مقابلة خاصة مع الإعلامية التونسية السيدة كوثر البشراوي حول ثورة الشباب في تونس
"أنا مزاجية" هكذا تصف الإعلامية التونسية كوثر البشراوي نفسها. تجد هذه المرأة من الجنون أمراً محبباً يخرج العقل من دائرة الروتين ويعيده إلى نطاق المنطق، كما تقول. هي سيدة أنيقة بلا تكلف، كمنزلها حيث جلسنا معها للتحدث عن ثورة بلادها، تونس.
سمية: البعض أطلق تسمية "الياسمين" على الثورة في تونس، كصحافية كيف تصفين لنا الثورة التونسية؟
كوثر البشراوي: نحن نتحدث عن ثورة شعب، عن ثورة شهداء، لذا لا يجوز أن نتكلم عن ياسمين. إننا نتكلم عن انقلاب التاريخ على التاريخ. أما "ثورة الياسمين" فهذه التسمية أتت من فرنسا، بما أن الفرنسيين حاولوا إضفاء نوع من السطحية على الثورة، أولاً لأن فرنسا كانت أكثر المعنيين بتونس وكانت في حالة صدمة فلم يقرأوا جيداً، وهم أساساً لم يحسنوا قراءتنا وفهمنا عبر التاريخ.
وبالتالي الثورة هي ثورة شعب، وكلمة ياسمين تجسد فعلياً وحرفيا تلك الصورة على الطابع البريدي المشهور في تونس. شباب الثورة لم تكن غايتهم الياسمين، لأن القضية هي قضية كرامة.
إن المجتمع التونسي، مثل كل المجتمعات، فيه فقر وبطالة، لكن نحن لدينا شيء لم يعرفه الآخرونك نحن تقريباً المجتمع العربي الوحيد الذي أهين في عقيدته وعروبته. الاستشهادي محمد البوعزيزي، وأنا أصر على كلمة استشهادي، كان يبيع الخضروات منذ سبع سنين، وكان يصلي وأمه محجبة وكذلك أخواته، وهو كان مسلّماً بقدر الله بكل فرح، لكن ذلك الرجل الجامعي أهين فيما تبقى من الممكنات، ودمرت عربة خضراواته وصفع من قبل شرطية. وما تجهلونه عن مجتمعنا هو أنه عربي محافظ، فأن يصفع رجل من قبل امرأة في قلب الشارع، حتى وإن كان متسولاً، فهذا ما لا يقبله إنسان. ولمن يشتكي البوعزيزي، إذا كانت الشرطية تمثل سيدها الأحقر؟ لمن يشتكي؟ فإذاً ما لدينا هنا هو حالة غضب فجر فيها البوعزيزي الأنا الجماعية، ولهذا السبب التفّت كل الجمهورية حوله، ولذلك أيضاً كان التسونامي الذي لم يكن بالإمكان إيقافه.
شباب الثورة لم يستخدموا الياسمين في ثورتهم ولا كانوا يملكون المال لشرائه، بالتالي فالأسلم القول إن الثورة في تونس هي "ثورة الشعب". نحن التونسيون مجهولون في تاريخنا ومجهولون في جغرافيتنا ومجهولون في شعرائنا ومجهولون في ثورتنا ولا زلنا كذلك. وبكل غضبنا كتونسيين على هذا الجهل المشرقي والعالمي اتجاهنا، فنحن في نهاية الأمرمعنيون بالعالم العربي ونشعر بالانتماء إليه ولكن يبدو أن العالم العربي لا يشعر أصلاً بوجودنا، ولكن لنا الفخر أن ثورتنا ثورة يتيمة كشاعرها أبو القاسم الشابّي وكتاريخها وكمثقفيها وإعلامييها، وهذا ما يضخم الحالة التونسية من حالة ثورة شعب تاريخية إلى معجزة تاريخية. نحن كتونسيين كنا نتوقع كما كل الناس أن يحصل الزلزال الحقيقي في مصر ، فجاء الزلزال في أرض لا جبال فيها، وكان العالم العربي في حالة موت سريري فجاء البوعزيزي ليقول إننا لا نريد أن نتنفس الأسجين بالقطارة بعد اليوم كما يريد الحاكم.
سمية: كيف تجدين تونس بعد سقوط زين العابدين بن علي؟
كان هذا المشهد شيفرة تونسية بكل الصمت الذي تغلغل في النفوس التونسية عبر عقود. في ذلك اليوم أدرك بن علي وعرف تماماً أنه حين تنقلب المعادلة فإنه لن يقوى على تغييرها، فهرب. الديكتاتورية منظومة متشابكة، فيها الرأس وفيها الجسد، نحن أزحنا الرأس لأنه الأبرز، لكن الأخطر من الرأس هي عقلية الديكتاتورية التي صنعت الديكتاتور، ومن صنع الديكتاتور هي عقلية الشعب، هي عقلية الخنوع والصمت والإنحناء. نحن ما زال أمامنا جثة عفنة تحتاج إلى زمن كي تتفتت، لأن الجميع مشارك فيها، حتى الصامت منا هو مجرم في نهاية الأمر.
لا يمكن تغيير تاريخ في يوم واحد. الصفعة التي وجهتها الثورة لـ "بن علي"، طالت أيضاً الولايات المتحدة وفرنسا. نحن نعرف من كان بن علي. بن علي من مكنات القمع الأخطر في العالم العربي، بن علي كان بلدوزر. تونس الجديدة فرضت على الولايات المتحدة الإلتفات إلى وجوب دراسة كيفية التعامل مع الشعوب قبل الحكام.
سمية: تحدثت عن ذهاب الرأس وبقاء الجسد، برأيك ما هي الطريقة التي يجب على التونسيين اتباعها للقضاء على كل رواسب النظام؟
كوثر البشراوي: هناك محاولات دائمة للالتفاف على الثورة. عندما تقومين بقطع رأس النظام، تعود وتتوالد رؤوس الأفاعي من كل شق وهذا لا يهدد تونس وحسب. إن التسونامي الذي انطلق في تونس جر وراءه أكبر موقع جغرافي وأقصد مصر، وحين يسقط مبارك، فأنت تتكلمين عن إسرائيل، وإذا ما استمرينا على هذا النحو، يمكننا بعد سنتين أن نرى العرب يطالبون إسرائيل بالرحيل. لا بد من قراءة حجم الزلزال دولياً وليس محلياً فقط. ليس هناك من ديكتاتور يقبل بالهزيمة، لذلك فقد ترك لنا بن علي رموزاً يحاولون قتل الثورة وهذا ما تحاول الحكومة الإنتقالية حالياً القيام بذلك.
سأعطيك مثالاً: قامت الحكومة بعد الثورة بتعيين 25 محافظاً جديداً في عدد من المناطق، ستة عشر منهم تابعون للنظام البائد، هنا قام الناس في كل ولاية بالوقوف أمام كل قلم وانتظار الشخص المعين لطرده عندما يأتي لاستلام مهامه. الثوار وإن عادوا إلى منازلهم، فهم لا يزالون يقظين ومتنبهين لأي خطوة قد تسمح بعودة رموز النظام البائد.
سمية: هل أنت مطمئنة على الثورة؟
كوثر البشراوي: نعم أنا مطمئنة على الثورة. أولاً، التونسيون لم ينشقوا. ثانياً، من لم يعد يخاف من بن علي لن يخاف من محمد الغنوشي ولا من أي رئيس آخر، ولن يخشى لا من جيش ولا من أحد، لذا فقد أصبحت الأمور تحت السيطرة. كل التونسيون يطالبون بحكم مدني والفصل بين السلطات واستقلالية القانون وإجراء بعض التعديلات على الدستور. إذا وصلنا إلى نظام مدني برلماني، لن يهمنا من يحكم. من أسقط عن نفسه الخوف من بن علي، لن يخشى لا من شيوعي ولا من علماني ولا من إسلامي أن يحكمه. من أسقط بن علي بعد ثلاث وعشرين سنة سيسقط أي رئيس بعد سنة أو ثلاث سنوات. من استطاع خلع باب التاريخ، قادر على خلع أي إنسان من كرسيه.
سمية: نشهد حالياً نوعاً من الضبابية في المشهد التونسي خصوصاً لناحية عدم وجود قيادة توجه الثورة، ما سبب عدم وجود قيادة لهذه الثورة؟
كوثر البشراوي: ما حدث في تونس هو ثورة شعب من دون رؤوس. هذا مشهد تاريخي لم يحدث لا في الثورة الفرنسية ولا في الثورة الإيرانية. الإمام الخميني قاد ثورة، نحن في تونس كان لنا ثورة من دون رأس، نتمنى لو كان لدينا خميني. هنا تكمن فرادة الثورة التونسية، الجميل في المشهد التونسي أن كل زعماء الأحزاب التونسية لم يجرؤوا على الادعاء بأنهم شاركوا في هذه الثورة وهذا يؤكد أننا شعب راقٍ وشعب مثقف. الآن على كل الأحزاب أن تتبع الشعب ومن لا يرد ذلك سيلغى. نحن أولاً نريد نظاما مدنيا، هذا متفق عليه بين الشيوعيين والإسلاميين والعلمانيين وغيرهم. ليس لدينا ذلك اليمين الذي يدعو إلى غقامة دولة الخلافة. أنا أعتبر نفسي إسلامية ولكنني أرفض دولة الخلافة، لأن هذا قاموس لا يجوز استخدامه في مجتمع تونسي منفتح.
أما أجزم أنه لا يوجد في تونس من يدعو إلى غير نظام برلماني مدني، وهو يسمى أيضاً علماني، ويدعو إلى الفصل بين السلطات، وإلى ولاية للرئيس لا تتجاوز الخمسة أعوام، وأنا مع عدم السماح بتجديد ولاية الرئيس أو الوزير. هناك فرق بين معنى العلمانية في المشرق العربي وبين التونسيين، إذ إن المشرقيين يعتبرونها إلحاداً. لكننا نحن نطالب بالعلمانية لأننا البلد الوحيد الذي يسجن فيه المرء لأنه يصلي، وأنا اعرف أن كل العرب لن يستوعبوا ذلك. في تونس المرأة المحجبة ممنوعة من الوظيفة، والحجاب في تونس يعتبر جرماً، ونحن البلد الوحيد الذي يدعو فيه رئيسه الشعب إلى عدم الصيام كي لا يتعبوا أثناء العمل، وهذا كله لن يفهمه أحد سوانا. أنا مقتنعة بأنه لا يمكن إجبار أحد على ارتداء الحجاب ومقتنعة أيضاً أنه لا يمكن إجبار أحد على خلعه. ما نريده هو النموذج التركي الذي اتى بحكومة إسلامية من رحم العلمانية.
نريد حكماً برلمانياً، وعلى الآخرين الذين يؤمنون بأفكار مغايرة أن يتنافسوا في صناديق الإقتراع وعلى الشعب أن يختار. نحن لا نحتاج إلى رؤوس لأن الشعب التونسي يعرف ما يريد.
سمية: برأيك ما الدور الذي يجب أن تلعبه المرأة التونسية حالياً؟
كوثر البشراوي: أنا لا أؤمن بفكرة تمييز دور المرأة عن دور الرجل. الأمة كلها مهانة، برجالها ونسائها. أنا بالنسبة لموضوع المرأة التونسية تحديدأً، أعتقد بأن نموذج المرأة في تونس هو نموذج متطرف وشرس يجعلني متطرفة وشرسة في مواجهة هذا النموذج.الحقوق التي أعطيت للمرأة منذ الخمسينيات، منذ بورقيبة في مطلع الإستقلال، الغاية منها لم تكن المرأة والمساواة، لأن المرأة كانتالطريق والأداة، أما الغاية فكانت محاربة الدين. أنا ضد المرأة المظلومة وبالتأكيد لن أقبل بالمرأة الظالمة. بعض القوانين في تونس جعلت المرأة ظالمة. أنا كإعلامية أناصر الكفاءة ولا أناصر العبث، وأعتبر أن ربي يحبني لدرجة أنه خلقني امرأة وأعطاني دوراً كبيراً، فلما أشعر بالحرج؟ أنا أطالب المرأة التونسية بأن تفخر بنفسها وبابنها وزوجها. المرأة لا تحتاج إلى قضية تبرر وجودها.، فوجودها هو الذي يبرر الآخرين.
• بدأت كوثر البشراوي عملها الإعلامي في التلفزيون والإذاعة التونسية، ثم غادرت عام 1990 إلى لندن لتكون من الجيل المؤسس لقناة MBC التي غادرتها عام 2000 إلى قناة الجزيرة. وفي عام 2003عادت إلى الـ MBC مجدداً من بوابة العربية، ثم انتقلت إلى قناة الحوار.