في صيف العام 2012 , وعلى هامش مؤتمر المانحين لأفغانستان الجديدة , أخطرت وأنذرت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلنتون , الدولة السورية "بهجوم كارثي"
حسن شقير*
في صيف العام 2012 , وعلى هامش مؤتمر المانحين لأفغانستان الجديدة , أخطرت وأنذرت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلنتون , الدولة السورية "بهجوم كارثي لن تقتصر تداعياته عليها فقط , بل على المنطقة بأكملها" , وقد ذيّلت تهديدها يومذاك لجميع اللاعبين والمعنيين من الدول والأطراف في الجبهة المقابلة لها .." بأن البند السابع سيُطبق لا محالة في سوريا " , ليتزامن ذاك التصريح مع نعي كوفي أنان ( المبعوث الدولي السابق إلى سوريا ) لخطته للحل فيها , وذلك عشية زيارته الثالثة إليها في حينه ..
أعقب تصريح كلينتون, ونعي أنان , الكثير الكثير من المحطات المفصلية في عمر الأزمة السورية , من محاولات عديدة لإسقاط الدولة السورية , والتي باءت كلها بالفشل , وصولاً إلى سريان الإرهاب وتمدده في الجسد السوري , والذي ضربت شظاياه مختلف شرائح الشعب السوري , إضافة إلى محاولات تدمير ركائز الدولة السورية برمتها , حتى تفلت المشهد السوري الدموي من كل عقال .
لقد استخلصت يومها من هذين التصريحين, ومن مجموعة من التطورات البارزة في عمر الأزمة السورية في حينها , بأن الأزمة السورية يُراد منها أمريكياً , بتحويل هذه الدولة إلى دولة فاشلة بشكل كلي , وعلى مختلف الصعد , وجعلها تُشكل خطراً على السلم والأمن الدوليين , لتصبح ذريعة المطالبة بتدخل دولي فيها – كما كانت تصبو إليه كلنتون – أمراً لا مفر منه , وذلك بقوة القانون الدولي ... وقد فصلّت حينها سلّة من الأهداف الأمريكية والصهيونية الإستراتيجية من وراء ذلك , وقد كان على رأسها الحدود اللبنانية – السورية , على وجه التحديد , وعلاقتها بتحقيق الحلم الصهيوني في محاصرة المقاومة من خاصرتها السورية ..
رافعة الإرهاب
اتخذت سوريا ومن خلفها روسيا ومعها إيران وباقي أطراف محور الممانعة تدابيراً , أقل ما يُقال عنها أنها إستراتيجية , لفرملة وتعطيل الصاعق الأمريكي بجعل سوريا عاملاً مركزياً في زعزعة السلم والأمن الدوليين .. حيث التفت هذه التدابير بخيوطها على الإستراتيجية الصهيوأمريكية ومن يقف خلفهما من دول تحالف العدوان على سوريا أيضاً .
لم تُجدِ وسيلة الإرهاب الأعمى في سوريا, ولا الحرب عليها , بجعلها حصان طروادة تتسلّق من خلاله أمريكا وكذلك الكيان الصهيوني إلى مجلس الأمن الدولي ضمن الشهية والأهداف التي ذكرنا ..فأجهضت الخطة في مهدها
لم تستسلم أمريكا ومن خلفها الصهيونية ودول تحالف العدوان معهما , فحاولوا من جديد , وبشماعة جديدة , فكان كيميائي الغوطة , الرافعة الثانية لهم , ولتحقيق الهدف نفسه , قاموا بذرف الكثير الكثير من دموع التماسيح , على أطفال سوريا ونسائها ... و قُرعت طبول الحرب , وهُوِّل عليها بالويل والثبور وبعظائم الأمور " وبالهجوم الكارثي الوشيك " ... إلاّ أنه , سرعان ما انكشف زيف الكيميائي ومدبريه, وانكشفت معه عورة الضعف والوهن والأفول الأمريكي أكثر فأكثر .. فخبت من جديد شعلة المطالبة بالتدخل الدولي في سوريا من بابها الكيميائي ... وكان الإتفاق الشهير بشأنه .
تتالى الفشل الأمريكي والصهيوني في تحقيق أهداف التدخل الدولي , وخصوصاً بعد الإتفاق النووي الدولي – الإيراني , وذلك تجسد من خلال فشل معركة الغوطة الشرقية الأخيرة , وذلك من البوابة الأردنية , وبتخطيط دولي من مختلف دول تحالف العدوان على سوريا وفي مقدمهم الكيان الصهيوني ..فبدأت بعدها أوراق الإرهاب تُحرق الواحدة تلو الأخرى على الأرض السورية , وانطلقت مرحلة التبرؤ من بعضها , وتبيض صفحة البعض الأخر من هذه الجماعات , خصوصاً بعد تحسس الكثيرين من دول تحالف العدوان, رقابهم من خطر ذاك الوحش الذي لم يعد يُدار بريموت كونترول واحدة ... فأجهضت ورقته مجدداً, ولم تعد جدوى بثه على الحدود السورية في ضعضعة السلم والأمن الدوليين في الدول المجاورة - وتحديداً في لبنان – معولاً عليها ... فسقط من جديد الرهان الأمريكي ذاته ...
رافعة الإنسانية
تزامنت إحتفالية جنيف 2 بجولتها الثانية , مع تطورات هامة جداً في المشهدين اللبناني والسوري , ففي المشهد الأول , تسارعت وتيرة العمليات الإرهابية في لبنان , و تطورت أساليبها , وتقارب زمان وقوعها ...مما جعل جرس الإنذار يُدقُ لها .. فتسارع حينها فرط عقد الكثير من شبكاتها على الأرض اللبنانية , وتفكيك العديد من صواعقها التفجيرية المرعبة قبيل أوانها ... وبدأ زمن تضييق الخناق الحقيقي عليها , وصولاً إلى تعريتها , وتنصلُ الجميع من أفعالها المشينة , وذلك من قبل مختلف الأطياف السياسية اللبنانية , وخفت إلى حدٍ ما منطق تبرير أفعالها ... ليلاقي كل ذلك في المشهد السوري , إنطلاق معركة القلمون –بشكل ملموس هذه المرّة – وقرار الجيش السوري والقوى المساندة له بتسكير هذا الجرح الذي ينزف في المقلبين , باتجاه طريق دمشق – حمص الدولي , وباتجاه عرسال اللبنانية وتصدير سيارات الموت إليها وعبرها إلى الداخل اللبناني ..
هذان الحدثان المفصليان في مسارالحرب السورية , وما قد ينتج عنهما من تعطيل لكثير من مخططات بعض دول تحالف العدوان على سوريا في "إعادة التوازن إلى الميدان السوري , من خلال خلخلة التوازن في المقلب اللبناني الحاضن وغير الحاضن للمقاومة أيضاً " , وما ينتج عن ذلك من تثبيت للطمأنية في المقلب اللبناني , ومحاصرة النيران السورية – قدر الإمكان – من أن تلفح الجغرافيا اللبنانية ... الأمر الذي سيؤدي بكل تأكيد إلى الزخم في الدفع نحو الإقتراب من الحسم العسكري في القلب والوسط السوري , للتفرّغ لاحقاً إلى باقي الأطراف الجنوبية والشمالية وغيرها ..
ما أشبه كيميائي الغوطة المزعوم يومها , وما تلاه من تهديد مباشر للدولة السورية , بضرورة فرملة هجومها يومذاك في القلب السوري , والتي كنا قد شبهناها يومها بأنها القصير الجديدة , والتي لم يتخيّل تحالف العدوان على سوريا خسارة المعركة فيها ... ما أشبه كل ذلك بمعركة يبرود اليوم ,ولكن هذه المرّة علا الصراخ , ليس بقفاز كيميائي , إنما بقفاز إنساني ! مع العلم أن المسار الإنساني يسير بشكل شبه سلس في حمص القديمة , فلم تطرح دول تحالف العدوان على سوريا إجلاء المدنيين من هذه المدينة ! إنما وبشكل مفاجئ علا الصراخ الأمريكي ومعه ما يُسمى بوفد الإئتلاف السوري ومن خلفه بعض من دول الإعتلال العربي في إثارة البعد الإنساني في الحرب السورية في المحافل الدولية , وكأن هذا البعد , وليد البارحة في هذه الأزمة !
لعل أمريكا تُدرك أكثر من غيرها أن اللعب بالكارت الإنساني في النار السورية , لكي تدوَّل أزمتها , أصبح يثير السخرية لدى روسيا وباقي أطراف محور الممانعة في ابتلاع هذا الطعم المكشوف .. فمطالبة الرئيس الأمريكي , ووزير خارجيته , ومندوبتهم إلى مؤتمر جنيف 2 , وكذا حراك السعودية والأردن في هذا الإتجاه , ورفع هؤلاء شعار "الممرات الإنسانية الأمنة " وحمايتها بشكل دولي ...فكل ذلك يأتي في سياق مُكمِّلٍ لما فشلوا به سابقاً في جعل الإرهاب وخطره على السلم والأمن الدوليين مبرراً " شرعياً " لتحريك القوات الدولية نحو الحدود السورية عامة , واللبنانية منها على وجه الخصوص ... والهدف واحدٌ لم ولن يتغيّر في عزل المقاومة ومحاصرتها من الخاصرة السورية ..
خلاصة القول , أنه لا ينبغي أن تغيب عن سوريا وأطراف الممانعة ذاك المبدأ الأمريكي – الصهيوني , والمتمثل في قمة الخداع السياسي لديهما , والقائم على النظر إلى مكان معين , وأعينهم وتحديقهم يكون في مكان أخر مختلف تماماً ... ولعل معركة القلمون وحسمها , وتفكيك الشبكات الإرهابية في لبنان وتقطيع بعضٌ من رؤوسها , هي مربط الفرس والسبب الحقيقي في كل هذا العويل والصراخ العالي عند دول تحالف العدوان على سوريا ... وهي بعيدةٌ كل البعد عن الإنسانية , وهذه الأخيرة , هي بالتأكيد لن تجد لها محلاً في فزاعة أمريكا الجديدة ,والمتمثلة فيما تهدد به اليوم بالإنتقال إلى " الخطة ب " في الحرب والعدوان المستمر عليها !
* باحث وكاتب سياسي
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه