لم تعد "الحرب السيبيرية"، افتراضيّة، بل هي حقيقية، ومؤثّرة، أكثر مما يمكن لنا أن نتخيّل. تنطلق تلك الحرب من فكرة "التجسس" و"القرصنة"، لتنتهي إلى مصطلحات "الدفاع" و"شن الهجوم".
لم تعد "الحرب السيبيرية"، افتراضيّة، بل هي حقيقية، ومؤثّرة، أكثر مما يمكن لنا أن نتخيّل. تنطلق تلك الحرب من فكرة "التجسس" و"القرصنة"، لتنتهي إلى مصطلحات "الدفاع" و"شن الهجوم". إنّها الوجه الآخر الخفيّ للحروب العسكرية والسياسية، وتشكّل جزءاً من الحرب النفسية.
منذ فترة، بدأت وسائل الإعلام في أميركا تحذّر من تعاظم القدرة السيبيرية الإيرانية. ورغم ترتيبها ثالثاً من حيث القوة مقارنة مع الولايات المتحدة وحلفائها، أو مع الصين وروسيا، إلا أنّ الإعلام الأميركي بات ينصح بعدم الخوف من "العدو الافتراضي" المتمثِّل بـ"القراصنة الصينيين"، بل من عدوّ "أقوى" و"أخطر" هو: "القراصنة الإيرانيون".
في أيار من العام 2013، نشر موقع تابع لـ"المركز الأميركي للتقدم" تقريراً حول مدى خطورة "قراصنة الانترنت الإيرانيين". وأوضح في هذا المجال أنَّ "الصين تنتهج حملة قرصنة إلكترونية عدائيّة ضدّ الشركات الأميركيّة الكبرى ومصادر المعلومات، إلّا أنّ القراصنة الإيرانيين أكثر عدائية، باستهدافهم بنىً تحتية حيويّة، أو من خلال انخراطهم في أعمال تخريبية اقتصادية، تتمثل في هجوم إلكتروني ضدّ المؤسسات المالية".
وأشار التقرير إلى أنّ آخر الهجمات الإلكترونية التي اتهمت إيران بالوقوف وراءها، وصلت إلى أبعد من التشويش أو التسبب باضطرابات، وذلك باستعمال نظام "DDOS" أو "هجمات الحرمان من الخدمة". يتسبّب ذلك النظام بإغراق المواقع بسيل من البيانات غير اللازمة، ويسمح لقراصنة الإنترنت بالتحكم بإرسال تلك البيانات، ما يؤدّي إلى بطء الموقع أو توقّفه.
وأشار تقرير بعنوان: "انسوا الصين: القراصنة الإيرانيون هم الخطر السيبيري الأحدث ضد الولايات المتحدة"، نشرته مجلة "فورين بوليسي" قبل أيّام، إلى أنّ إيران طوّرت خلال السنتين الماضيتين قدراتها السيبيرية بدرجة تمكنها من منافسة قوى الصف الأول في الفضاء الإلكتروني. وبحسب "فورين بوليسي"، فإنّ "السبب وراء تكثيف الجهود الإيرانية في مجال الفضاء السيبيري، هو الدفاع عن شبكتها الداخلية والبنى التحتية الحيوية، بعد تعرض إحدى منشآتها النووية للاختراق من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل".
لكنّ المجلة، أشارت إلى أن المحللين ما زالوا مختلفين حول ما إذا كان يجب وضع إيران في الخانة ذاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة والصين من حيث القوة السيبيرية، أو اعتبارها "على الطريق الصحيح لتصبح قوة سيبيرية هائلة، كما ترى الاستخبارات الأميركيّة.
في العام 2013، اتهمت الولايات المتحدة قراصنة إيرانيين باختراق موقع مشاة البحرية، وفق ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن أحد المسؤولين الأميركيين. وقد دفع ذلك الهجوم الإلكتروني، بالبحرية الأميركية إلى توظيف متخصّصين جدد في مجال الأمن السيبيري لاحتواء الاختراق، الأمر الذي تطلب 4 أشهر من الجهد العملي، وأكثر من 10 ملايين دولار من التعويض المادي.
وتعقيباً على ذلك، رأى الباحث المتخصص في الأمن "السيبيري" في "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية" جايمس لويس، أن "الإيرانيين كانوا يعملون على بناء إمكانياتهم في مجال أمن الفضاء الإلكتروني منذ حوالي سبع سنوات"، متحدِّثاً في الوقت ذاته عن "قدرتهم على القيام بأشياء يمكن أن تكون مؤذية".
وفي كانون الأول من العام 2011، علّق المدير التنفيذي لشركة "غوغل" على النشاطات السيبيرية الإيرانية، معلناً أن الإيرانيين "تمكنوا من السيطرة على حركة مرور المعلومات عبر الإنترنت". وشرح في مقابلة مع شبكة "سي ان ان" الأميركية، أن "ما قام به القراصنة الإيرانيون، هو تحويل تدفّق المعلومات من الدنمارك إلى إيران ومن ثم إعادتها إلى الدنمارك". وخلص إلى القول إنّ "الإيرانيين موهوبون بصورة غير عادية في مجال الحرب السيبيرية، ولسبب لا يمكن فهمه".
كذلك، لفت تقرير نشرته شبكة "بي بي سي" (فارس)، إلى أنّ "الجيش الإلكتروني الإيراني" يتألّف من متخصّصين من ذوي المهارات العالية في مجال تكنولوجيا المعلومات والمتسللين المحترفين الذين يتجنبون الكشف عن هويتهم. هذه المجموعة غير الرسمية، ما زالت حتى اليوم غير منضوية تحت راية جمعية حكومية إيرانية أو أي وكالة متخصصة في هذا المجال. وبحسب "بي بي سي"، فإن قدرات "الجيش الإلكتروني الإيراني"، مكنته من اختراق العديد من مواقع الإعلام الأجنبي إضافة إلى موقع "تويتر" وبعض المواقع الحكومية الغربية.
جانب آخر، حرص تقرير "فورين بوليسي" على عدم إغفاله، وهو "المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني"، ويحتلّ المرتبة الأعلى في المنظومة "السيبيرية" الإيرانية. أسس المجلس المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي في آذار من العام 2012، ويترأسه الرئيس الإيراني حسن روحاني، كما يضم من بين أعضائه مسؤولين حكوميين كبارا، إضافة إلى رئيس الحرس الثوري الإيراني. وبعد تأسيسه، أصبحت جميع المنظمات "السيبيرية" الإيرانية، تنفِّذ السياسات التي يقرّها.
وهذا المجلس هو جزء من هيكلية متطورة ومعقّدة. فهناك "قيادة الدفاع السيبيرية" التي أسست في العام 2010 والتي تعمل تحت إمرة "منظمة الدفاع المدني الإيرانية". وبحسب رئيس المنظمة العميد غلام رضا جلالي، فإن دور "القيادة" حماية بنى البلاد التحتية ضد التهديدات السايبيرية. هنالك أيضاً الشرطة الإلكترونية الإيرانية المسماة "فيتا"، التي تقوم بمهمة مواجهة جرائم الإنترنت والاحتيال، ومحاربة "الجرائم السياسية والأمنية"، إضافة إلى مراقبة مقاهي الإنترنت. أما "لجنة مراقبة المواقع"، التي أنشأها "المجلس الأعلى للثورة الثقافية" الخاضع لإدارة المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، فمهمتها رصد المواقع غير المصرّح بها.
هذه الهيكلية، وإن كانت "دفاعية" بحسب التعبير الإيراني، إلا أنّها "هجومية" وفق توصيف الإعلام الغربي. ففي تقريرها، حرصت "فورين بوليسي" على إبراز الخوف من التقدم التكنولوجي الإيراني، بإيحائها أن "المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني"، "يساهم في تطوير طرق جديدة للتسلّل أو مهاجمة شبكات الانترنت التابعة للأعداء".