ويعتبر مشايخ المدينة في مجالسهم الخاصة، أن ما تشهده البلاد من فوضى أمنية تترجم بتفجيرات انتحارية، هو صراع سياسي صرف مغلف بالدين.
غسان ريفي
يجمع مشايخ طرابلس، من مختلف التوجهات الدينية، على أن ما يشهده لبنان من تفجيرات متنقلة ينفذها انتحاريون لأي سبب من الأسباب وتطال الأبرياء والآمنين، هو أمر يخالف الشرع والعقيدة ولا يتوافق مع أحكام وأصول وسماحة الإسلام في شيء، مستندين في ذلك الى كثير من النصوص الفقهية والأحاديث النبوية التي لا تحتمل أي اجتهاد، لأنه بحسب إجماع الفقهاء أن النص لا يلغيه إلا نص آخر، أو إجماع واتفاق كاملين للأئمة.. وهذا غير موجود اليوم.
لم تنس طرابلس بكل مكوناتها الدينية والسياسية والمجتمعية المآسي التي خلفها التفجيران الإرهابيان اللذان استهدفا مسجدي «التقوى» و«السلام» وحصدا 55 شهيداً ونحو ألف جريح، بالرغم من مرور ستة أشهر عليهما، وهي تستذكر ذاك اليوم الأسود المشؤوم عند كل تفجير يطال أياً من المناطق اللبنانية الآمنة، ويحصد الأبرياء.
ويعتبر مشايخ المدينة في مجالسهم الخاصة، أن ما تشهده البلاد من فوضى أمنية تترجم بتفجيرات انتحارية، هو صراع سياسي صرف مغلف بالدين.
ويؤكد هؤلاء أن الحرب القائمة في سوريا وارتداداتها على لبنان لا تخضع لأية ضوابط شرعية، «لأن الإسلام هدفه العدل، وإخراج الناس من الظلمات الى النور، وأن الجهاد يكون بمواجهة المسلم لأعدائه وجهاً لوجه فإما أن ينتصر أو يستشهد، وليس أن يفجر نفسه، ويضع حداً لحياته ويقتل معه أبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم صودف وجودهم في المكان الذي أراد تفجير نفسه فيه».
ويؤكد مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار أن «الأعمال الانتحارية لا تتفق مع قيم الإسلام وأحكام الشريعة في شيء، وأن كل شخص يقدم على الانتحار يعرّض نفسه للمساءلة الشرعية يوم القيامة»، معتمداً في ذلك على الحديث النبوي الشريف القائل: «ومن تردّى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردّى خالداً مخلداً فيها».
ويشدد الشعار على أنه «لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يقتل المرء نفسه أو أن يقتل نفساً حرم الله إلا بالحق»، لافتاً الى أن بعض العلماء أجازوا مثل هذه العمليات ضد العدو الاسرائيلي، ولكن بشروط محددة.
ويقول الشعار لـ«السفير»: «إن ما يحدث في لبنان هو خلاف سياسي وليس خلافاً دينياً، وهو صراع تستخدم فيه الشعارات الدينية لإثارة العواطف والغرائز ضد الآخرين. ولكن في كل الأحوال فإن الاعتداء على الأبرياء حرام بالمطلق الى أي دين أو جهة انتموا، وهو تجاوز للحدود الشرعية، كما أن الاقتصاص من المعتدين هو من اختصاص الدولة وليس من اختصاص الأفراد».
ويرى أمين الفتوى في طرابلس الشيخ محمد إمام أن كل النصوص الشرعية حرمت قتل النفس، مؤكداً أن «لا اجتهاد في معرض النص، وأنه لا يمكن مخالفة النصوص بحجة تحقيق المصلحة، لأن ذلك يخالف قواعد التشريع والفتوى»، لافتاً الانتباه الى أن «من يسوّق هذه الأعمال لا يمتلك دليلاً شرعياً واضحاً على جوازها، وبالتالي فهي لا تمتُّ الى الإسلام وقيمه وعقيدته بصلة».
ويقول إمام: «نحن لا نتطرق الى خلفيات ودوافع ما يجري من عمليات لأن ذلك من اختصاص السلطات القضائية، بل نحن نحكم على العمل بنفسه، إذ لا يجوز قتل الأبرياء العابرين ولا ضرب مصالح الناس. وما يشهده لبنان في هذه الفترة من أعمال تفجيرية هو حرام شرعاً ولا يعطي الصورة الصحيحة عن الإسلام الذي يهمه إخراج الناس من الظلمات الى النور، والوقوف الى جانبهم وإيصالهم الى طريق الهداية والحق».
السلفيون
الموقف الشرعي «الرسمي» من العمليات الانتحارية يوافقه أيضاً موقف المشايخ السلفيين. ويؤكد رئيس «جمعية العدل والإحسان» الشيخ الدكتور حسن الشهال أن «قتل النفس في الإسلام حرام، وأن هذه التفجيرات التي تحصل لا يمكن لأي مجتهد أن يؤيدها أو أن يجد لها سنداً شرعياً، إلا أن يطال هذا التفجير عدواً متفقاً على عداوته، كاليهود الذين احتلوا فلسطين أو الأميركان الذين احتلوا العراق. ومع ذلك نفهم الجهاد والاستشهاد أن يُقتل المسلم بسلاح عدوه وهو يواجهه، أما أن يقتل نفسه مع آخرين لا ذنب لهم، فهذا أمر لا نرى فيه أي وجه شرعي».
وينصح الشهال «حزب الله» بأن يخرج من سوريا عاجلاً، «لأن شباب الطائفة الشيعية يقتلون أيضاً في غير الموقع الشرعي، ويؤدي ذلك الى فتنة كبرى بين الطائفتين العظيمتين السنة والشيعة». داعياً كل المتنازعين من غير السوريين الى الخروج من سوريا وأن يتركوا الشعب السوري لتحقيق ما يريد من نظام وحكم وقرار سياسي.
ويرى «شيخ قراء طرابلس» وإمام مسجد «السلام» في طرابلس الشيخ بلال بارودي أن «الأعمال التفجيرية التي يشهدها لبنان لا تجوز شرعاً وهي حرام، تماماً كمشاركة حزب الله في سوريا التي لا تجوز شرعاً أيضاً». معتبرا أن «الحزب فتح علينا في لبنان حرباً تفجيرية بسبب مشاركته في سوريا». معرباً عن اعتقاده «أن من يقوم بهذه الأعمال ومن يرسل الانتحاريين مرتبط بأجهزة أمنية عالمية، لذلك فإن انسحاب القتلة من سوريا سيؤدي الى وقف القتل العبثي والعشوائي واللامسؤول في لبنان».
ويقول بارودي: «من يريد قتال العدو والشهادة في سبيل الله، فها هي إسرائيل على الحدود، وفلسطين تنادي في كل يوم أين أحفاد أبو بكر وعمر والحسين وصلاح الدين، فأين أبطال الأمة؟ ليس جائزاً ما يجري اليوم من قتل المسلمين لبعضهم البعض، وليس جائزاً ما يحصل من تفجيرات تذهب بحياة شباب مسلمين من دون جدوى، وتسيء في الوقت نفسه الى صورة الإسلام».
ويضيف بارودي: «الانتحار ليس من ثقافتنا الإسلامية، بل نحن نواجه بالصدور مقبلين غير مدبرين. ولا نعتمد الغدر وقتل الأبرياء الآمنين، فهذا أمر مرفوض إسلامياً وأخلاقياً وإنسانياً».
ويوضح عضو «اللقاء السلفي» الشيخ صفوان الزعبي أن «العمليات الانتحارية نوعان: ضد المدنيين وضد العسكريين. وأن أكثرية العلماء السلفيين منعوا النوعين على حد سواء، باستثناء الشيخ الألباني الذي أجازها ضد العسكريين فقط، لكن شرط أن يكون هناك جهاد حقيقي تحت الراية الإسلامية وبقيادة أمير تمت مبايعته، وهذا الشرط غير متوفر حالياً».
ويقول الزعبي: «إن ما يحصل من عمليات انتحارية هي مخالفة للشرع، ونعتبرها من ضمن الفوضى العارمة التي تعم المنطقة العربية والإسلامية ومن باب عدم الالتزام بالضوابط الشرعية. وهناك من يفتش عن فتاوى من قبل مشايخ غير سلفيين لتنفيذ مثل هذه العمليات، لكن كل المدارس السلفية المعتبرة لا تفتي بجواز هذه العمليات وتعتبرها حرام شرعاً».
http://www.assafir.com/?ref=MiniLogo#!/ArticleWindow.aspx?ChannelID=1&ArticleID=340082
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه