لو تسنى للمقاومة ان تكون رجلا لكانت عماد مغنية. ولو تسنى لرجل أن يكون المقاومة لكان هو..
حبيب فياض / جريدة السفير
بعد ست سنوات على غيابه، ما زال عماد مغنية حاضرا بكل قوته و تفاصيله. هكذا يعتقد رفاقه الذين يرون في استشهاده مناسبة للتواصل الدائم معه. هذا الغياب نقله من موقع القائد المثابر والمدبر الى القائد الرمز والملهم. في حياته كان يغيب هنا ويحضر هناك تبعا لما تمليه الضرورات. أما في مماته فهو دائم الحضور ومع الجميع بلا انقطاع. كان يأمر فيطاع وهو اليوم يطاع من دون أن يأمر.
كان كل همه تقوية المقاومة. وبعد أعوام على استشهاده، أصبحت المقاومة أكثر قوة برغم ما تركه من فراغ. شق للمقاومين طريقا تنتهي بهم، في غيابه، الى النصر كما لو كان معهم. أعاد تأسيس المقاومة على أساس اعطاء كل ما هو تكتيكي بعدا استراتيجيا تحت سقف الاستراتيجية الكبرى. فالمعركة مع اسرائيل، كما كان يرى، تقوم على التفاصيل المنظمة والمنضبطة واعتبار كل هامش اصلا، مهما كان بسيطا. تلك هي طريقته في ادارة المعركة وضمان النصر. ينقل عنه قوله بأن "تكليفنا لا يقتصر على قتال اسرائيل، بل تكليفنا هو الانتصار عليها.. وفي حال لم ننتصر عليها فذلك يعني اننا قصرنا في القيام بتكليفنا". هذا الكلام يعكس، من وجهة نظره، تلازما لا ينفك بين القيام بالواجب والانتصار الذي يتوقف على ارادة المقاومين وجهدهم المتواصل.
كان عماد مغنية، وما زال، صاحب فضل في انتقال المقاومة من حالة توازن الرعب مع العدو الى توازن الردع. وهو مسؤول عن نقل المقاومة من النجاح الى التفوق، ومن جهوزيتها الدفاعية الى قدراتها الهجومية، ومن كونها قوة محلية الى كونها عنصرا أساسيا في المعادلة الاقليمية. واليه يعود الفضل أيضا في تحويلها الى مدرسة قتالية ذات هوية خاصة تختلف عن سائر المقاومات وتضاهي أعرق الجيوش. والأهم من ذلك كله انه ارتقى بالمقاومة لتصبح في الطريق إلى تحويل شعار تحرير كامل فلسطين وزوال إسرائيل من الوجود الى واقع ممكن ورؤية قابلة للتنفيذ.
للسهولة ذروة وكذلك للامتناع، ولقد جمع في شخصه بين الذروتين. تراه فلا تستطيع أن تشيح ببصرك عنه. وجهه كمرآة تعكس هيبة القادة ووداعة العرفاء. عيناه لا تكفان عن الكلام حين يكون صامتا. عقله لا يهدأ وينتقل بسرعة هائلة من المقدمات المتاحة الى النتائج المطلوبة. وفي روحه سكينة تبعث على الطمأنينة في القلوب. تقترب منه فتدرك انه كبير بلا تكبر، قوي بلا تجبر، شجاع بلا تهور، متواضع بلا تكلف، حكيم بلا تفلسف، قوي بلا عنف، رحيم بلا ضعف، قائد بلا استعلاء، خبير بلا ادعاء.. وجوده يوحي دوما انه مقيم على عجل وبأنه راحل بعد قليل وبأنه في هذا العالم لمهمة يريد انجازها ليغادر، وهكذا كان. فقد كان طوال حياته شهيدا بالقوة الى أن غادر شهيدا بالفعل.
قيل له يوما هل تخشى الموت وأنت ملاحق ومطلوب، فقال: "من الخيانة أن أخاف الموت وانا أطلب من أخواني القيام بواجبهم الجهادي بينما أنا متيقن أن بعضهم سيستشهدون.. أضعف الايمان أن ارتضي لنفسي ما ارتضيه لهم". وفي يوم طلب منه أحدهم خدمة.. فأجابه "تكرم.. ولكن أريد أولا أن أحصل على إذن «السيد»".. فقال محدثه مستغربا: "أنت الحاج رضوان وتحتاج أن تستأذن السيد".. فرد قائلا: "نعم .. فأنا جندي عند سماحته".
لو تسنى للمقاومة ان تكون رجلا لكانت عماد مغنية. ولو تسنى لرجل أن يكون المقاومة لكان هو..