علاقة المجتمعات بأدوات التواصل الاجتماعي أضحت شبه عضوية. عندما تضرب الأزمة خدمة معينة تولد حالة طارئة تُجنَّد الحواسيب لمقاربتها، من التهكّم إلى التفلسف. لبنان في زمن التفجيرات الانتحارية أرض خصبة....
علاقة المجتمعات بأدوات التواصل الاجتماعي أضحت شبه عضوية. عندما تضرب الأزمة خدمة معينة تولد حالة طارئة تُجنَّد الحواسيب لمقاربتها، من التهكّم إلى التفلسف. لبنان في زمن التفجيرات الانتحارية أرض خصبة للاختبار على هذا الصعيد.
حسن شقراني / جريدة الأخبار
«تلك اللحظة، عندما تشتري شيئاً بـ19 مليار دولار ويتبيّن أنه معطّل!». تعليق ذكي للتهكّم على العطل الذي أصاب خدمة الدردشة الأشهر عبر الهواتف الخلوية «واتس آب»، عبر ربطه بالقيمة الهائلة لصفقة الاستحواذ عليه من قبل موقع التواصل الاجتماعي الأوّل، «فايسبوك». التعليق صدر من لبنان في خضمّ حوار كوني غني - أضحى معتاداً على موقع توتير - عبّر في إطاره كثيرون عن سخطهم من العطل، وشمتوا بالقيمين على الشركتين؛ ردود الفعل اللبنانية تميّزت كالعادة بروح تهكمية «أوفردوز».
كثيرون خصّوا وزير الاتصالات الجديد، بطرس حرب، بالانتقاد قبل معرفة سبب العطل. ما اضطرّ الأخير إلى النزول إلى الميدان مطمئناً الجماهير إلى أن المشكلة ليست محلية، بل عالمية (وفي تعليقه احتواء لموجة غضب تحت عنوان «أوّل وصولو شمعة على طولو»).
فريق «واتس آب» قدّم اعتذاراته من دون شرح أسباب المشكلة علناً، باستثناء الحديث عن «مشاكل تعرّض لها الخادم» الرئيس (Server). غير أن تأخره في معالجة المشكلة فاقم التعليقات الساخرة. أبرزها كان صورة لمدير/ مؤسس فايسبوك، مارك زوكربيرغ، يقول فيها: «إذا عجزت عن هزمه، فاشتره وعطّله».
مهما تكن الأزمة، تعكس لحظة تعطّل خدمة تواصل اجتماعي عند هذا المستوى من الحيوية، حالة الناس السيكولوجية، إمّا للتعبير فعلاً عن سخطهم من غياب خدمة أضحت أساسية في حياتهم، أو للتغلّب على أنفسهم في فضاء التعليق الاجتماعي، لابتكار عبارات الاستهزاء والتهكّم على شركتين تساويان المليارات حالياً (برغم أن كلّ ما تفعلانه هو إدارة موقع إلكتروني أو حاسوب كبير، يتولّى إيصال المعلومة من «أ» إلى «ب»، وهنا حديث طويل آخر عن هوّة عدم المساواة التي يعمّقها قطاع تكنولوجيا المعلومات في العالم).
ومنذ إطلاقها عام 2009، اكتسبت خدمة «واتس آب» إقبالاً واسعاً ليصبح عدد مستخدميها أكثر من 450 مليون شخص؛ والرقم يكون أكبر من ذلك بكثير لو لم تكن بعض أهمّ المجتمعات المستهلكة للتكنولوجيا، الصين كوريا الجنوبية واليابان، تعتمد على خدمات دردشة نصية سريعة محلية.
وبالاستناد إلى معدّل المستخدمين النشطين مقارنة بالعدد الإجمالي للمستخدمين يتقدّم «واتس آب» بأشواط على جميع وسائط التواصل الاجتماعي الأخرى. جاذبيته في تلقائيته وبساطته، والأهمّ أنه تطوّر مع الحفاظ على «خصوصية» التواصل التي لا تشوهها الإعلانات – بحسب تعبير القيمين عليه – ومع تقديم أدوات جديدة لا تحفّز فقط الدردشة الاجتماعية، الغرامية أو المهنية، بل أيضاً الإبداعية. مثلاً، يعمد فنانون مثل لاعبي الإيقاع (BeatBoxers) إلى تبادل أفكارهم مباشرة عبر التطبيق.
لكن تماماً كما يخشى هؤلاء سطوة فايسبوك على الخدمة، وإمكان فرض الإعلانات الفجائية البغيضة (Pop-Up Ads)، تزداد التساؤلات عن مدى استدامة هذه الخدمة لتأمين استخدامات أخرى أكثر حيوية، تحديداً بعد العطل الغريب.
في لبنان يُمكن القول إنّ استخدامات «واتس آب» ليست محصورة في الترفيه، إذ منذ تصاعد وتيرة الاضطرابات الأمنية – أكانت التفجيرات الانتحارية أم الأحداث الأمنية المختلفة – يعمد المقيمون في هذا البلد على خدمات الرسائل السريعة مثل «واتس آب»، إلى طمأنة الأقارب والمحبّين أو الاطمئنان إليهم.
وقد كان لافتاً أمس، تزامن الأزمة التي تعرّض لها التطبيق مع التفجير الإرهابي الذي استهدف حاجزاً للجيش اللبناني عند مدخل بلدة الهرمل البقاعية.
في المبدأ هي مصادفة مزعجة، لكن «واتس آب» ليس آخر الدنيا للتواصل في عالم الإنترنت النقال والهواتف الذكية، وليس آخر أدوات التهكّم على الوزير بطرس حرب. فقد أنتج هذا المجتمع قبل العطل تطبيقاً خاصاً بالتفجيرات والحالات الطارئة.
أخيراً، كشفت المطّورة اللبنانية ساندرا حسن عن تطبيق «لا أزال على قيد الحياة» (I am Alive) الذي يُسهّل على المستخدم التغريد والإعلان عبر شبكات التواصل الاجتماعي بأنه لم يتأذَّ من آخر تفجير ضرب الأراضي اللبناني، عبر كبسة واحدة ومن دون تعقيدات.
تُقدّم المبرمجة نفسها تطبيقاً آخر إلى السياسيّين، يمكّنهم من إصدار بيانات الشجب والاستنكار والتضامن مع أهل الضحايا، عبر كبسة واحدة أيضاً. «تطبيق خاص بسياسيّينا العظماء يسمح لهم بمشاركة إدانتهم لأعمال العنف التي تحدث في بلدهم على نحو آلي».
قد تجد في استخدام كلمة «العظماء» بعض التهكّم اللبناني، لكن يكتشف المرء سريعاً أنّ المبرمجة تحكي جدياً وبلغة تجارية متقنة. «هل يُرهقك إصدار بيانات الشجب والاستنكار؟ اليوم لم تعد هناك حاجة إلى إزعاج فريقك الإعلامي لابتكار جمل جديدة استنكاراً للأحداث الأمنية» تقول في تعريفها لتطبيق «iAmAliveVIP».
«لقد صمّم فريقنا المكوّن من المحلّلين السياسيّين مجموعة من البيانات الجاهزة من وحي سلسلة الإدانات التي صدرت في السابق». أكثر من ذلك: «في رأيك، إذا كان هناك بيان شجب معيّن يجب أن يُضاف إلى التشكيلة، فلا تتردّد في مراسلتنا، نحن بانتظارك». التطبيق وتعريفه يبدوان من عالم سوريالي، لكن بحسب ما نُقل أخيراً عن صاحبة الفكرة، فإنّ أشخاصاً
اتصلوا بها من بلدان أخرى مشتعلة بالحروب والنزاعات طلباً لنسختهم الخاصة من التطبيق. اكتسب التطبيق ضجة لا بأس بها في الإعلام العالمي. من شبكة BBC وصولاً إلى فريق تكنولوجيا المعلومات لدى مجلة Time. كما اكتسب تسمية: «تطبيق التفجيرات اللبناني».
التسمية ليست مغرية كثيراً، لكنّها تبدو قنبلة لبنانية جيدة في ظلّ قنابل من عيار «تعطّل واتس آب»، إذ في زمن الانتحاريين «ممنوع ينقطع التواصل»، وهذه المرّة انفجرت قنبلة باللبنانيين، وقنبلة أخرى بإحدى أدوات التبليغ عن التفجير.