22-11-2024 02:52 PM بتوقيت القدس المحتلة

ندرة المتساقطات تنذر بعواقب وخيمة على الزراعة

ندرة المتساقطات تنذر بعواقب وخيمة على الزراعة

لم تتجاوز كمية المتساقطات لهذا العام أكثر من 18% من نسبة المعدل العام في البقاع، الأمر الذي وضع المزارعين أمام مخاطر عديدة، تبدأ من إلزامهم بأكلاف وأعباء مالية إضافية، ولا تنتهي عند تدابير باتت....

لم تتجاوز كمية المتساقطات لهذا العام أكثر من 18% من نسبة المعدل العام في البقاع، الأمر الذي وضع المزارعين أمام مخاطر عديدة، تبدأ من إلزامهم بأكلاف وأعباء مالية إضافية، ولا تنتهي عند تدابير باتت ضرورية قبل الزراعة، فضلاً عن مخاطر بيئية كالتلوث وتكاثر أعداد فئران الحقل والحشرات والزواحف والأمراض.

رامح حمية / جريدة الأخبار

ندرة المتساقطات تنذر بعواقب وخيمة على الزراعةأزهرت أشجار اللوز في البقاع، تكللت البساتين باللون الأبيض. الجو الدافئ أمعن مجدداً في خداع تلك البراعم الصغيرة، بأن الربيع قد حلّ، وقد آن لها أن تتفتح.

المشهد على جماليته لم يدخل الفرح إلى قلوب المزارعين البقاعيين. هؤلاء يعيشون هواجس ومخاوف الجفاف الذي خلفته ندرة المتساقطات المطرية، وعدم تساقط الثلوج، التي تعد «خميرة» المياه الجوفية والينابيع والآبار.

أفلت «مربعانية» الشتاء، وجزء من «الخمسينية» وأيام «السعود الأربعة» (سعد ذبح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الخبايا)، والأمطار لم تسجل سوى 18% فقط من المعدل العام، في الوقت الذي يدرك فيه مزارعو البقاع، بخبرتهم الطويلة، أن سنوات خلت (1967و1978) ندُرَت فيهما المتساقطات وتضررت المزروعات حينها، لكنهم يؤكدون أن الأضرار لهذا العام ستكون «كارثية»، وأن لذلك تداعيات على المواسم الزراعية وعلى «الثروات المائية والحيوانية وحتى النباتية أيضاً، والله يستر»، كما يشرح المزارع علي زعيتر.

على أبواب المستقرضات بأيامها السبعة بين شباط وآذار، ليس في جعبة الأرصاد الجوية سوى «زخات أمطار متفرقة»، وهي بالنسبة إلى المزارعين «لا تسمن ولا تغني». في سهول بلدات البقاع حقول تلونت بأخضر الزراعات الشتوية من قمح وشعير، وكان من المفترض أن تغدق السماء على تلك الزراعات الأمطار حتى نهاية شهر آذار، فتجنّب تلك المتساقطات المزارعين استعمال المياه الجوفية، «لكن المحظور وقع»، بحسب زعيتر، الذي لفت إلى أن غالبية مزارعي القمح والشعير باتوا أمام خيارين «إما التخلي عن تلك الحقول وتضمينها لمربي المواشي، وإما توفير مياه الري لها»، موضحاً أن المزارعين الذين تتوافر لديهم آبار ومشاريع لجمع المياه، بدأوا فعلياً في ري حقولهم، مخافة «تلف النبتة الغضّة»، وهو ما يرتب عليهم أكلاف ري كبيرة «كانوا بغنى عنها»، من ضمان ابار مياه وتأمين محروقات لسحب وضخ المياه إلى تلك الحقول.

المهندس الزراعي طارق الموسوي أكد لـ«الأخبار» أن مزارعي القمح والشعير «ملزمون توفير الري التكميلي» لحقول القمح والشعير، لأن النبتة خلال هذه الفترة في طور نمو جذورها، واذا لم تتوافر لها المياه فسيصبح نموها «خضريا بدون سنابل»، وبالتالي لا بد من شروعهم في الري «برغم الكلفة الكبيرة والأسعار المرتفعة».

ارتفاع أكلاف زراعة القمح والشعير نتيجة الري التكميلي، «سيرفع بالتأكيد من اسعارها»، ولا يخفي الموسوي قلقه من تأثّر أسعار «قش القمح والشعير»، الذي يستعمل كمواد علفية لمربي المواشي على اختلافها، «وارتفاع أسعار المنتجات الحيوانية في مقابل ذلك».

مزارعو البطاطا من جهتهم، شرعوا في زراعة عدد من سهول قرى حوش بردى ومجدلون وعين السودا وكفردان وطاريا وبوداي والعلاق. إلا أن غالبيتهم لم يقدموا على زراعة حقولهم بالبطاطا إلا بعد توفيرهم حاجتها من المياه، «إما بضمان الحقل مع مياهها (فيها آبار أو مشاريع برك ترابية لجمع المياه)، وإما بالاتفاق مع جيرانهم على توفير المياه لهم طيلة فترة الموسم، والاعتماد على نمط الري بواسطة «الفريرة»، بحسب ما يشرح المزارع حسين الضيقة.

وإذا كانت ندرة المتساقطات والجفاف تترك تداعيات وآثار خطيرة على القطاعات الزراعية والبيئية، إلا أنه يمكن أيضاً الإشارة إلى إيجابية وحيدة، تتمثل في عدم رفد مجرى نهر الليطاني بالأمطار ومياه الينابيع، وبالتالي ركود الصرف الصحي في ذلك المجرى، حيث لا يعود بإمكان بعض المزارعين الإفادة من المياه الآسنة في ري حقولهم من البطاطا.

ويشير المهندس البيئي يوسف سماحة إلى أن احتباس الأمطار سينعكس سلباً على بيئة البقاع التي «ستتحول إلى بيئة ملوثة وخصوصا في مجرى الليطاني الذي لن ترفده أية ينابيع أو أمطار وسيسمح ركود الصرف الصحي بتكون بيئة ملائمة للحشرات والزواحف والروائح الكريهة وانتشار الأمراض». وبناءً عليه فإن القرى التي يشق مجرى الليطاني طريقه بين عقاراتها، بدءأً من العلاق وحزين وحوش سنيد وحوش الرافقة وتمنين التحتا، وصولاً حتى رياق، ستكون عرضة أكثر من غيرها للروائح والأمراض والحشرات بحسب سماحة، الذي لفت من جهة ثانية إلى أن غياب الثلوج، وترافقه مع الصقيع، حالا دون القضاء على الأمراض التي تصيب الأشجار المثمرة والفطريات، التي يرجح أن تفتك بالأشجار هذا الموسم».

وبين كل هذا ثمة خطر آخر كان لطبقة الثلوج والصقيع أن تساعد في القضاء عليه، أو حتى الحد من أعداده. إنه فأر الحقل الذي تبين أخيراً أنه بدأ ينتشر بسرعة كبيرة في حقول القمح والشعير، ويمثل سريعاً دوائر كبيرة خالية من الزرع داخل تلك الحقول»، وبحسب سماحة، فإن غياب الصقيع سيسمح بتكاثر فئران الحقل على نحو كبير وبأنواع هجينة».

سماحة دق ناقوس الخطر، اذ إن «ندرة الأمطار، وتأثّر الغطاء النباتي، سيدفعان بالفئران إلى التفتيش عن غذائها، ومن الممكن أن تشهد القرى في شرقي وغربي مجرى الليطاني ظهور أعداد كبيرة من فئران الحقل في محيط البيوت والمزارع للتفتيش عن شيء تأكله».

خالد ياغي مدير مديرية البقاع في مؤسسة جهاد البناء، لم ينف تقديرات المهندس البيئي يوسف سماحة بشأن فأر الحقل، بل أكدها وأشار إلى أن وزارة الزراعة وأمام مطالبة المزارعين بتأمين دواء لمكافحة فأر الحقل، أرسلت كمية محدودة من المبيدات الخاصة بفأر الحقل إلى مصلحة الزراعة في بعلبك، وأن المزارعين بإمكانهم الحصول على الكميات بحسب مساحة عقاراتهم المزروعة.

يدعو ياغي الى اعتماد «الزراعة الحافظة»، أو «الزراعة دون حراثة مسبقة» في ظل ندرة المتساقطات، موضحاً أن مشروع الزراعة الحافظة يقضي بعدم إقدام المزارعين على حرق مخلفات المحاصيل بعد الحصاد، أو حراثة الأرض، «ليبقى الغطاء النباتي كما هو حيث يستغل في تخزينه للرطوبة ومنع أشعة الشمس من تبخير المياه الموجودة في التربة». طريقة أخرى لحفظ رطوبة التربة تحت الأشجار المثمرة تشير إليه ياغي وتقضي بنثر الحجارة الصغيرة عند كعب الشجرة بقصد تغطية تربتها، فضلاً عن إقدام المزارعين على استخدام الري بالتنقيط بديلاً من ري المياه بطريقة الجرّ». يقول ياغي ان الزراعة الحافظة تسهم في التوفير من عدد العمال المستخدمين في تمهيد الأرض، وفي الحد من استهلاك المحروقات، إضافة إلى الحد من المدخلات الكيماوية وتلوث الهواء.

الرابط على موقع جريدة الأخبار