بين بيان وضحاه، انقلبت الأجواء في وسائل الإعلام الإسرائيلية من صافية إلى متلبدة.
محمد بدير
بين بيان وضحاه، انقلبت الأجواء في وسائل الإعلام الإسرائيلية من صافية إلى متلبدة. التعليقات التي تنافست قبل يوم، في شرح موجبات اضطرار حزب الله إلى ابتلاع الهجوم الإسرائيلي عليه وتغليفه بالصمت، أخلت مكانها لموجة تحليلات نقيضة، تركزت حول محاولة الوقوف على المفاعيل التي خلّفها بيان الحزب من منظور توازن الردع القائم بينه وبين تل أبيب.
أول هذه المفاعيل، بحسب صحيفة «هآرتس»، هو أن نظرية «مجال النفي» التي تنص على أن سوريا وحزب الله وإسرائيل يفضّلون نفي الهجمات التي تُنفّذ كي يتجنّبوا ضرورة الرّد، تلقّت ضربة قاصمة». ورأى محلل الشؤون الإقليمية في الصحيفة، تسفي بارئيل، أن اعتراف حزب الله بأن قاعدته في الأراضي اللبنانية هاجمتها طائرات إسرائيلية، وأن «المنظمة ستردّ في الوقت والمكان المناسبين»، يدل على «تحول تكتيكي وربما على استراتيجية جديدة».
وهذا الأمر، وفقاً للكاتب، «لا يعني أن المنظمة أو سوريا ستعترفان منذ الآن علناً في كل مرة تشنّ فيها إسرائيل هجوماً، لكن من الآن فصاعداً «الحساب» بين إسرائيل وحزب الله أصبح علنياً، ما يمنح الحزب شرعية مضاعفة. فإذا قرر مهاجمة إسرائيل، فلن يُتّهم بفتح معركة جديدة، ويمكن تعليل هجوم كهذا بـ«تصفية حسابات». كذلك فإنه يمكنه في الوقت نفسه التحصن بدعم رسمي لامتلاكه السلاح، لا سيما، في ضوء الانتقاد اللاذع الذي يتعرض له بسبب مشاركته في الحرب السورية».
وذكّر الكاتب بأن قدرات حزب الله العسكرية لم تُقوّض و«عدد الصواريخ التي يمكنه استعمالها ضد إسرائيل لا يزال على حاله، لكن الاعتبارات السياسية الداخلية اللبنانية، والاعتبارات الاستراتيجية المتعلقة بالمعركة في سوريا، هي التي تملي عليه خطواته». وخلص إلى أن ما جاء في بيان الحزب يعني «من ناحية إسرائيل، أنه لم يعد ممكناً استخدام مجال النفي كمظلة يتيح لإسرائيل الهجوم من دون تحمّل المسؤولية، وغالباً، من دون الخشية من الرد».
وتحت عنوان «تغييرات دراماتيكية في الشمال»، رأى محلل الشؤون العسكرية في صحيفة «معاريف»، عمير رابيبورت، أنه «لو كان كل شيء يجري طبقاً للكتاب، فإن حزب الله لم يكن ليتطرق بشكل رسمي إلى الهجوم المنسوب إلى سلاح الجو مساء يوم الاثنين. لكن حسن نصرالله بدّل قواعد اللعبة». وشرح رابيبورت ما يقصده، مشيراً إلى أن «سوريا وحزب الله تجاهلا في السابق تقارير الهجمات الإسرائيلية، كما أن إسرائيل أيضاً رفضت بشدة تحمّل مسؤولية ما ينسب إليها. والفرضية كانت أن سوريا وحزب الله غارقان حتى العنق في الحرب الأهلية في سوريا، وليس لديهما أي مصلحة في فتح جبهة مع إسرائيل حتى في حال حصول هجوم. إقرار أو إعلان إسرائيلي لن يدفع إلا إلى الرد. هذه الفرضية لا تزال سارية المفعول. لكن بيان حزب الله من المتوقع أن يجعل نصرالله يردّ فعلاً في الزمن والمكان المناسبين، كما تعهد في بيانه».
وتساءل الكاتب عن الكيفية المحتملة لرد حزب الله، فرأى أن بإمكان الحزب «القيام بعمليات تُنسب في الأشهر المقبلة إلى طائش لبناني، كما حصل أثناء إطلاق النار على موقع رأس الناقورة التابع لسلاح البحر قبل شهرين، أو تنفيذ عملية في الخارج من دون بصمته، أو محاولة اغتيال مسؤول إسرائيلي، وهو الاحتمال الذي يؤخذ في الحسبان منذ اغتيال عماد مغنية في شباط من عام 2008. فمن ناحية حزب الله، حساب مغنية لا يزال مفتوحاً».
من جهته، دعا محلل الشؤون الاستخبارية الإسرائيلي، يوسي ميلمان، تل أبيب إلى «الحذر من هجوم أكثر من اللازم». وفي مقال نشره في صحيفة «ذي بوست»، أوضح الكاتب ما يعنيه، مستشهداً بفيلم عنوانه «جسر واحد أبعد من اللازم» تدور أحداثه حول هجوم فاشل للحلفاء في هولندا وهم في طريقهم لاحتلال ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. وفي الفيلم، نجحت القوات البريطانية والأميركية في احتلال كل الجسور اللازمة لها كي تعبر عائق المياه، لكنّ القادة أصرّوا على احتلال جسرٍ واحدٍ أخير، ما أدى إلى إفشال العملية.
ورأى ميلمان أن «هذا ما يمكن أن يحدث لإسرائيل بعد غارة سلاح الجو الاثنين ليلاً، ضد أهداف لحزب الله»، مشيراً إلى أن هذه الغارة مختلفة عن سابقاتها التي حصلت داخل الأراضي السورية. «وهذه المرة قرروا في المؤسسة الأمنية أنه يمكن المجازفة مرة أخرى وهاجموا على الأراضي اللبنانية. وفي هذا خرق للاتفاق الذي أدّى إلى إنهاء حرب لبنان الثانية. صحيح أن كِلا الطرفين يخرقان الاتفاق منذ ذلك الحين: [طائرات] إسرائيل تحلّق بحسب الظاهر في سماء لبنان، وحزب الله لم يُجرّد من سلاحه ويواصل تخزين صواريخ، لكن حزب الله أعلن أن إسرائيل خرقت الاتفاق وهو ينوي الرد. صحيح أن حزب الله يضعف أيضاً، مثل نظام الأسد، لكن هل من الحكمة من جانب إسرائيل أن تشدّ الحبل أكثر من اللازم وتستفز المنظمة الشيعية؟».
وختم الكاتب مقالته بانتقاد القرار الإسرائيلي بتنفيذ الغارة الأخيرة، مذكّراً بأن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي، أفيف كوخافي، سبق أن قال إن حزب الله يمتلك 100 ألف صاروخ، «فكم يُضيف أو يُنقص تدمير عدة صواريخ، في حين أن الثمن والمخاطرة يمكن أن يؤديا إلى تجدد الحريق على الحدود مع لبنان؟».
بدوره، كشف مراسل «يديعوت أحرونوت»، يوسي يهوشوع، عن نقاشات تجري في الجيش الإسرائيلي حول ما «إذا كانت كل الهجمات تستحق القيام بها». وفي مقابلة إذاعية قال يهوشوع «نحن نعرف بحسب التقديرات أن حزب الله لديه 75 ألف صاروخ ويتحدثون اليوم عن 100 ألف صاروخ. فعندما يتم إعاقة وصول شحنة من صواريخ «فاتح 110» أو غيرها التي نعرف أنه يوجد منها الآلاف، فهل من الصحيح والصائب القيام بالهجوم؟».
في الموازاة، واصلت السلطات الإسرائيلية إجراءاتها الاحترازية تحسباً لردّ حزب الله. وذكرت الإذاعة الإسرائيلية أمس أن الجيش رفع حالة الجاهزية على الجبهة الشمالية، حيث أعطى توجيهات لسكان الشمال ولمجموعات الجاهزية وعزز الدوريات والتأهب، كما أنه رفع مستوى الاستعداد في مجال الدفاع الجوي وغيّر انتشار منظومة الدفاع الجوي في المنطقة الشمالية.
وأشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس إلى وجود خشية في إسرائيل من أن تحاول منظمات الجهاد العالمي استغلال التوتر القائم من أجل إطلاق صواريخ على مستوطنات الشمال، كما فعلت قبل شهرين. ولفتت الصحيفة إلى أن أحد الاحتمالات هو إطلاق نار عبر منظمات صغيرة تحصل على موافقة من حزب الله لتنفيذ عملية الإطلاق.
وأضافت أن التقدير هو أن الرد لن يكون بالضرورة في إسرائيل، بل الاحتمال الأعلى هو أن يحصل الرد في الخارج ضد أهداف إسرائيلية أو ضباط كبار في الخارج، كإحدى الشخصيات الامنية مثلاً. وأفاد موقع «روتر» الإخباري الإسرائيلي بأن الجيش عزّز الحماية حول منشآت استراتيجية.
http://www.al-akhbar.com/node/201635
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه