أننا نعتقد ونؤمن - والوقائع تثبت صحة ذلك- ان المشروع التكفيري خطر على المنطقة ودولها وكل مكونات شعوبها مهما كانت انتماءتهم الدينية والمذهبية والعرقية،هو خطر على الحكومات والدول والشعوب
تعرّض امام مجمع السيدة زينب(ع) في حارة حريك سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة إلى الحديث عن البصيرة ودورها في صناعة الوعي الاجتماعي والسياسي.
فرأى : "ان صاحب البصيرة هو العاقل الواعي الذي يفهم الواقع الذي يعيش فيه ويدرك الحقائق ويعرف الناس من حوله ويعي الظروف ويشخص المخاطر ويدرك خلفيات الأمور ولديه القدرة على التمييز بين ما هو صحيح وما هو خطأ ، و ما هو مستقيم وما هو منحرف ، وما هو عدل وما هو ظلم وما هو حق وما هو باطل.. وبالتالي فهو لا يقع ضحية الخداع والتغرير والتزوير والتضليل لأن الرؤية لديه واضحة يعرف طريقه ومساره جيدا عن وعي وعلم ويقين.. وقد قال أمير المؤمنين (ع): فإنما البصير من سمع وتفكر ، ونظر فأبصر وانتفع بالعبر، ثم سلك جدداً واضحة يتجنب فيه الصرعة في المهاوي .
وهذا نص الخطبة:
يقول الله تعالى" قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين" يوسف /108
البصيرة تطلق على نور القلب بينما يطلق البصر على نور العين.
البصيرة: هي نور يقذفه الله في قلوب المؤمنين الصادقين المخلصين ليشخصوا ويميزوا الأمور بشكل دقيق وواعي.
البصيرة: هي الوعي والفهم، ووضوح الرؤية ،وسعة الإدراك ،والقدرة على التشخيص والتمييز، والنفاذ إلى حقيقة الأمور والخفايا، وكشف الحقائق ، ومعرفة التفاصيل ونتائج وعواقب الأمور والأحداث والمواقف.
"قل هذه سبيلي ادعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني"
عندما لا نستطيع أن نبصر في الظلمة تصبح الأمور متشابهة أو أنها تصبح أشباحاً لا يمكن تمييز بعضها عن بعض ولا تشخيص الأشياء بدقة .كذلك إذا فقدنا البصيرة (وضوح الرؤية القلبية والقدرة على التمييز والتشخيص)فإن الأمور تلتبس علينا ونقع في التشخيص الخاطئ، ونصاب بالتخبط والارباك والضياع خصوصا عند الفتن وفي الظروف الصعبة.
وهذا هو الفرق بين انسان صاحب بصيرة ووعي وبين انسان آخر عديم البصيرة.
فصاحب البصيرة لا يقع ضحية الخداع والتغرير والتزوير والتضليل لأن الرؤية لديه واضحة يعرف طريقه ويعرف مساره عن وعي وعلم ويقين.أما عديم البصيرة فهو عرضة لكل ذلك ،للخداع والتزوير وغيره.يقول الله تعالى:" أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمّن يمشي على صراط مستقيم" الملك /22.هل يستوي من يمشي في طريق يملؤه الضباب لا يعرف في اي اتجاه يسير ولا الى اين سيصل مع من يمشي في طريق مستقيم يعرف بدايته ونهايته؟.
إذن صاحب البصيرة هو العاقل الواعي الذي يعي الواقع الذي يعيش فيه ويدرك الحقائق ويعرف الناس من حوله ويفهم الظروف ويشخص المخاطر ويدرك خلفيات الأمور ولديه القدرة على التمييز بين ما هو صحيح وما هو خطأ ،وما هو مستقيم وما هو منحرف ، وما هو عدل وما هو ظلم ،وما هو حق وما هو باطل..
يقول أمير المؤمنين (ع): فإنما البصير من سمع وتفكر ، ونظر فأبصر وانتفع بالعبر، ثم سلك جدداً واضحة يتجنب فيه الصرعة في المهاوي .أي بعد فهمه لما سمع ورأى يعمل بما علم ويختار الطرق الواضحة ،ويتجنب الطرق المظلمة والخطرة التي تؤدي به إلى الهلكة.
والبصيرة تحصل لدى الانسان من خلال العلم والمعرفة واليقين والثقافة والتفقه في الدين ، ومن خلال التفكر والتأمل والتدبر في الأمور ، ومن خلال الخبرات والتجارب والمتابعة والتراكمات العملية. يجب أن يكون الانسان صاحب بصيرة في المسائل الاعتقادية ،في قضايا التوحيد والنبوة والامامة والقيامة والآخرة، لكي يكون اعتقاده صحيحاً وعميقاً وراسخاً، ولكي تكون لديه الحصانة التي يستطيع من خلالها مواجهة الشبهات.يجب ان يكون صاحب بصيرة في الدعوة الى الله عندما يريد ان يهدي الناس ويستقطبهم الى دين الله والى الطريق المستقيم.(قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني).
يجب ان يكون صاحب بصيرة في عبادته ايضاً ، كما في دعاء الامام زين العابدين (ع) (اللهم وثبّت في طاعتك نيتي، وأحكم في عبادتك بصيرتي) العبادة مع بصيرة تختلف عن العبادة بلا بصيرة.فالعبادة مع التفكر والتدبر بمضامينها لا شك بأنها أعظم أجراً من عبادة بلا تفكر ، والعبادة التي يفهم ويدرك الانسان معانيها أكمل من سائر العبادات الأخرى .
الصلاة بتفكر أعظم ثواباً من صلاة بلا تفكر وكذلك الحج وغيره.
ولذلك قال الله تعالى " قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون".
في الحديث عن رسول الله (ص): إن الرجلين من أمتي يقومان في الصلاة ،وركوعهما وسجودهما واحد، وإن ما بين صلاتيهما مثل ما بين السماء والأرض.فشروط الصلاة وافعال الصلاة واحدة ،لكن هذا يصلي مع بصيرة وذاك بلا بصيرة فيكون الفرق ما بين صلاة هذا وصلاة ذاك كما بين السماء والأرض.يجب أيضاً ان يكون الانسان صاحب بصيرة في الأمور السياسية والاجتماعية والعسكرية والامنية ايضاً..لا يكفي أن يكون الانسان صاحب بصيرة في الأمور الاعتقادية والعبادية والدينية ثم يكون سطحياً وساذجاً في الأمور الاجتماعية والسياسية والامنية.
نحن بحاجة إلى البصيرة في كل الأمور المحيطة بنا ،والى فهم الواقع الذي نعيش فيه ،وادراك ما يدور من حولنا ،وأن نملك القدرة على تشخيص الأولويات والأخطار والأعداء..
يجب ان تفتح أعيننا وننظر وندقق ونعي ونفهم حقيقة ما يدور من حولنا ونشخص بشكل صحيح الاعداء من الاصدقاء .. والحق من الباطل ؛ لأنه قد تلتبس الأمور على الكثير منا، فنقع في الضياع ،ونصاب بالتخبط والارباك وتضيع الاولويات فلا نعرف كيف نتخذ القرار الصحيح.يجب ان نكون من اصحاب البصيرة الذين يسيرون على الطريق بوعي ونباهة ،من أهل البصيرة الذين يرون طريقهم بوضوح بلا أي لبس أو إبهام أو غموض. أمير المؤمنين(ع)كان على بصيرة من أمره عندما واجه اعداءه المحسوبين ظاهرا على الاسلام.
يقول (ع) إني والله لو لقيتهم واحداً وهم طلاع الأرض كلها ما باليت ولا استوحشت وإني من ضلالهم الذي هم فيه ، والهدى الذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي ويقين من ربي وإني إلى لقاء الله لمشتاق وحسن ثوابه لمنتظر راج.
الامام الصادق (ع)يصف عمه العباس بأنه كان نافذ البصيرة فيقول:رحم الله عمي العباس فقد كان نافذ البصيرة .
وجاء في زيارة ابي الفضل العباس (ع) : وانك مضيت على بصيرة من أمرك مقتدياً بالصالحين..
أميرالمؤمنين(ع)في حرب صفين لم يكن يقف في مواجهة الكفار والمشركين .
المعسكر الذ وقف في مواجهته (ع) وقاتله وحاربه في صفين كان محسوباً على الاسلام والمسلمين ،كان رجاله يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويقرأون القرآن ويرفعون شعارات اسلامية . كان الدخول في معركة ومواجهة وقتال معهم عملية صعبة ؛ لأنك تقاتل في الظاهر اشخاصاً ومجموعات تنتمي في الظاهر إلى الاسلام وترفع شعارات الاسلام وتتحرك باسم الاسلام . ولكن بفعل البصيرة التي كان يملكها امير المؤمنين(ع) كان يشخص ان هؤلاء وإن رفعوا شعارات اسلامية وتظاهروا بالايمان هم اعداء الدين واعداء الامة ويجب قتالهم حتى ولو بقي وحيدا في مواجهتهم.
بهذا الوضوح وبهذا اليقين كان علي (ع) يقاتل هؤلاء لأنه كان على يقين من ضلالهم واتباعهم الباطل، لكن البعض ممن سار مع أمير المؤمنين(ع) إلى صفين وكان في عداد جيشه التبست عليه الأمور وأهتزت قناعاته وتزلزل في ذلك ؛ لأنه لم يكن يملك بصيرة . لقد حدثت هذه الزلازل عدة مرات لأشخاص كانوا في عداد جيش علي(ع).
كان البعض يسأل : لماذا نحارب ؟ لماذا نتورط في قتال هؤلا ؟ ما الفائدة من الدخول في معركة معهم ؟ أو ان الدخول في معركة معهم تشق عصا المسلمين ؟! او ما شابه ذلك ...
وكان اصحاب علي (ع) الخلص الذين وقفوا معه منذ البداية والذين يملكون البصيرة والقدرة على التشخيص الصحيح والتمييز بين الاعداء والاصدقاء ، كانوا يتصدون لهذه الشبهات، من هؤلاء عمار بن ياسر، هذا الرجل عندما طرأت شبهة من هذاالنوع لدى البعض ذهب اليهم وخطب فيهم وقال ما معناه :
ان الراية التي ترونها في الجبهة المقابلة ، رأيتها يوم بدر وأُحد في مواجهة رسول الله (ص) وقد وقف تحتها نفس الاشخاص الذين يقفون اليوم تحت راية معاوية وعمر بن العاص، والراية التي يرفعها امير المؤمنين(ع) اليوم كانت ايضا" في بدر وأُحد الى جانب رسول الله (ص) وكان يقف تحتها نفس الاشخاص الذين يقفون اليوم مع علي بن ابي طالب(ع) .
هذه هي العلامة الفارقة، الراية هي نفس الراية ، والاشخاص في هذه الجبهة وفي تلك الجبهة نفس الاشخاص ولكن الفرق بين اليوم والامس انهم كانوا بالامس على الكفر والشرك ويقاتلهم رسول الله (ص)وهم اليوم انفسهم يدعون الاسلام ويرفعون القران..ويقاتلهم علي(ع) الذي قاتلهم بالامس مع رسول الله(ص)... هذه بصيرة.
هذه البصيرة نشاهدها اليوم في شهدائنا،وخصوصا شهداء الدفاع المقدس، في عوائل الشهداء، في اهلنا الاوفياء الذين يعرفون الطريق الذي يسيرون فيه جيدا".
هذه البصيرة شهدناها في الشهداء القادة الذين نعيش ذكراهم هذه الايام في السيد عباس والشيخ راغب والحاج عماد ،وفي كل الشهداء الذين انطلقوا في خط المقاومة ، وكانت الاولوية المطلقة لديهم هي المقاومة لان التشخيص الصحيح للخطر الاكبر الذي كان ولا يزال يتهدد لبنان وفلسطين والمنطقة هو اسرائيل والمشروع الصهيوني،واليوم المشروع التكفيري.
لا ينبغي للانسان ان يغتر بالشعارات والمظاهر ، لا ينبغي ان يكون سطحيا" وساذجا" في نظرته للاحداث والاخطار والتحديات، فيتعاطى معها بسطحية وسذاجة من دون عمق ومن دون بعد نظر.عندما تنظرون الى هؤلاء التكفيرين الذين يقتلون الابرياء وينشرون الدمار والخراب في دول هذه المنطقة ستجدون ان هؤلاء لم يقفوا في يوم من الايام بجدية في مواجهة اسرائيل ولم يعملوا ولا في يوم بجدية على تحرير فلسطين ، ستجدون ان من يدعم هؤلاء ويساندهم ويمدهم ويسلحهم هو امريكا وبريطانيا وفرنسا واسرائيل وحلفاءهم العرب.
منذ البداية كانوا ولا يزالون آداة امريكية اسرائيلية لتفتيت الأمة وضرب المقاومة وتدمير هذه المنطقة.
إن خطر المشروع التكفيري اليوم يشمل كل المنطقة ،وعندما نأخذ موقفاً عدائيا من هذا المشروع ونقاتله ؛ فلأنه:
أولاً: مشروع فتنوي تفتيتي يعمل على تدمير بلدنا وضرب الاستقرار فيه وضرب إحدى أهم عناصر القوة فيه وهو المقاومة.
وثانياً: لأننا نعتقد ونؤمن - والوقائع تثبت صحة ذلك- ان المشروع التكفيري خطر على المنطقة ودولها وكل مكونات شعوبها مهما كانت انتماءتهم الدينية والمذهبية والعرقية،هو خطر على الحكومات والدول والشعوب وبالتالي علينا ان نواجه هذا المشروع بكل الوسائل المتاحة ونسقطه .ولذلك اليوم معركة يبرود ومحيطها ضرورة أمنية للبنان لمنع تدفق السيارات المفخخة والانتحاريين إلى المناطق اللبنانية.
وما قام به الجيش اللبناني على مستوى تفكيك بعض السيارات المفخخة وكشف مجموعات وشبكات ارهابية ،واعتقال بعض الروؤس الارهابية ،هو انجاز كبير لقيادة الجيش ومخابراته، ويثبت أن الجيش قادر على تحقيق انجازات امنية نوعية إذا أُتيح له العمل بحرية ولم توضع العراقيل في وجهه.
وعلى السياسيين أن يلاقوا هذا الانجاز بتشكيل حكومة سياسية جامعة ترضي كل الاطراف الاساسية في البلد ،تكون قادرة على تحمل المسؤولية وحماية الأمن والاستقرار في لبنان ليطمئمن الناس على حياتهم ومستقبلهم وحياة ومستقبل أبنائهم.