القيادة في ايران أدت دورا "مركزيا" ومرجعيا" في استمرار ولاية الفقيه على مستوى النظرية وعلى مستوى التطبيق. وفي كثير من الازمات الداخلية والخارجية كان لولاية الفقيه الدور الحاسم في تجاوز تلك الأزمات.
لا نزال في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران، وكيف لا نبقى في صداها وها هي الجمهورية الإسلامية اليوم تقطف ثمار أدائها السياسي المستوحى من ثقافتها الدينية الخالصة وتفرض على كل العالم الاعتراف بدورها إقليمياً ودولياً وبحقها في العلم النووي.
وهنا يخطر في ذهننا على الفور ما آلت إليه نظرية "ولاية الفقيه" بعد مضي تجربة عمرها 35 سنة. والعديد من المفكرين والمثقفين حاولوا مقارنتها مع النظام الديموقراطي في العالم الغربي، ولسنا في صدد مناقشة هذه المقاربة، سواء وقع تشابه ما في ناحية ما أو لا، ولكنّا في صدد أن نقول إن هذه النظرية القائمة على الفكر الشيعي في مفهوم الولاية أثبتت إلى اليوم حسن إدارتها للأزمات وللتصدي للقيام بمهمام المجتمع والدولة معاً.
ولكن قبل الخوض في هذا المضمار ولو جزئياً، لا بد لنا من التعريج سريعاً على جذور مفهوم "الولاية" في الإسلام. فقد وردت كلمة الولاية في القرآن الكريم، وفي نصوص أهل البيت (عليهم السلام)، وفي كلمات العلماء، واستخدمت باستخدامات متعددة، منها النصرة والمحبة والسلطة و...، والولاية التي هي موضوع بحثنا هي بمعنى السلطة وبالتحديد سلطة الفقيه على الناس في عصر الغيبة الكبرى.
وقد يظن البعض أنَّ هذا البحث ابتدعه الإمام الخميني (قدس سره). وفي الحقيقة إنَّ أدنى مطالعة في روايات أهل البيت (عليهم السلام) وكلمات العلماء تبين أصالة هذا الموضوع في النصوص الإسلامية. ولقد رسم المعصومون الأطهار معالم هذا السبيل وأبرزوا بعضاً من جوانبه, وهو الرجوع إلى من أعمل الفكر والنظر في الأحاديث الصادرة عنهم, ويمكن رصد عدة من النصوص الواردة عنهم التي تُرجع إلى الفقيه, فبذور ولاية الفقيه موجودة في صريح أحاديثهم (عليهم السلام).
ومع قيام الجمهورية الإسلامية المباركة، دخلت مسألة ولاية الفقيه في القانون الأساسي للدولة في تطور تاريخي جديد لهذه المسألة، وقد أحصي ستة عشر مورداً في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران تتعرض موضوع ولاية الفقيه، فقد ورد في مقدمة الدستور اعتبار القيادة بيد الفقيه، وأنه ضمانة عدم الإنحراف للأجهزة المختلفة في نظام الجمهورية ووظائفها الأصلية.
وكما ورد في المادة الخامسة: "في زمن غيبة الإمام المهدي (عج) تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل المتقي البصير بأمور العصر الشجاع القادر على الإدارة والتدبير...
وهنا يأتي السؤال : بعد مضي 35 سنة من هذا الانتصار كيّف تُقيّم تطبيق نظرية ولاية الفقيه في إيران؟!.
"بعد 35 سنة على انتصار الثورة تبين أن نظرية ولاية الفقية استطاعت أن تصمد وأن تقدم النموذج لادارة البلاد في ظل حكم اسلامي رغم كل الضغوط التي تعرضت لها هذه التجربة"، هذا ما يقوله الدكتور طلال عتريسي لموقع المنار. ويركد عتريسي أن القيادة في ايران أدت دورا "مركزيا" ومرجعيا" في استمرار ولاية الفقيه على مستوى النظرية وعلى مستوى التطبيق. وفي كثير من الازمات الداخلية والخارجية كان لولاية الفقيه الدور الحاسم في تجاوز تلك الأزمات. وربما أمكن القول إن هذه النظرية هي التي ساهمت في حفظ النظام الاسلامي في إيران مقارنة مع ما حصل في معظم الدول العربية بعد الثورات التي انتهت بصراعات دموية بسبب غياب القيادة من جهة وغياب الرؤية النظرية للحكم من جهة أخرى.
ويلاحظ أن إيران لا تزال تقوم إلى اليوم بإعادة برمجة العديد من الأوضاع الاجتماعية والثقافية وحتى التربوية بما يتوافق والرؤية الإسلامية للحياة، فهل يفضي هذا إلى القول إن الثورة لا تزال مستمرة؟.
لا ينفي الدكتور عتريسي ذلك بالمعنى الحرفي، ولكنه يؤكد إن "إعادة النظر في كثير من المفاهيم الاجتماعية والتربوية وفي الكثير من النظريات التي تدرس في الجامعات الإيرانية دليل على حيوية التجربة الاسلامية وعلى حيوية الباحثين والمفكرين في ايران". لكنه أيضا ، والقول لعتريسي :" دليل على أن مرجعية الاجتهاد تفرض التعامل مع متغيرات الواقع على جميع المستويات بما في ذلك المستويات الفكرية والتربوية والسياسية وغيرها. وهذا يعني ان عملية التغيير على مستوى المفاهيم والنظريات هي عملية مستمرة ولا يمكن ان تتوقف".
وعما يستغله الإعلام الغربي بأن هناك رجالا شاركوا في الثورة الإسلامية في إيران وعادوا وانقلبوا عليها لتشويه صورة الإسلام في إيران، يبيّن الدكتور عتريسي "إن هناك عوامل عدة أدت إلى تغيير المواقف والسياسات حتى من جانب رجال شاركوا في صنع الثورة. والمشاركة في صنع الثورة ليست ضمانا لكي يبقى الانسان في الخط نفسه مدى الحياة. ثمة عوامل نفسية وذاتية وطموحات للحكم والرئاسة يمكن ان تغير المواقف حتى لدى رجال الدين أنفسهم. كما تؤدي المواقف والعداوات الشخصية ايضا "دورا" في الابتعاد عن ثوابت الثورة.
وهذا ليس شيئا "جديدا" ولم يحصل إلا في إيران، فقد حصل في كل الثورات في العالم. المهم أن مثل هذه الخلافات التي قد تكون قد أساءت إلى صورة الثورة والجمهورية الاسلامية في مرحلة معينة لكنها لم تؤثر على المسار العام لتقدم الثورة وتطورها.