ستون المعروف بانتقاداته الشديدة لاسرائيل وسياستها تجاه الفلسطينيين قد تعرض لهجوم شرس من قبل اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة عندما اتهم اليهود واسرائيل بالسيطرة على السياسة والصحافة
يعد أوليفر ستون من أبرز المخرجين في هوليوود، حيث رُشح لجوائز الاوسكار اكثر من ثلاثين مرة وفاز بثلاثة منها. وقد تميزت افلامه بسرد التاريخ الامريكي من وجهة نظر غير رسمية ومثيرة للجدل. وعلى رأسها ‘ج.ف.ك’ الذي يشير الى ملابسات إغتيال الرئيس جون كينيدي و’نيكسون’ الذي يعالج فضيحة ‘ووتر غيت’ في حقبة ريتشارد نيكسون و’دبليو’ الذي يدور حول حياة جورج بوش الابن.
ستون، الذي انضم لصفوف الجيش الامريكي في السيتينات ليخدم في حرب فيتنام، حيث أُصيب مرتين وحصل على نجمة الشهامة البرونزية، قام بصنع ثلاثة افلام عن تلك الحرب، وهي ‘فصيلة’، ‘وُلد في الرابع من يوليو’ و’السماء والارض’، وكلها تكشف عن الجرائم التي ارتكبها الجنود الأمريكيون ضد الفيتناميين.
ستون ايضا معروف بآرائه الليبرالية وبانتقاده اللاذع للمجتمع الامريكي ولسياسة الحكومة الأمريكية. ففي مسلسله الوثائقي الاخير تحت عنوان ‘التاريخ غير المروي للولايات المتحدة’، يكشف عن حروب امريكا اللاشرعية وسياستها اللا أخلاقية التي أدت الى دمار دول عديدة من العالم الثالث وحرمان شعوبها من الحرية والديموقراطية.
هذا الموضوع كان محور نقاش معه في لقاء حصري أجرته معه جريدة القدس العربي في مكتبه في لوس انجليس قبل ايام.
كان ستون قد واجه انتقادات شرسة من مناوئيه الذين كانوا دائما يتهمونه باعادة كتابة التاريخ لترويج اجنداته الليبرالية. اما رد ستون فكان ‘انا كاتب رواية ولست مؤرخا. فالدراما كانت دائما متشابكة مع التاريخ وهي غالبا ما تبصّرنا حيال أمور لن يوضحها لنا التاريخ لو كتب بطريقة معينة’.
وعبر عن عدم ثقته بالمؤرخين، لانهم يكتبون التاريخ من وجهة نظر خاصة مشيرين لأحداث تدعم مصالحهم الشخصية والوطنية ومواقفهم السياسية ويتغاضون عن حقائق أخرى. الغريب هو أن هذه المعضلة نفسها التي تعاني منها افلامه مما أدى مؤخرا لرفض عائلة الزعيم الامريكي الاسود، مارتن لوثر كينغ، لسيناريو ستون الذي يظهر كينغ كزير نساء. ولكن ستون يصر انه كان على حق بما كتبه، حيث انه استقى الحقائق من مؤرخين سود ويقول: ‘أعتقد أنه أمر سخيف أن ذويه والقائمين على رعاية مصالحه بعد وفاته غيورون بهذه الطريقة على الحفاظ على تلك الأسطورة المحيطة به. علينا كسر ذلك وذلك هو ما أفعله في أفلامي منذ البداية’.
وفي اللقاء يكشف ستون عن سبب شجبه الشديد لكل رؤساء الولايات المتحدة ما عدا جون كينيدي في ‘التاريخ غير المروي للولايات المتحدة’ وتمجيد نائب الرئيس هنري والاس الذي فشل في انتخابات الرئاسة امام ترومان في عام 1948. أعتقد أن آلية الحرب العالمية الثانية جرّت هذا البلد إلى حالة من أولوية الأمن القومي دون رجعة. بعد الأزمة النووية في تشرين أول/ أكتوبر 1962 كان خروشوف وكينيدي يبحثان هذه المسألة وحاولا قلب المسار. وأعتقد أن ذلك سبب خوفا أدى إلى اغتياله، فقد كان يتحدى النظام.
كان هناك رونالد ريغان الذي كان لديه حلم خيالي بالانتصار في الحرب الباردة. وقد طرح على ريغان ذلك الاتفاق الممتاز في آيسلندا، والذي كان أحد أعظم العروض على الإطلاق، لنقل إن الولايات المتحدة كانت ستخرج رابحة. فقد أتيح لها ذلك. ولكنه أراد الاحتفاظ بحرب النجوم وبالبرنامج المضاد للصواريخ البالستية في الفضاء، أراد اختبارات مخبرية وقال ‘لا’ للعرض المذهل الذي قدمه له غورباتشوف في آيسلندا. كان ذلك خطأ جسيما بحق الإنسانية لأن هذا الاتفاق كان حتماً سيرسي معايير جديدة للسلام’.
كما يؤكد ستون أن تجاهله لاسرائيل في الفيلم لم يكن خوفا منها وانما لأسباب فنية. الجدير بالذكر ان ستون المعروف بانتقاداته الشديدة لاسرائيل وسياستها تجاه الفلسطينيين قد تعرض لهجوم شرس من قبل اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة عندما اتهم اليهود واسرائيل بالسيطرة على السياسة والصحافة الامريكية في لقاء صحفي قبل عامين، مما جعل شركة التلفزيون ‘سي بي س′ تهدد بإلغاء مشروع ‘التاريخ غير المروي للولايات المتحدة’ مما اضطر ستون للاعتذار من اللوبي الاسرائيلي.
ولكن في اللقاء اكد انه ما زال يظن ان اسرائيل لها تأثير فائق على السياسة والصحافة الامريكية. ‘هذا رأٌي أنا متمسك به قلته آنذاك وما زلت متمسك به اليوم: لإسرائيل تأثير فائق على السياسة الأمريكية والصحافة الامريكية ونحن نعلم ذلك. موقف الرئيس أوباما أوضح ذلك أكثر من أي شيء خصوصا فيما يتعلق بإيران’.
ويتطرق ستون ايضا للوضع الحالي في الشرق الاوسط وخاصة في سوريا ويتهم الحكومة الأمريكية بخلق الأزمات وسفك الدماء في المنطقة، داعيا حكومته واوباما الى ترك البلاد العربية وشأنها لشعوبها. ‘بتدخلاتها تسببت الولايات المتحدة في إحداث فوضى وزادت الأوضاع سوءا بعسكرة المنطقة بأسرها. سياسة أمريكا هي العسكرة. وما حدث هو أن ذلك تمخضت عنه حروب إقليمية. حرب العراق كانت كارثة وقد اتسعت لتشمل سوريا. أما بالنسبة لسوريا فأفضل شيء يمكن أن يفعله أوباما هو تركها وشأنها’.
وختم ستون اللقاء بالاعراب عن أسفه على الغاء مشروع فيلم عن مؤسس الجزائر الحديثة ‘الامير عبد القادر’، الذي كان يشرف على انتاجه، مؤكدا أنه لم يكن السبب وراء هذا الالغاء.