22-11-2024 03:05 PM بتوقيت القدس المحتلة

مع زيادة الحرارة وتراجع المتساقطات: "النهج الترابطي" لأمن المياه والطاقة والغذاء

مع زيادة الحرارة وتراجع المتساقطات:

عندما كنا نتحدث عن ضرورة ان يكون في كل بلد استراتيجية للتنمية المستدامة، توفّق وتربط بين كل القطاعات، يكون محورها الاستدامة، لم يكن ذلك نابعاً من متطلبات برنامج من برامج الامم المتحدة، ولا هو نتيجة...

حبيب معلوف / جريدة السفير

ما الذي يربط الماء والمناخ والغذاءعندما كنا نتحدث عن ضرورة ان يكون في كل بلد استراتيجية للتنمية المستدامة، توفّق وتربط بين كل القطاعات، يكون محورها الاستدامة، لم يكن ذلك نابعاً من متطلبات برنامج من برامج الامم المتحدة، ولا هو نتيجة اختراع لفلسفة جديدة، بل هو امتداد لتفكير قديم وفلسفات قديمة طالما تحدثت عن ترابط "العناصر الاربعة" المؤسسة للحياة، كالمياه والشمس (النار والطاقة)، والتربة والهواء. وهي بحسب اعتقادنا اكثر شمولا من نظريات اليوم التي تتحدث عن الترابط بين المياه والطاقة والغذاء.

بالاضافة الى ذلك، لم يكن ارتفاع معدلات التنمية والنمو السكاني والتحضر في جميع أنحاء العالم من دون عواقب. فقد حمل معه مصدر قلق جديداً للمجتمعات ترافق مع تساؤلات عدة: هل ستتمكن البلدان من ضمان أمن مواردها في المستقبل؟ وهل ستتمكن الدول التي تعاني شحاً في الموارد الأولية، كبلدان المنطقة العربية، من الاستمرار، مع بدء تكشف الآثار الضارة لتغير المناخ؟ من الواضح أنه بات لا مفر من صياغة نهج جديد لتقييم وإدارة مواردنا والسياسات ذات الصلة.

لطالما كان الترابط بين الطاقة والغذاء والمياه موجوداً، غير أن نهج التخطيط للموارد والسياسة في هذه القطاعات الثلاثة كان، حتى زمن ليس ببعيد، يقوم على التفكير من خلال "صوامع". وقد اكتسب "نهج الترابط" في صنع السياسات زخماً جديداً عقب المؤتمر حول الترابط بين المياه والطاقة والغذاء الذي عقد في مدينة بون عام 2011 واستُخدمت خلاله كمرجع للنقاش ورقة بحثية بقلم هولغر هوف من معهد ستوكهولم للبيئة وبعنوان "فهم الترابط".

حول هذا الموضوع، عقد برنامج تغير المناخ والبيئة في العالم العربي في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية مؤخراً، حلقة نقاش (أدارتها منسقة برنامج تغير المناخ والبيئة في معهد عصام فارس رنا الحاج)، ضمت إلى جانب هوف، رابي مهتار من جامعة "إي أند أم" في تكساس ورالف كلينغبيل من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) ونديم فرج الله أستاذ مشارك لمادة الهيدرولوجيا البيئية في كلية العلوم الزراعية والغذائية ومن معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت. ف

ما أهم ما دار في هذه الحلقة؟

أشار هوف، خلال حلقة النقاش، إلى أن مبادئ نهج الترابط تقوم على تعزيز المرونة من خلال التنوع والبحث عن ابتكارات والتنسيق ما بين القطاعات وتعزيز التواصل بين المؤسسات. واعتبر أن نهج الترابط لا يتطلب مبادرات وأدوات جديدة، بل يبني على تلك الموجودة أصلاً، وأنه لا ينبع من قطاع واحد بل يؤمن تكافؤاَ في الفرص لكل القطاعات وعلاقة سلسة بين الموارد الثلاثة. وشدد هوف على أن مواصلة العمل بالشكل المعهود لم تعد خياراً وأن الابتكار بات ملحاً في كل القطاعات لضمان فعاليتها.

زيادة الطلب على الموارد

شهد العالم بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص "ضغطاً" على الموارد. ويعود ذلك، حسب هوف، إلى ارتفاع الطلب على الموارد الطبيعية ما يؤدي إلى الإفراط في استغلالها. ويؤكد أن نهج الترابط، على عكس نهج التخطيط المنفصل، يحقق توازناً بين الفرص والفوائد والمفاضلات بين القطاعات. وبالحديث عن تطبيق نهج الترابط، أثار هوف "نهج المسؤولية المشتركة"، الذي يتضمن حماية التربة والمياه (عبر استخدام تقنيات الحفظ البديلة في الزراعة) واستخدام الأراضي مع مراعاة المياه وسلامة المناخ وإضافة الطاقة إلى المعادلة. ويقول هوف إنه بمجرد التفكير بهذه الموارد كنموذج السلسلة، يتسنى لكل من القطاعات الاستفادة من أي تحسن يطرأ على القطاعين الآخرين. ورأى أن وضع لبنان هو جيد نسبياً بالمقارنة مع الدول المجاورة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، محذراً من خطر تدهوره وداعياً إلى اتخاذ تدابير وقائية الآن تعفي لبنان من تدابير علاجية في المستقبل.

صنع القرار

من جهته، شدد مهتار على أنه من الضروري في هذه المرحلة أن ينتقل الترابط من كونه مفهوماً إلى أداة عملية متكاملة. بالتالي، يجب أن يكون صنّاع القرار والسياسات مثقفين ومعنيين في المحادثات. وأكد أنه من أجل نجاح نهج الترابط، يتعين أولاً، التوصل إلى نظرة موحدة لأمن المياه والطاقة والغذاء على كل مستويات النظام، بما فيها العلماء والمزارعون والساسة وغيرهم من المعنيين. وثانياً، على القطاع الخاص أن يضطلع بدور أساسي في تعزيز الحفظ والاستثمار المسؤول. وأشار مهتار إلى أداة إلكترونية من شأنها أن تساعد في نقل الترابط من مفهوم نظري إلى مفهوم عملي وتوفر سيناريوهات نموذجية لاستخدام نهج الترابط (متوفرة على موقع www.wefnexustool.org). 

وختم مهتار بالتشديد على أهمية الابتكار في هذا المجال وإحداث تحول في عملية صنع القرار لأن معرفة الماضي في هذه الحال لن تساعد في التخطيط للمستقبل. بالتالي، لا بد من الحوار بين العلماء وصناع القرار وأن يشمل ذلك منصات شاملة ومتعددة المقاعد تسمح بأخذ كل اللاعبين في الاعتبار.

"تكيّف أو فاتك القطار"

شدد كلينغبيل من جهته، خلال حلقة النقاش، على أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليست غنية بهذه الموارد الثلاثة بقدر غيرها من المناطق، إلا أن "شعبها" يبقى مورداً قوياً وغير مستغل في هذا المجال. وأشار إلى أنه رغم شح الغذاء في هذه المنطقة، نحو 50% من نفايات البلديات هي عبارة عن بقايا طعام. وبالحديث عن شح المياه، أكد كلينغبيل أهمية تحسين السلاسل الغذائية، التي من شأنها أن تعالج الناحتين الاجتماعية والاقتصادية وتسهم في التنمية البيئية. وأضاف أن السبيل لذلك يكون من خلال استحداث وظائف، ما يؤدي إلى ارتفاع المداخيل وإلى إنصاف أكبر وحفظ أكثر... وغير ذلك. وقال كلينغبيل بوضوح إنه بالنظر إلى التشعبات العالمية الناشئة، باتت القاعدة الجديدة هي: "تكيّف أو فاتك القطار". وختم مشيراً إلى أن المضي قدماً يتطلب نهجاً شاملاً يترافق مع زيادة في الأبحاث في القطاعات والمبادرات على المستوى المحلي وحكومات أكثر خضوعاً للمساءلة.

زيادة الحرارة وتراجع المتساقطات

خير مثال عن الأبحاث في هذه القطاعات هو البحث الذي قدمه فرج الله عن "الترابط بين المياه والطاقة والغذاء: السياسة اللبنانية والتحليل المؤسساتي"، في إطار برنامج تغير المناخ والبيئة في العالم العربي في معهد عصام فارس. يستخدم البحث "نموذج الترابط" المعروض في وثيقة "فهم الترابط" كأساس للتحليل. ويحدد ثلاثة مصادر ضغط على الموارد في حالة لبنان، وهي: النمو السكاني والتحضر وتغير المناخ. ولفت فرج الله إلى إنه رغم النمو السكاني البطيء نسبياً، يشهد لبنان تدفقاً كبيراً من اللاجئين ومعدلات مرتفعة من الاكتظاظ السكاني والتحضر، حيث يشكل السكان الحضريون 87% من مجمل السكان فيه. ويتفاقم الوضع بفعل تغير المناخ، بحيث من المتوقع أن ترتفع الحرارة بدرجة أو درجتين مئويتين خلال السنوات الثلاثين القادمة وتنخفض معدلات هطول الأمطار بعشرة أو عشرين في المئة، مع تراجع الغطاء الجليدي بنسبة 70%. وتفاقم كل مصادر الضغط هذه وضع قطاعات المياه والطاقة والغذاء، التي تنذر بالخطر أصلاً. فإمداد المياه في لبنان حالياً متقطع، مع توقعات بتراجع أكبر في حصة الطاقة المتجددة السنوية.

وعلى صعيد الطاقة، تلبي الدولة 77% فقط من الطلب على الطاقة فيما يلبي القطاع الخاص 23%. أما الطلب على الغذاء، فيؤمن الإنتاج الزراعي المحلي 20% منه فقط ويتم استيراد الباقي. وتشير التقديرات إلى أن نسبة تتراوح بين 15% و20% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهي نسبة كبيرة جداً، بحسب فرج الله.

خلص فرج الله بالتساؤل: أين لبنان على مقياس التخطيط لسياسة الترابط؟ وأضاف أن مراجعة للمؤسسات المعنية بشكل مباشر وغير مباشر بالقطاعات الثلاثة وهيكليتها ومهامها وتفويضها تظهر أن المؤسسات في لبنان متكاملة، غير أن هذا التكامل لا يترجم في الاستراتيجيات التي تم وضعها مؤخراً. ويعود ذلك إلى الكثير من العوامل المتعلقة بعمليات التخطيط للسياسات، مثل الموظفين والبيانات والتشغيل والعوامل القانونية. وختم فرج الله، كما بدأ هوف في بداية النقاش، بالدعوة إلى زيادة صلاحيات الهيئات الموجودة في لبنان، بدلاً من استحداث هيئات جديدة.

التنمية المستدامة

الا ان المتابع لطريقة وضع السياسات في لبنان، يعرف ان العلة أيضا في كيفية تشكيل الحكومات واختيار الوزراء والحقائب وفي عدم احترام القوانين والقواعد. وأنْ لا استمرارية في التشريع ولا حسن التنفيذ ولا استراتيجيات لا على مستوى كل وزارة معنية، ولا على مستوى يتخطى الوزارات. لذلك طرح في لبنان، منذ العام 2002، أي بمناسبة مرور عشر سنوات على قمة الأرض التي عقدت في الريو (البرازيل)، ان يتم وضع استراتيجية للتنمية المستدامة، تقوم على الربط بين العناصر الأربعة وبين القطاعات الأساسية المعنية بمشاريع التنمية المستدامة، تضعها وزارة البيئة بالتعاون مع الوزارات المعنية، لا سيما الطاقة والمياه والزارعة والسياحة والداخلية والبلديات... وتشكل لجنة وزارية لمتابعتها وتنفيذها برئاسة رئيس الحكومة (او نائبه) وتصبح قراراتها ملزمة لكل الوزارات، وتستمد كل وزارة سياساتها من هذه الإستراتيجية الشاملة.

الرابط على موقع جريدة السفير