باتت معظم وسائل الإعلام الغربيّة تقسّم العرب إلى «سنّة» و«شيعة». لكنّ الباحث وجدها الوسيلة الأمثل، لتحليل ما أسماه «حملة الكراهية ضدّ الشيعة التي تنتهجها وتروّج لها الأنظمة الملكية»
اتسعت دائرة السجال حول دور الإعلام الجديد في التحريض المذهبي، خلال الفترة الأخيرة. على منصّات التواصل الاجتماعي، أخذ «خطاب الكراهيّة» أشكالاً جديدة ومبتكرة، من الإفراط في المبالغة، إلى تضخيم كل الصراعات، وصولاً إلى خروج أصوات تمتهن تحديد ما هو ممنوع وما هو مسموح.
ملاك حمود / جريدة السفير
دوامة الكراهية تلك، راحت تأخذ بعداً مُمنهجاً، لتبلغ حدود التحريض على الطائفية. هذا ما أثاره الكاتب الإيرلندي باتريك كوكبرن مؤخراً، عندما حذر من «حرب طائفية تهدد العالم الإسلامي بأكمله»، في بحث نشر في صحيفة «الإندبندنت» البريطانيّة، حول دعم الملكيّات الخليجيّة لخطباء الكراهية على «يوتيوب».
يستخدم كوكبرن تصنيفات طائفيّة، لشرح المشهد، تماماً كما باتت معظم وسائل الإعلام الغربيّة تقسّم العرب إلى «سنّة» و«شيعة». لكنّ الباحث وجدها الوسيلة الأمثل، لتحليل ما أسماه «حملة الكراهية ضدّ الشيعة التي تنتهجها وتروّج لها الأنظمة الملكية»، من خلال الإعلام الاجتماعي والفضائيات.
لعلّ أحسن ما في الإعلام الاجتماعي ـــ وهو أسوأ ما فيه ربما ــ أنه غير مقيّد ولا يخضع لمعايير نشر صارمة. إنّه مساحة حرّة، يسيء كثيرون استخدامها. في أعقاب «الربيع العربي»، تمّت مقاربة وسائل التواصل الاجتماعي كأدوات تحرّر، على اعتبار أنها حقّقت فتوحات لا يستهان بها في مجال حرّية الرأي. لكنّ كوكبرن يخلص في تقريره إلى أنّها تحوَّلت إلى «وسائط لغرس الرعب والكراهية». وبرأيه، فإنّ الفضائيات العاملة في دول الخليج، أو تلك التي تتلقّى تمويلاً منها، شكّلت محفّزاً أساسياً لعودة نشاط تنظيم «القاعدة» إلى الشرق الأوسط، بدرجة لم يتنبّه لها الغرب.
ويعطي مثالاً على أنّ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، بات أكبر قوّة تمرّد مسلحة في العراق وسوريا، خلال العام الماضي، مشيراً إلى أنّ أحد أبرز عوامل قوّته نابعٌ من قدرته على تجنيد مقاتلين وانتحاريين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وللمفارقة، فإن وكالات الاستخبارات الغربية، مثل «وكالة الأمن القومي» الأميركية، الناشطة في التنصّت على المواطنين والصحافيين عبر الإنترنت، أهملت بشكل واضح، تلك النداءات العلنية المكشوفة الداعية إلى القتل على أساس طائفي، بحسب التقرير. ويرى معلّقون أنّ سلوك تلك الوكالات، جاء انسجاماً مع ما جرت عليه العادة منذ أحداث 11 أيلول، وهو الإحجام عن تحميل الأنظمة الملكية الخليجية مسؤولية التحريض.
ويعتبر كوكبرن أن مواقع مثل «يوتيوب» و«تويتر»، بالإضافة إلى بعض محطات التلفزيون، كانت المحرّك الأساسي لنشر الكراهية الطائفية في العالم الإسلامي. وغالباً ما يقف وراء تلك الأحقاد وعّاظ يخطبون عبر الشاشات، ومواقع التواصل، ويرتدون عباءة رجال الدّين. على سبيل المثال، ودائماً بحسب كوكبرن، عرضت إحدى الفضائيات صوراً لرجال دين شيعة، معظمهم من إيران والعراق ولبنان، واصفة إياهم بـ«أعوان الشيطان». وتساءلت محطة أخرى «ماذا تنتظرون أيها السنة وأبناؤكم يساقون إلى المشانق في العراق؟ ألم تحن ساعة تحطيم القيود؟».
من ناحية ثانية، يضجّ «يوتيوب» بخطب لرجال دين متشدّدين، مثل نبيل العوضي، وهو رجل دين كويتي يتابعه 3,4 ملايين شخص على «تويتر». يكرّس العوضي إحدى خطبه «لفضح أعظم مؤامرة يواجهها العالم الإسلامي». ليتضح أنّ تلك المؤامرة، دُبّرت في قُمّ ويتولى تنفيذها «السادة» والقادة في طهران، من أجل القضاء على أمة الإسلام، «والهدف هو تدنيس الكعبة حجراً حجراً»، بحسب تعبيره.
ويسترسل الشيخ الكويتي في نظريّته قائلاً: «إنَّهم يقتلون الأئمة في العراق إذ يثقبون رؤوسهم بالمثاقب الكهربائية حتى الموت، أو يضعونهم في الحامض حتى الموت»! ثمّ يطلق تحذيراً مدوياً: «لا يعلمون أنَّ الجهاد باقٍ وأنَّه سيزرع الرعب في قلوبهم حتى لو كانوا في واشنطن أو لندن أو موسكو».
ويورد كوكبرن مثالاً آخر، عن رجل دين مصري يدعى محمد الزغبي، ينتفض غضباً وهو يصرخ في إحدى خطبه على «يوتيوب»: «يجب أن أقطع النفس الشيعي في مصر كلها». ويربط الكاتب بين ذلك النوع من التحريض، وما حصل في شهر حزيران الماضي، في قرية زاوية أبو مسلم الصغيرة في محافظة الجيزة المصرية، حيث أحرقت خمسة منازل، وقتل أربعة أشخاص، على خلفيّة مذهبيّة. وفي سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها من البلدان، مقاتلون، يستمدّون رؤيتهم للعالم، عبر عدد محدود من الوعّاظ والمعلّقين، والذين يحرّضون مذهبياً عبر الشبكة. ويخلص كوكبرن، إلى أنّ بعض الأنظمة الحاكمة في الخليج، وبسبب تغاضيها عن انتشار خطاب الكراهية المذهبي في الإعلام، أوجدت وحشاً طائفياً مشوّهاً، لن تلبث أن تفقد السيطرة عليه قريباً.. وذلك ما يذكّر بما حصل في أفغانستان خلال الأعوام الثلاثين الماضية.