27-11-2024 08:30 PM بتوقيت القدس المحتلة

رفع الحصار عن اليرموك: حصّة غذائية وطعمٌ ضدّ شلل الأطفال في آن

رفع الحصار عن اليرموك: حصّة غذائية وطعمٌ ضدّ شلل الأطفال في آن

اعتباراً من السادس من شباط/فبراير من العام 2014، كانت قد مضت سبعة أيّام على وصول اولى المساعدات الإنسانية، المؤلفة من حصص غذائية تبلغ زنتها إجمالاً 25 كيلوغراما


كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله
مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين - دمشق

اعتباراً من السادس من شباط/فبراير من العام 2014، كانت قد مضت سبعة أيّام على وصول اولى المساعدات الإنسانية، المؤلفة من حصص غذائية تبلغ زنتها إجمالاً 25 كيلوغراما وموضّبة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) وبرنامج الغذاء العالمي والهيئة الدولية للصليب الأحمر، فضلاً عن منظمات المساعدات الأوروبية، إلى مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بعد عشرات المحاولات الفاشلة خلال الأشهر الماضية من قبل مختلف الميليشيات والمجموعات السياسية للإستحصال على موافقة بالإجماع لتسليم المساعدات. وحصص المعونات التي تتضمّن كيلوغرامين من الأرز، وكذلك من السكّر، وثلاثة كيلوغرامات من العدس، وكذلك من المعكرونة، بالإضافة إلى الطحين والمربّى والشاي والزيت والحلاوة من المفترض أن تكفي عائلة مؤلفة من خمسة إلى ثمانية أفراد مدّة عشرة أيّام. والصناديق تصل شيئاً فشيئاً إلى الجهة الجنوبية من مخيّم اليرموك، وعلى طول شارع ريما حيث رأيت الجموع الأسبوع الماضي ينتظرون بتوتّر ويأملون بالحصول على الغذاء والماء النظيف. أما بالنسبة لبعض سكّان المخيّم، فهم ينتظرون الإغاثة منذ حزيران/يونيو من العام الفائت عندما أُغلقَت جميع المداخل والمخارج من مخيّم اليرموك.

وقد وصلت شاحنة صفراء كبيرة صباح الخامس من شباط/فبراير، وقد شاهدتُ ذلك عندما بدأ تنزيل الأغذية وتوضيبها في ست شاحنات "بيك آب" قبل أن يتمّ نقلها إلى مخيّم اليرموك تحت مراقبة يقظة من كلا القوات الموالية والمناهضة للنظام بالإضافة إلى عناصر أمنيين. وبحسب أحد المصادر التي التقيتها مؤخّراً من جنوبي بيروت، فإنّ قنّاصي جبهة النصرة والجبهة الإسلامية وتنظيم داعش (أو ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام) وجند الشام يظهرون على سطوح المباني وهم يراقبون ويوزّعون نشاطاتهم مع تشديد بصرهم على فوهات بنادقهم. وقد أخبرتني إحدى المتطوّعات في الهلال الأحمر السوري التي التقيتها أنها تخشى من تبادل لإطلاق النار بين هؤلاء المقاتلين وقوى الفلسطينيين المجاورين المتحالفة مع الحكومة (الجبهة الشعبية - القيادة العامّة أحمد جبريل)، الذين يقفون حاملين الهواتف اليدوية يراقبون ويناقشون الأحداث على ما يبدو. وبصراحة، فبالنسبة لي، تزداد صعوبة التمييز بين المجموعات المتواجدة هنا، مع انتشار المقاتلين الملتحين والملابس التي لا يمكن تمييزها.

وبالنسبة للكثير من الحاصلين على الحصص الغذائية، فأوّل ما يقومون به هو فتح علبة  المربّى من الصندوق الكرتوني وإطعامه لأولادهم أو للاجئين العاجزين المجاورين، وكبار السنّ في أغلب الأحيان. وفي 6 شباط/فبراير 2014، بدأت وكالة (الأونروا) برنامج تطعيم ضدّ شلل الأطفال، هو الأول في المخيّم حيث السكّان العالقون والذين يعدّون بالآلاف بحاجة ماسّة له. وقد تمّ إدخال عشرة آلاف حقنة من طعم الشلل إلى المخيّم، إلى جانب الطعوم التي يتمّ تطعيمها لليوم الثاني على التوالي.

وفضلاً عن كميّة الطعام الزهيدة المقدّمة للمخيّم، تم السماح لحوالي 1600 شخص بمغادرة المخيّم لتلقّي العلاج الطبي. وصباح المساعدات في اليرموك اليوم كان شبّان جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني يتقاطرون إلى خارج المخيّم المحاصر وهم يرتدون سترات عليها شعارات كبيرة للصليب الأحمر. وكانوا دائماً يمسكون بأيادي وأذرع وأكتاف أولئك الذين يستطيعون المشي لمسافة 45 متراً لانتظار سيارات الإسعاف التي ستخلي هؤلاء المرضى وتنقلهم، وهم يعانون آثار الجوع بما في ذلك ضمور العضلات والجفاف. ويتم نقل معظمهم إلى مستشفى يافا التابع للهلال الأحمر الفلسطيني على بعد كيلومترين من المخيّم. وينقل الآخرون إلى المستشفيات الحكوميةّ السورية في المزّة ووسط دمشق بما فيها مستشفيات المجتهد والمواساة والتوليد ومستشفى الأطفال.

وقد جُلت لمدة ساعتين على ما يقارب 250 فرداً من عوائل اللاجئين العالقين، فبدا أنّ الكثير منهم يظهر يوميّاً أمام المخرج الوحيد لمخيّم اليرموك، على أمل أن يتمّ السماح لهم قريبا بالمغادرة. وقد شرحت لي سيّدة مسنّة، في أواخر الستينيات من عمرها، أنها وخلال الأيام الماضية منذ مدّة سبعة أشهر، أي منذ بدء الحصار على اليرموك في حزيران/يونيو الماضي، ما زالت تقف في المكان نفسه تنتظر إبنها محمّد ليعود إليها من داخل المخيّم المحاصر. وهي ليس لديها أيّ فكرة عمّا إذا كان ما يزال على قيد الحياة، إلا أنها أخبرتني أنها تؤمن بأن الله سيعيده إليها سالماً.

وإن أخذنا بعين الإعتبار 18 ألف شخص بحاجة ماسة للمساعدة في صباح هذا الشتاء القارس داخل اليرموك، فإنّ ما تمّ السماح بإدخاله مؤخّراً كان ضئيلاً جدّاً، وهو بسيط جدّاً. إلا أنه عظيم بالنسبة لهؤلاء الذين يحصلون على الحصص الغذائية التي تنقذ حياتهم، إلى جانب العلاج الطبي الضروري لهم.

وفي حين أنتظر العودة إلى اليرموك هذا الصباح، وبانتظار أيّ سيارة أجرة موعودة ومكلفة للوصول، فقليلة هي سيارات الأجرة التي تريد أن تأتي إلى أي مكان مجاور لليرموك هذه الأيام، فضلاً عن أنها تطلب خمسة أضعاف الأجرة العادية، يتخيّل المرء المشهد الذي حصل الأسبوع الماضي، والذي سيتكرر عندما ستقف الجموع الغفيرة في صفوف بشرية طويلة تنتظر وربما تتصارع بعض الأحين من أجل الطعام. وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على الحاجة الإنسانية الماسّة واليأس بين آلاف المدنيين الفلسطينيين والسوريين الذين يتمّ تجويعهم واستخدامهم كسلاح حرب وكدروع بشرية.

وبعد أشهر من البدايات الفاشلة للتوصّل إلى اتفاقية بين الفصائل الفلسطينية الأربع عشْرة هنا في دمشق، فضلاً عن الضوء الأخضر من الحكومة السورية، وأكثر من عشر ميليشيات متمرّدة، كلّ لها أجندة مختلفة، فإنّ اتفاقية هذا الأسبوع وهي الثامنة منذ أوائل كانون الأول/ديسمبر قد تتمّ وقد لا تتمّ. وقد لا تنهي المذبحة التي حصدت أرواح ستة آلاف شخص جديد في الشهر الفائت وحده.

أمّا إذا نجحت، فستمثّل نصف خطوة إضافية حيث استفاد المبعوث الأممي لَخْضَر الإبراهيمي من انعقاد جنيف 2 لرفع الحصار عن مخيّم اليرموك، ما سيبشّر بالخير بخصوص المزيد من الجهود الإنسانية لوقف إطلاق نار على امتداد الوطن كخطوة كاملة تجاه عمل وفاقي جدّي لحماية هذا البلد العظيم.

فرنكلين لامب أستاذ زائر في القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة دمشق، وهو متطوّع في برنامج صبرا وشاتيلا للمنح التعليمية (sssp-lb.com)