لفترة قريبة كان هذا القطيع من الأغنام والماعز يسرح على جزء من ضفتي مجرى الصرف الصحي لمدينة النبطية الذي ما يزال قسم منه يتدفق في وادي الكفور بطريقة مكشوفة! يرعى القطيع الأعشاب المروية بالمياه الآسنة..
لفترة قريبة كان هذا القطيع من الأغنام والماعز يسرح على جزء من ضفتي مجرى الصرف الصحي لمدينة النبطية الذي ما يزال قسم منه يتدفق في وادي الكفور بطريقة مكشوفة!
عدنان طباجة / جريدة السفير
يرعى القطيع الأعشاب المروية بالمياه الآسنة، قبل أن يُذبح ويُباع لحمه في المدن والقرى والبلدات، ويتناوله الكثير من المستهلكين من دون حسيب أو رقيب، ومن دون أي فحص أو مراقبة من قبل الطبيب البيطري المختص، حيث يتباهى الجزارون أمام زبائنهم بأنه بلدي، ولا يأكل سوى علف القمح والشعير والعدس والعشب الطبيعي الأخضر، وليس كالمستورد الذي يأكل الأعلاف المركبة والمطحونة، ليبرروا لهم ارتفاع سعره مقارنة مع الأخير.
كما يتناول المواطنون لبن هذه المواشي وحليبها طازجين أو من المحال والمؤسسات التجارية ومعامل الأجبان والألبان بشكل عشوائي، لتصيبهم جراء ذلك الأمراض الخطيرة والمتنوعة التي يجهلون مصدرها... يختلف الأطباء في تشخيصها ومعرفة أسبابها، ويكلفهم علاجها الكثير من الأعباء المادية الباهظة.
يدل ذلك على أن الكثير من الإنتاج الزراعي والحيواني المحلي أو البلدي ليس سليماً ونظيفاً وخالياً من الأمراض والجراثيم التي تسببها المبيدات الحشرية والأدوية الكيمائية ومياه الصرف الصحي التي ترويه، لا سيما التي تصيب الحيوانات والمواشي والدواجن التي نتهافت على تناول لحمها وحليبها ولبنها على أساس أنها بلدية... كذلك شتى أنواع الخضار والفاكهة.
أمراض المواشي
"يشكل رعي المواشي في الأماكن التي تصبّ فيها مجاري الصرف الصحي خطورة كبيرة على صحة الحيوانات، وبالتالي على صحة الإنسان المستهلك للحوم وحليب ولبن هذه المواشي"، كما يقول الطبيب البيطري الدكتور يحيى بدر الدين، الذي يرى أنه إضافة إلى حالات التسمم الغذائي التي يمكن أن تصاب بها الحيوانات المذكورة نتيجة لتناولها الأعلاف من المراعي الموبوءة، فإن هنالك الكثير من الأمراض التي يمكن أن تتعرض لها أيضاً، كالتيفوئيد والأمراض الجلدية والطفيليات الداخلية والخارجية، مما يسبب على المدى المتوسط هزال هذه الحيوانات ونفقها.
ويعتبر بدر الدين أن الحديث عن هذا الموضوع ليس دعاية ضد الإنتاج الزراعي والحيواني البلدي، بل هو للتنبيه والتحذير من عواقب هذه المشكلة المتفاقمة، وتسليط الضوء على ما يجري من انتهاكات تحت لافتة "الإنتاج البلدي"، الأمر الذي يستدعي على نحوٍ عاجل تحرك المسؤولين المعنيين لمراقبة ما يحصل على هذا الصعيد في مختلف المناطق اللبنانية رحمة بالناس والعباد.
ري المزروعات ايضاً
إضافة إلى ذلك فقد شهد وادي الكفور في وقتٍ ليس ببعيد قيام عدد من المواطنين بري مزروعاتهم وخضارهم القريبة من مجرى الصرف الصحي لمنطقة النبطية بالمياه المبتذلة. ترافق ذلك مع تربية الأبقار والماعز والأغنام على ضفتي مجرى الصرف الصحي، وإطعامها من المزروعات والخضار المروية بمياهه، لتنعكس هذه الظاهرة أخطاراً صحية جسيمة على المواطنين الذين يتناولون لحومها وحليبها، بينما يتقاعس المسؤولون المعنيون عن مكافحتها ووضع حدٍ لها.
يحصل كل ذلك بالرغم من وجود تعميم رسمي صادر عن وزارة الصحة العامة بتاريخ 26 نيسان 1994، يقضي بمنع ومكافحة ري المزروعات بمياه الصرف الصحي والمجاري الآسنة وجاء في متنه: "نظراً للمخاطر الصحية التي تنجم عن ري المزروعات بمياه المجاري ومخلفات الجور الصحية والمياه الجارية الممزوجة بمياه الصرف، تحذر وزارة الصحة العامة المزارعين وتحت طائلة المسؤولية من ري المزروعات والخضار، وعلى الأخص التي تؤكل نيئة بمياه المجاري العمومية أو الجور الصحية أو بأي مياه مبتذلة أو مجاري مائية شتوية ممزوجة بمياه المجاري، منعاً للأضرار الصحية التي تنجم عنها وعلى الأخص الأمراض المعوية والديدان والكوليرا".
ويحذر التعميم المخالفين من المواطنين بإحالتهم على القضاء وتلف منتوجاتهم الزراعية بإشراف الإدارات المعنية ومؤازرة قوى الأمن الداخلي.
وقد وزّع هذا التعميم على القائمقامين والبلديات والمخاتير لتطبيق أحكامه والعمل على قمع المخالفات كافة على هذا الصعيد حفاظاً على الصحة العامة للمواطنين.
وكانت مصلحة الزراعة في محافظة النبطية قد رفعت في وقتٍ سابق تقريراً فنياً لوزارة الزراعة أوضحت فيه ملابسات ري المزروعات بمياه الصرف الصحي في وادي الكفور، واعتبر مصدر فيها أن الحل الجذري لهذه القضية يكمن في منع ري المزروعات الصيفية في هذه المنطقة بالمياه المذكورة منعاً باتاً، واتخاذ الإجراءات الرادعة بحق المواطنين المخالفين.