تدوّن سجلات المناخ في "مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية" ما تسمّيه الدورة المناخية التي تقارن بين فترات وأعداد السنوات المطرية الاعتيادية والجافة، ففي الخمسينيات كانت الدورة المناخية ترتكز على 14 سنة مطرية اعتيادية وغزيرة مقابل سنة جافة، وفي الثمانينيات انخفضت السنوات المطرية الاعتيادية والغزيرة إلى 8 سنوات مقابل سنة جافة، أما في السنوات الأخيرة بتنا نعايش 6 سنوات اعتيادية مقابل سنة جافة، وهذه المعادلة تتجه إلى مزيد من انخفاض السنوات المطرية الاعتيادية والغزيرة لمصلحة السنوات الجافة.
لا يقتصر التبدل المناخي نحو الجفاف على مسألة انخفاض السنوات المطرية الاعتيادية، وفق ما يلحظه افرام، إذ يشير إلى انخفاض طال أيضاً كمية الهطولات المطرية في السنوات الاعتيادية التي تتراجع أرقامها سنة عن سنة قياساً إلى السنوات العشرين الأخيرة، كما أن الهطولات المطرية في السنوات الجافة تتراجع من سنة إلى أخرى، ما يؤشر إلى تراجع أرقام المعدلات التصاعدية العامة للمتساقطات المطرية قياساً إلى السنوات الأخيرة.
يشير افرام إلى أن "آخر سنة جافة شهدها لبنان كانت في العام 2008، وبلغت هطولاتها المطرية 370 ملليمتراً، أما اليوم وفي أحسن الأحوال، وإذا كنا متفائلين، فلن تصل المتساقطات المطرية لهذه السنة إلى حدود أرقام العام 2008".
السطحية والجوفية
يضع افرام المياه السطحية والجوفية في قائمة الخسائر والضحايا من جراء الانحباس المطري، عدا خسائر كبيرة ستطال الحياة البرية والمائية بفعل ارتفاع نسب التلوث في المجاري المائية التي لا تزال جافة حتى الآن.
المياه السطحية تبخرت والينابيع لم تتفجر، ولن تتحرك، وفق ما يؤكد افرام، الذي يوثق كلامه بالاشارة الى غياب المؤشرات المناخية التي تجلب عادة معها الأمطار الغزيرة والثلوج التي كان يعول عليها في تحريك مياه الينابيع وزيادة منسوب المياه الجوفية، لكن لا أثر لهذه الثلوج التي ذابت على مختلف الارتفاعات باستثناء الأماكن العالية التي يزيد ارتفاعها عن 2500 متر.
يقدم افرام على سبيل المثال، مجاري الأنهر كمشهد واضح وموثق لسلبيات هذا الانحباس، فالأنهر تحوّلت إلى مجارير للصرف الصحي والمياه المبتذلة من دون سواهما، ما سيرفع من نسب التلوث الجرثومي والكيميائي داخل مياه هذه المجاري المحاذية للحقول الزراعية في ظل مخاطر من جراء استعمال المزارعين لهذه المياه لري أراضيهم الزراعية.
الخسائر المائية ستطال حتماً المياه الجوفية التي تستنزف اليوم على نطاق واسع، بعد أن اعتاد المزارعون في السنوات الماضية على هذا الاستنزاف بدءاً من أواخر شهر أيار، وليس من منتصف شهر كانون الثاني كما هي الحال اليوم.
من المتوقع أن ينخفض منسوب المياه الجوفية أكثر من 100 متر هذه السنة، وفق تقديرات افرام، الذي يشير إلى ارتفاع الطلب على المياه هذه السنة للري، ولاستيعاب الحاجات الاستهلاكية، خصوصاً في ما يتعلق بمياه الشفة التي ازدادت الحاجة إليها بفعل وجود النازحين السوريين وأرقامهم التي قاربت المليونين على الأقل.
الواقع الزراعي
عن الواقع الزراعي، يلفت افرام الانتباه إلى معادلة سيتعايش معها المزارعون سيكون عناؤها كلفة مالية مرتفعة للانتاج زراعي مقابل التدني في نوعية الكميات الزراعية المنتجة. يضاف إلى هذه المعادلة أيضا تردي في نوعية الانتاجات الزراعية، ما سيزيد بشكل رهيب أسعار الخضار والفاكهة.
أغلب الزراعات تضررت بدءاً من الزراعات الشتوية إلى بساتين الأشجار المثمرة التي تعوز المياه، إضافة إلى تضرر مئات البساتين بفعل درجات الحرارة المرتفعة نهاراً والمنخفضة ليلاً ما أدى إلى تشكل الصقيع الذي يلحق الخسائر في الحقول، وفي البيوت البلاستيكية، خصوصاً في عكار.
ويشير افرام إلى كارثة تكاثر الحشرات والقوارض هذه السنة التي ستشهد تبدلاً كبيراً في مواقيت ظهور الأمراض والحشرات، ما يسبب إرباكاً للمزارعين وكلفاً مالية إضافية للمكافحة.