يبدو جبل صنين للمرة الأولى، وفي ظاهرة غير مسبوقة منذ سنوات، عاريًا من دثاره الأبيض، إلا من بقع صغيرة، بدا معها المشهد كما لو أننا في منتصف الصيف، أو في أواخره، ذلك أن الثلج في العادة، كان يلاقي ....
أنور عقل ضو / جريدة السفير
يبدو جبل صنين للمرة الأولى، وفي ظاهرة غير مسبوقة منذ سنوات، عاريًا من دثاره الأبيض، إلا من بقع صغيرة، بدا معها المشهد كما لو أننا في منتصف الصيف، أو في أواخره، ذلك أن الثلج في العادة، كان يلاقي الثلج، وينتظر، إلى أن يزف موعد تساقط ثلوج جديدة.
وقد أوحت هذه الصورة للفنان الراحل زكي ناصيف، فأدخلها على طريقته في أغنية "نقيلي أحلى زهرة"، ويأتي في أحد مقاطعها "نقيها بلون المرمر وحكايات الغار... وتراب الجرد الأسمر والتلج الختيار". لكن المشهد يبدو الآن صادماً، لا ثلوج ولا حتى أمطار.
في عرف الجبليين، الثلوج "خميرة الأرض"، لأن المياه تظل ترشح منها طيلة الربيع والصيف، لتغذي مياه الينابيع الجوفية. فضلاً عن أنه في أوائل القرن الماضي، وقبل أن يعرف لبنان الكهرباء، كانت منطقة ضهر البيدر تعرف بـ"برّاد بيروت"، حيث كانت الثلوج تتجمّع في منحدرات وحفر عميقة، ويقوم العمّال برصّها جيداً كي تصمد في مواجهة حر الصيف. ومن ثم كانت تقطع وتنقل الى العاصمة وسائر المناطق. فيما ضهر البيدر تحوّلت منذ سنوات عديدة إلى منطقة لا تغطيها الثلوج إلا لفترات قصيرة جداً، وفي فترات متفاوتة من السنة، علماً أنها صنفت سابقاً كـ"مركز تزلج"، وكان ختامها "مسك" هذه السنة.
تغيّرات مناخية
يحذر رئيس "جمعية طبيعة بلا حدود" المهندس محمود الأحمدية عبر "السفير" من خطورة التغيرات المناخية، موضحاً أن "مختلف المعطيات يؤكد أن الأمر متصل بظاهرة الاحتباس الحراري التي باتت مشكلة كونية". ويتابع: "في النصف الأول من القرن الماضي، كانت منطقة ضهر البيدر في جبال لبنان، تشهد تساقطاً للثلوج بشكل كثيف، لدرجة أنه كان بالإمكان ممارسة التزلج فيها، أما اليوم فمحطات التزلج باتت على علو أكبر بكثير".
ويلفت الأحمدية الانتباه إلى أن "نسبة الأمطار التي هطلت في لبنان هذا العام لم تتخطّ الـ240 ملم، أي حوالي ثلث نسبة المتساقطات للعام الماضي التي بلغت 750 ملم، فيما المعدل العام هو حوالي 400 ملم".
ذعر ومخاوف
في النتائج، وبعيداً عن تفسير ظاهرة احتباس المطر وأسبابها، ثمة مخاوف تؤرق المزارعين، وتنشر الذعر ما بينهم. إذ يرى المزارع إيلي شمعون أن "الزراعات في المتن الأعلى ستكون مهددة في الصيف"، مشيرًا إلى أنه "في المهلة المتبقية من شباط الحالي حتى نيسان المقبل، من الصعب أن نشهد تعديلاً على مستوى الثلوج والمتساقطات". ويُبدي شمعون عبر "السفير" تخوفاً "من كارثة ستطاول حتماً قطاع زراعة التفاح، في المتن الأعلى وعاليه والشوف وكسروان وغيرها من المناطق". المشكلة أن الينابيع لن تكون كافية لري المزروعات، فضلاً عن أن الحاجة للمياه، ستزداد صيفاً لمصلحة الاستهلاك المنزلي.
في هذا الإطار، تداعت بلديات غرب عاليه لعقد اجتماع في دارة وزير الزراعة أكرم شهيب لبحث هذه المشكلة. وحذر شهيب من أن "المنطقة ستكون أمام مشكلة في شهري آذار ونيسان، ومقبلة على كارثة كبيرة في فصل الصيف بسبب جفاف المياه، في أكثر من بئر في منطقة الجرد والمتن، وبسبب النقص الكبير الحاصل في مياه الباروك وكميات الأمطار". وأشار إلى أن "هذا الوضع يتطلب إيجاد الحلول السريعة بالتعاون بين الفاعليات السياسية والبلديات والمعنيين والمختصين في الدولة".
وفيما طالب المجتمعون بـ"تسريع الخطوات لإنهاء كافة الأعمال المتبقية في مشروع استخراج المياه من جسر القاضي، من خلال متابعة هذا الموضوع مع المعنيين، لإتمام الـ10 في المئة المتبقية من الأعمال، لإنجاز هذا المشروع الحيوي للمنطقة، بشكل كامل"، شددوا على "تعزيز العمل بالتعاون بين البلديات والمجتمع المدني على مسألة تعميم ونشر الوعي في القرى على صعيد ترشيد استخدام المياه، وتعزيز التعاون بين مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان والبلديات في موضوع تسريع إصلاح أي عطل على الشبكة للحد من أي هدر في المياه".
مشكلة قرنايل
ثمة مشكلة بدأت تلوح معالمها في منطقة قرنايل، جوار الحوز، كفرسلوان وترشيش في أعالي المتن. فهذه المنطقة تعتمد الزراعة قطاعاً أساسياً، لاسيما التفاح والأشجار الجبلية المثمرة والزراعات الصيفية، وتعتمد على الخزانات الترابية التي تعدّ شريان القطاع الزراعي. أما اليوم، فيوضح المزارع عجاج المغربي من بلدة كفرسلوان لـ"السفير"، أن "الخزانات الترابية في البلدة التي يبلغ عددها 300 في البلدة، فضلاً عن 100 خزان في جوار الحوز، تعاني من أزمة كبيرة بسبب الشحّ، علماً أن المزارعين قد بنوها لرفد بساتينهم بالمياه صيفاً".
ويلفت الانتباه إلى أن "هذه الخزانات كانت تملأ عادة من مياه الأمطار والسيول، لكن هذه المرة الأولى التي نستعين فيها بمياه الينابيع وتحويلها إلى الخزانات الترابية، فيما هذه الينابيع من المفترض أن تغذي خزانات مياه الشفة". وأشار المغربي إلى أنه "لا يمكن تعبئة الخزانات الترابية لأن لكل مزارع حصة محددة بعدد ساعات كل أسبوع، وتربة الخزانات تمتص قسماً كبيراً من المياه لأنها خزانات ترابية".
في المقابل، يتوقع المزارع سالم المغربي "مشكلة غير معهودة في الصيف"، مشيراً إلى أنه "لو تساقطت الأمطار لعشرة أيام متواصلة، فلن تجدي نفعاً في تغذية مياه الينابيع الجوفية، لأن ما يحيي الأرض هو الثلج". ويختم بالقول إنّ "كفرسلوان، وإن واجهت صعوبات على مستوى القطاع الزراعي، ستظل أفضل من قرى ستعاني بالتأكيد نقصاً في مياه الشفة".