نقطة على السطر وضعها، أمس، الرئيس سعد الحريري بعد تأكيده «أننا لن نقبل بالفراغ الرئاسي»، وأن «الاستحقاق الرئاسي يجب ان يحصل في موعده».
وفيق قانصوه
نقطة على السطر وضعها، أمس، الرئيس سعد الحريري بعد تأكيده «أننا لن نقبل بالفراغ الرئاسي»، وأن «الاستحقاق الرئاسي يجب ان يحصل في موعده». تصريحات الأمس، تأتي بعد أيام على تأكيده، في خطاب 14 شباط، أن تيار المستقبل لن يقبل إلا برئيس «يمثّل الإرادة الوطنية للمسيحيين». يدرك الحريري، بالطبع، أن العبارة الأخيرة لا تعني أن يحدّد أحد «إرادة المسيحيين» غير المسيحيين أنفسهم. وهو، لذلك، أعلن انه على تواصل مستمر مع البطريرك الماروني بشارة الراعي «لنرى توجهات غبطته»، بعدما كان قد وقف، بالضرورة، في لقائه غير المعلن مع العماد ميشال عون على توجّهات الأخير في الشأن الرئاسي أيضاً.
بصبر وأناة، لم يُعهدا كثيراً عن الجنرال الناري، يصيغ عون استراتيجيته ويعبّد الطريق الى قصر بعبدا. منذ عودته من منفاه الباريسي، ثبّت مقولة «استعادة حقوق المسيحيين وتمثيلهم بأقويائهم»، عبر كل الاستحقاقات النيابية والرئاسية، وكرّسها خصوصاً في حروب تشكيل الحكومات التي خاضها، وآخرها حرب تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، مستنداً الى تفاهم صلب مع حزب الله شمل حتى حليف الحليف.
اليوم، يرى مطلعون على أجواء الرابية أن عون بات أقرب من أي وقت مضى من تحقيق حلم الرئاسة. يستند هؤلاء الى عوامل عدة:
ــــ مزاج أميركي مستجدّ في الانفتاح على عون، يستند الى رؤية مفادها أن أي بحث في سلاح المقاومة أو في الاستراتيجية الدفاعية يحتاج الى رئيس قوي للجمهورية قادر على محاورة حزب الله وطمأنته، لا استفزازه. وليس أقدر من عون «المتمسمر» في تفاهمه مع الحزب على لعب هذا الدور وتقديم هذه الطمأنة.
ــــ مزاج سعودي انفتاحي على الجنرال تمثّل في لقاءاته الصيف الماضي مع السفير السعودي علي عواض العسيري، وفي العلاقة المستجدّة بينه وبين ورئيس تيار المستقبل، والتي ساعدت في تذليل العقبات التي حالت دون تشكيل الرئيس سلام حكومته. وهذه العلاقة لم تكن لتنعقد وتتطوّر من دون ضوء أخضر سعودي ــــ أميركي.
ــــ مزاج لبناني عام بأن تجاوز الرأي المسيحي في من يتولى المنصب المسيحي الأول في لبنان لم يعد بالسهولة التي كان عليها، خصوصاً أن قماشة رؤساء إدارة الأزمات الضعفاء لم تنجح إلا في تعميق الأزمات وتفاقمها. وبعدما كاد موقف الرابية وحلفائها يدخل البلد في المجهول بسبب وزارة الطاقة، يمكن المرء، بسهولة، أن يتخيّل المدى الذي يمكن أن تصل اليه الأمور في مواجهة فرض رئيس مسيحي لا يمثّل «إرادة المسيحيين»، بحسب التعبير الحريري.
ــــ يدرك رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط أن عدد السنّة في الجبل آخذ بالارتفاع، وأن الشريحة السنية التي كانت تتدثّر تاريخياً بالعباءة الاشتراكية آخذة بالتضاؤل لمصلحة تيار المستقبل، وبالتالي فإن مصلحته تكمن في التحالف مع فريق مسيحي قوي ليشكّلا معاً رافعة لبعضهما بعضاً، بدل أن تبقى الرافعة الجنبلاطية مثقلة بـ «الحِمْل» القواتي وتحت رحمة «التضخّم» الديموغرافي السنّي.
ــــ تصاعد الصراع السني ــــ الشيعي في لبنان والمنطقة ينبغي أن يشكّل دافعاً للسنة نحو التنازل للمسيحيين عما هو حقّهم أصلاً، لأن ذلك يبقى أقلّ وطأة من ترك الأمور تتجه الى مؤتمر تأسيسي جديد يضطر فيه السنّة الى ما اضطر اليه المسيحيون في الطائف.
باختصار، بحسب المصادر نفسها، يبدو «عون للجمهورية» نقطة تقاطع بين مختلف الأطراف في اللحظة المحلية والاقليمية والدولية الراهنة. بذلك، خرج حلم الرئاسة من دائرة الاستحالة الى دائرة الإمكانية، وإن كان لم يصل بعد الى دائرة القطع والحتمية.
بعد لقائه العماد عون، عشية الانتخابات النيابية عام 2005، خرج النائب الحريري، يومها، مصرّحاً بـ «أننا اتفقنا على 95 في المئة من الأمور»، ليخوض الانتخابات بعدها ضمن التحالف الرباعي ضد «التسونامي» البرتقالي، ولتتضاءل نقاط الاتفاق الى ما دون الصفر في المئة.
لذلك لا ينام العونيون عميقاً على حرير الوعود، ولا يركنون كثيراً الى النسب المئوية لقياس مقدار التقدم في العلاقات، يدركون أن اللحظة الراهنة قد تتغيّر، وأن ديمومتها معلّقة على اقتناع السنية السياسية، ومن خلفها المملكة العربية السعودية، بأن «زمن أول تحوّل»، وبأن الأوان قد آن للاعتراف بالمسيحيين شركاء حقيقيين، لا موظفين في شركات رئيس تيار المستقبل.
http://www.al-akhbar.com/node/201151
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه