يشبه استحواذ «فايسبوك» على شركة «واتس آب» تلاقي موجتين عاتيتين لصنع «تسونامي» اجتاح منذ اللحظة الأولى، عوالم شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت، والتراسل الفردي عبر الخليوي الذكيّ، والاقتصاد....
أحمد مغربي / صحيفة الحياة
يشبه استحواذ «فايسبوك» على شركة «واتس آب» تلاقي موجتين عاتيتين لصنع «تسونامي» اجتاح منذ اللحظة الأولى، عوالم شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت، والتراسل الفردي عبر الخليوي الذكيّ، والاقتصاد الرقمي (بالأحرى التقليدي المندمج بالرقمي) المعاصر.
وتفرض ضخامة الحدث التهيّب، وألا يغيب عن العقول ما لا تشاهده العيون. المعنى المقصود هو أن صفقة الـ19 مليار دولار التي استحوذ فيها «فايسبوك» على تطبيق «واتس آب»، تستحضر بشدّة عبقرية الراحل ستيف جوبز الذي يسجّل له أنه أطلق عصر التطبيقات، عندما ابتكر الـ "آي باد" مدعوماً بمخزن "آبس"، وهي اختصار لكلمة انكليزية معناها... تطبيقات!
لعل أبسط وصف لهذه الصفقة هو أنها تجمع عملاقين تقنيين في مجالين مختلفين، لكنهما غير متناقضين بل متقاطعان تماماً: تواصل الأفراد عبر مواقع الشبكات الاجتماعية (ويعتبر «فايسبوك» نموذجها وذروتها الأشد تألّقاً وحضوراً، ويأسر في شبكته حوالى 1.2 بليون شخص)، والتواصل الفردي عبر الأجهزة الذكيّة، الذي يمثّله «واتس آب» وهو التطبيق الأوسع انتشاراً على الخليويات التي صار عددها يفوق عدد سكان الكرة الأرضية.
عندما فكّر جوبز في التطبيقات، لم يكن الأمر يتعلق سوى بصنع برامج صغيرة تتخصّص في تقديم أمور عملية لخدمة الحياة اليومية في المجتمعات المعاصرة، بمعنى وضع علوم المعلوماتية في خدمة الفرد العادي في الزمن المعاصر. بسرعة، تفجّرت سيول التطبيقات. ثم جاء من يفكر في صنع تطبيقات تتخصّص في الاتصالات، خصوصاً أن جوبز استهل عصر التطبيقات على جهاز «آي باد» الذي تحوَّل سريعاً أداة للاتصالات الرقميّة. وفكّر شخصان لم يكملا تعليمهما الجامعي، على شاكلة معظم المؤسسين الكبار في عالم المعلوماتية المعاصر، هما المهاجر الأوكراني جان كوم وبريان أكتون الآتي من جامعة ستانفورد، في صنع تطبيق رقمي بسيط ينقل نصوصاً وصوراً وأشرطة فيديو. بهذه الطريقة ظهر تطبيق «واتس آب»، وانتشر بسرعة البرق على الهواتف النقّالة، مُلبياً الحاجة إلى وجود وسيلة تعطي الناس القدرة على تبادل النصوص والصور والأفلام عبر الخليوي، من دون دفع كلفة ضخمة. واستقطب تطبيق «واتس آب» 450 مليون شخص في خمس سنوات، كما أنه يضيف مليون مستخدم يوميّاً.
المفارقة أن كثيراً من شركات الخليوي كانت تهرول للحاق بالبعد الجديد الذي افتتحه تطبيق «واتس آب»، الذي صار اسم علم للأشياء التي يقدّمها. صار مألوفاً أن تعلن شركة خليوي أنها تقدّم خدمات «واتس آب»، بمعنى أنها تخصّص جزءاً من المساحة الرقميّة المتروكة لكل فرد على شبكتها، من اجل تبادل المواد المتنوّعة عبر «واتس آب» وهو تطبيق مجاني أساساً. بقول آخر، استولى «واتس آب» بصمت، على مساحات واسعة من الاتصالات الخليوية، خصوصاً مساحة الاتصال مع الانترنت عبر الخليوي.
في المقابل، من السهل الإشارة الى المساحة الهائلة التي يحتلها التواصل على «فايسبوك» عبر الانترنت، والحضور الضخم لهذا الموقع الذي ابتكره طالب لم يكن فائق الاهتمام بتحصيله الجامعي، هو مارك زوكربرغ. وقبيل ختام السنة الفائتة، سبق زوكربرغ منافسيه في الاستحواذ على شركة «انستاغرام» لتبادل الصور والفيديو عبر الخليوي. ولا تبدو صعبة ملاحظة الميل الواضح إلى التلاقي التقني، بمعنى المزج بين تقنيات وأدوات تتعامل مع الفضاء الافتراضي للانترنت وشبكات الخليوي سويّة. ويحقّق شراء «فايسبوك» لـ "واتس آب" التلاقي التقني بين عملاق متمدد على التواصل عبر الانترنت، ونظيره القوي في عوالم الخليوي.