المعادلة هذه المرة تتجاوز ما سبق من توازن الرعب والردع في المواجهات الكبرى، الى توازن مماثل في الاعتداءات الموضعية.
حبيب فياض
بلغ «حزب الله» ذروة الجرأة في كشفه النقاب عن الغارة الإسرائيلية التي استهدفت موقعاً له في بلدة جنتا البقاعية. الجرأة هذه تتجاوز القدرة على الاعتراف بالواقعة، الى ما يترتب على ذلك من خطوات، بات الحزب ملزماً بها. في الأصل، كان بإمكانه إبقاء الأمر طي التكهنات والتأويل بعيداً عن الجزم والتأكيد. لكن المرجح أن حزب المقاومة اتخذ من غارة جنتا مدخلاً لتكريس معادلة جديدة في الصراع مع العدو.
المعادلة هذه المرة تتجاوز ما سبق من توازن الرعب والردع في المواجهات الكبرى، الى توازن مماثل في الاعتداءات الموضعية. وبذلك ينتقل الحزب من التزام الرد على الإسرائيلي في حال قيامه بأي عدوان واسع النطاق الى الرد على أي اعتداء، حتى لو كان محدوداً وعابراً. بل حتى لو لم يؤد الى سقوط شهداء وضحايا ولم ينتج عنه سوى حفرة في منطقة نائية على بعد أمتار من الحدود اللبنانية السورية.
واقع الحال أن «حزب الله» تريّث ولم يتأخر في إصدار بيانه حول الغارة. التريّث الذي أملته خطورة الوضع، أوحى بأن موقف الحزب لم يكن انفعالياً. فالبيان يطوي بين سطوره دلالات عديدة. منها أن الحزب لن يتردد في التعامل بندية مع إسرائيل مهما تكن طبيعة المرحلة، وأن أي مسعى من جانبها لتغيير قواعد الاشتباك ستقابله قواعد أخرى من طرفه تضمن عدم الإخلال بالتوازنات القائمة. ومنها أيضاً، أن تعقيدات الواقع اللبناني التي تحيط بالمقاومة لن تشكل عائقاً أمام اتخاذها خطوات جريئة في مواجهة العدو.
على هذا الأساس، لم يتحدث البيان عن احتفاظ الحزب بحقه في الرد، بل تحدث بلغة حاسمة وواضحة بأنه سيردّ. هذا بالإضافة الى أن إدخال مقولة «الزمان والمكان المناسبين» الى الوعيد بالرد، لم يكن نمطياً على ما جرت العادة في أدبيات العرب العسكرية، بل على الأرجح أن الهدف منه إضفاء مصداقية على هذه المقولة وتحميلها دلالة فعلية انطلاقاً من كون الرد هذه المرة حاصلاً وقد يكون قريباً. يدل على ذلك أن البيان قد تمت صياغته بدقة متناهية وتقصّد أصحابه عدم تضمينه أي مفردة بمعزل عن دلالتها الفعلية.
من المستبعد أن لا يبادر «حزب الله» هذه المرة الى الرد. ذلك أن إحجامه عن أي رد على غارة جنتا، مضافا اليها اغتيال القياديين مغنية واللقيس، سيضعه في خانة الإحراج أمام جمهوره وقد يعطي خصومه فرصة للمسّ بمصداقيته.. والحزب في ظرف يحتاج معه الى الرد بسرعة لأن تباطؤه في ذلك سيفسر على خلفية انخراطه في المسألة السورية وتأثيرها على جهوزيته في مواجهة إسرائيل. وفوق ذلك، هو يحتاج الى التأكيد بأن فلسطين ما زالت قضيته المركزية وبأن حربه ضد التكفيريين لم تؤد الى اضطراب أو اختلال في أولوياته.
تسرعَ البعض في اعتبار كمين العتيبة في غوطة دمشق الشرقية رداً على غارة جنتا. هذا الكمين مع ما يمثله من إنجاز نوعي - حيث أدى الى مقتل أكثر من 170 مقاتلاً من الجماعات المسلحة - انما أملته ضرورات المعركة في سوريا، من دون أن يتعارض ذلك مع كونه، في جانب منه، رسالة واضحة الى العدو الإسرائيلي.
فالتكتيك الذي اعتمد في العتيبة قابل للتطبيق في أي معركة مقبلة بين لبنان وإسرائيل. وتقنية تشريك العبوات التي استخدمت في الكمين يمكن تنفيذها على قوافل من الجيش الإسرائيلي في حال حاولت يوماً التقدم باتجاه لبنان.
بعض العرب يريد التطبيع مع إسرائيل قبل السلام وبعده. وحزب الله بالمقابل يريد الانتصار عليها قبل المواجهة المقبلة وبعدها.. أسطر قليلة في بيان قلبت الميمنة لدى العدو على الميسرة وأدخلته في استنفار جدي ومكلف. هذا في وقت يبدو أن الفاصلة بين المواجهة وما قبلها قد لا تكون بعيدة.
http://www.assafir.com/?ref=MiniLogo#!/ArticleWindow.aspx?ChannelID=1&ArticleID=339994
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه