تحتفل جمهورية جنوب السودان باعلان استقلالها رسمياً عن السودان، لتصبح أحدث دول العالم، بعدما صوت أهل الجنوب في مطلع العام الحالي لخيار الانفصال عن الشمال.
تحتفل جمهورية جنوب السودان باعلان استقلالها رسمياً عن السودان، لتصبح أحدث دول العالم، بعدما صوت أهل الجنوب في مطلع العام الحالي لخيار الانفصال عن الشمال. ويحتفل جنوب السودان اليوم السبت بإعلان دولته الوليدة بمشاركة عدد من الرؤساء والقادة الأفارقة وممثلي عدد من دول العالم والمنظمات، ووفد من الحكومة السودانية بقيادة الرئيس السوداني عمر البشير.
وفي الساعات الاولى من صباح السبت رقص الالاف في شوارع جنوب السودان احتفالا باستقلال عن الشمال طال انتظاره لكنه يدخل المنطقة في فترة جديدة من انعدام اليقين. وأصبحت منذ منتصف الليل جمهورية جنوب السودان المنتجة للنفط أحدث بلد في العالم. وفي جوبا عاصمة الجنوب لوح الناس في زوايا الشوراع الترابية بالاعلام ورقصوا على اضواء السيارات وهم يتغنون بالحركة الشعبية لتحرير السودان وجنوب السودان والحرية. واحتشد الالاف في شوارع جوبا وتكدسوا في شاحنات وهو يشعلون الالعاب النارية ويفرقعون العلب البلاستيكية ويرقصون.
ويشمل برنامج الاحتفالات عروضا عسكرية ومراسم رسمية سيتم خلالها رفع علم جمهورية جنوب السودان كما سيوقع اول رئيس للبلاد سالفا كير على الدستور الموقت. وستجري المراسم الاحتفالية قرب ضريح جون قرنق زعيم الجنوبيين الذي توفي بعد اشهر قليلة من توقيع اتفاق السلام عام 2005 الذي وضع حدا لحرب استمرت اكثر من 50 عاما بين سكان الجنوب السوداني والحكومات المتعاقبة في الخرطوم قطعتها مرحلة من الهدنة دامت بضع سنوات.
ووفقا للبرنامج الرسمي فان جيمس واني ايجا رئيس برلمان الجنوب سيتلو الاعلان الرسمي للاستقلال في الساعة 11.45 بالتوقيت المحلي ( 08.45 بتوقيت غرينتش) على ان يعقبه انزال العلم السوداني ورفع العلم الجديد للجنوب. وذكر بيان من حكومة الجنوب "في منتصف الليل ستقرع الاجراس في كل انحاء البلد الجديد وستدق الطبول احتفالا بالتحول التاريخي من جنوب السودان الى جمهورية جنوب السودان".
وعشية اعلان ولادة الدولة الجديدة في العالم، اعترفت الرئاسة السودانية في الخرطوم رسمياً بقيام "جمهورية جنوب السودان" المستقل ذات السيادة. ويأتي إعلان جنوب السودان دولة مستقلة بعدما صوت 98 % من أهالي الجنوب لصالح الانفصال وذلك في استفتاء جرى في كانون الثاني/يناير الماضي، وفقا لاتفاق السلام الشامل الذي أبرم عام 2005 ليضع حدا لسنوات طويلة من الحرب بين الشمال والجنوب، هي أطول حروب القارة الإفريقية استمرت لخمسة عقود.
وبينما تستعد جوبا عاصمة الجنوب للاحتفال بالانفصال، ذكرت مصادر بالخارجية الإسرائيلية أنه من المتوقع أن تعترف تل أبيب بجنوب السودان دولة مستقلة في الأسابيع المقبلة. ونقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن المصادر قولها إن وزارة الخارجية تولي أهمية كبيرة لجنوب السودان، وإنها "عينت منسقا خاصا لها في هذا الشأن منذ فترة طويلة، كما كانت تتبادل الرسائل السرية مع حكومة جنوب السودان".
ديبلوماسياً، أعلن الرئيس الأميركي باراك اوباما اعتراف بلاده رسمياً بجمهورية جنوب السودان الجديدة بعيد إعلان استقلالها. وقال الرئيس الأميركي في بيان "أعلن بفخر أن الولايات المتحدة تعترف رسمياً بجمهورية جنوب السودان دولة تتمتع بالسيادة ومستقلة ابتداء من هذا اليوم".
وتابع أوباما "في وقت يبدأ فيه سودانيو الجنوب المهمة الصعبة لبناء بلدهم الجديد. تعدّ الولايات المتحدة بأن تكون شريكتهم في سعيهم الى الأمن والتنمية والحكم الذي يلبي تطلعاتهم واحترام حقوق الإنسان". ورأى أوباما أن استقلال جنوب السودان يشكل "مرحلة جديدة في المسيرة الطويلة لأفريقيا نحو تحقيق فرصتها بالديموقراطية والعدالة".
بدورها، هنأت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون السودان الذي كان أول بلد يعترف باستقلال الجنوب. وقالت كلينتون "بمضيها في طريق السلام، تستطيع الحكومة السودانية أن تعيد صوغ علاقاتها مع المجموعة الدولية وتأمين مستقبل زاهر لشعبها".
من جهته، أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اعتراف بلاده بجمهورية جنوب السودان" التي أصبحت أحدث دولة في العالم". وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان إن "فرنسا تعترف وترحب بجنوب السودان في عداد مجموعة الدول"، مضيفاً أن ساركوزي عرض على رئيس جنوب السودان "سالفا كير إقامة علاقات دبلوماسية وتبادل للسفراء".
وتابعت الرئاسة الفرنسية أن "هذا الحدث هو نتاج عملية استثنائية بدأت باتفاق السلام الشامل للعام 2005 الذي حظي بدعم المجتمع الدولي برمته، والذي قاده الشمال والجنوب بشجاعة الى نهايته". وقال البيان إن فرنسا "تؤكد دعمها لجنوب السودان حكومة وشعبا بهدف بناء دولة ديموقراطية وإحلال السلام والأمن والتطور في كافة أرجاء البلاد". وأضاف البيان أن الرئيس الفرنسي "يدعو الطرفين السودانيين الى عبور هذه المرحلة الجديدة في علاقتهما بروح من الحوار والتعاون التي أتاحت تنظيم استفتاء تقرير المصير بشكل جيد"، مؤكداً أن "فرنسا ستبقى الى جانب كل السودانيين في الشمال والجنوب لمساعدتهم على بناء مستقبل السلام والإزدهار معاً". هذا وأعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون اعتراف بلاده بجنوب السودان كدولة مستقلة.
بدورها أكدت ألمانيا عزمها الاعتراف بجمهورية جنوب السودان فور الإعلان الرسمي. وأكد الرئيس الألماني كريستيان فولف لرئيس "الجمهورية الوليدة" سلفاكير ميارديت أمس الجمعة في خطاب رسمي أن برلين ستعترف بالدولة الأفريقية رقم 54.
كما أعلن رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما أن جميع الأفارقة فخورون باستقلال جنوب السودان بعد سنوات من الحرب الأهلية. وقال زوما الذي حضر حفل إعلان الإستقلال إنه على السودان بشماله وجنوبه أن يكون مثالاً ليس لأفارقة القارة فحسب بل للعالم أجمع.
كما وأعلن وزير الخارجية المصري محمد العرابي اعتراف مصر الرسمي بجمهورية جنوب السودان. وقال في تصريحات خاصة لـ "الأهرام" فور وصوله مساء أمس إلى مطار جوبا ضمن الوفد المصري رفيع المستوى الذي يرأسه الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء، وإن جنوب السودان عمق إستراتيجي لمصر لا يمكن أن نهمله أو نتخلى عنه، مؤكدًا أن مصر سيكون لها إسهام كبير في دعم استقرار دولة جنوب السودان، وهذا لا يعني أننا مع طرف ضد طرف آخر، بل يعني أن تكون علاقتنا متوازنة بين الشمال والجنوب، مؤكدًا أن مصر ستساعد في حل أي مشكلات بينهما، ولمصر سياسة تجاه دولة الجنوب ليست فقط سياسة خارجية بل سياسة تنموية أيضًا، مشيرًا إلى مشروعات مصر في مجال الكهرباء والزراعة ومختلف المجالات.
وفي سياق التداعيات المترتبة على انفصال الجنوب أسقط مجلس الوزراء السوداني الجنسية السودانية عن الجنوبيين. وقد عبّرت أعداد كبيرة من الأسر ذات الأصول الجنوبية عن تمسكها بالبقاء في شمال السودان ورفضها العودة إلى الجنوب في أعقاب إعلان الدولة الجديدة. كما عبروا عن مخاوفهم من أوضاعهم الأمنية في الجنوب ومصير حقوقهم المدنية والقانونية في حال عودتهم. وشددوا على ضرورة معالجة الأوضاع فيما يخص المعايير التي يستند إليها والخاصة بإسقاط الجنسية. وفي خطوة مفاجئة أعلن قطاع الجنوب في المؤتمر الوطني الحاكم في السودان فك ارتباطه بالحزب الحاكم في الشمال، وانضمامه دون شروط إلى الحركة الشعبية بقيادة سلفاكير ميارديت.
وابلغ الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الصحفيين في جوبا الجمعة انه واثق في ان جنوب السودان سينضم قريبا للاسرة الدولية. وكان بان حث في وقت سابق في الخرطوم حكومة الشمال على السماح لقوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة للبقاء بعد انتهاء تفويضها الخاص بمراقبة الموقف في جنوب كردفان اكبر ولاية متبقية منتجة للنفط تتبع الشمال بالجنوب وفي بعض الاماكن الاخرى الساخنة. وينتهي يوم السبت تفويض قوة الامم المتحدة التي نشرت عشرة الاف فرد من قوات حفظ السلام في السودان لمراقبة اتفاق وقف اطلاق النار. وصوت مجلس الامن الدولي الجمعة على تشكيل بعثة جديدة في جنوب السودان قوامها يصل لسبعة الاف عسكري و900 شرطي مدني اضافيين.