27-11-2024 05:43 PM بتوقيت القدس المحتلة

طلب الإعدام للأسير: تنظيم مسلّح لتأليف «جيش حر»

طلب الإعدام للأسير: تنظيم مسلّح لتأليف «جيش حر»

قال بعض الموقوفين إنّهم لما علموا بهرب الشيخ الأسير مع مرافقيه رموا السلاح، علماً بأنّ معظهم ذكروا أنهم لم يكونوا يعلمون أن المعركة كانت مع الجيش وإنما مع سرايا المقاومة.


طلب قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا الإعدام للشيخ أحمد الأسير وفضل شاكر و٥٥ شخصاً آخرين في ملف أحداث عبرا. وفي ١٠٣ صفحات، استعرض القرار الاتهامي إفادات المدعى عليهم الموقوفين، مستعيداً دقائق أحداث عبرا ودور كل من الأسير وشاكر فيها.

رضوان مرتضى

في ٢٣/٦/٢٠١٣، أوقف حاجز للجيش اللبناني في عبرا اثنين من مناصري الشيخ أحمد الأسير بعد الاشتباه فيهما. وإثر مشادة مع عناصر الحاجز، اقتيدا إلى قيادة الكتيبة ١٤ في الصالحية. وصل خبر توقيفهما إلى الأسير، فثارت ثائرته. استنفر مناصريه، ثم أعطى الأمر لإحدى مجموعاته بإمرة أحمد الحريري والشيخ يوسف حنينة للتوجه إلى حاجز الجيش بسلاحهم لإزالة الحاجز.

من هنا، تبدأ القصّة في وقائع القرار الاتهامي الذي يعيد رسم المشهد، استناداً إلى إفادات الموقوفين. يُكمل سرد الوقائع: فور وصول مجموعة الأسير إلى الحاجز، بادر أحمد الحريري الى مخاطبة الضابط المسؤول قائلاً: «بدك تشيل الحاجز». فردّ عليه الضابط: «رجاع لورا»، لكنه لم يمتثل وراح يصرخ عليه، ثم انهمر الرصاص على عناصر الحاجز، فاستُشهد ضابطان على الفور وأصيب أحد العناصر. عندها ردّ عناصر الجيش لتندلع الاشتباكات بين مسلّحي الأسير وبينه، ثم انفجر الأمر بإطلاق محمد النقوزي المعروف بـ«أبو حمزة» صاروخ لاو على ملالة عسكرية، ما تسبب باحتراقها بمن فيها.

هكذا بدأت المواجهة بين الجيش ومسلّحي الأسير. إثر ذلك، سارع قادة المجموعات لدى الأسير الى إرسال رسالة نصية مشفّرة إلى عناصرهم بمضمون «تامر»، الكلمة التي تعني «وجوب الالتحاق الفوري بالمجموعة». وهكذا كان، التحق العناصر بنقاطهم المحددة لتبدأ عمليات القنص وتقطيع أوصال صيدا والمناطق المحيطة بعبرا. وانتهت المعركة بدخول الجيش إلى مقرّ الأسير بعد ثلاثين ساعة من الاشتباكات المتواصلة. وعلى شاكلة نهاية أحداث نهر البارد، تمكن الرأس المدبّر الشيخ الأسير وفضل شاكر ومجموعة من المقرّبين منهما من الفرار بطريقة غامضة، فيما اعتُقل عدد من مناصريهما بموجب لوائح اسمية. في هذه المعركة، سقط للجيش عشرون شهيداً ونحو مئة وخمسين جريحاً.

وكشف الاستماع إلى إفادات الموقوفين عن وجود تنظيم مسلّح أنشأه الأسير قائم على تدريب مجموعات وتسليحها وتقسيمها تبعاً لتسميات البقع الجغرافية المحيطة بمسجد بلال بن رباح. وكشفت أن الأسير وزع عناصر مسلحة على شقق تطل على الشوارع الرئيسية في صيدا كي يستطيع إقفال الشوارع فيها في حال تعرضه لهجوم.

في مضمون القرار الاتهامي، يكاد يُجمع معظم الموقوفين على أن الدافع الكامن وراء التحاقهم بالشيخ الأسير كان إعجابهم بأسلوبه ومنطقه الذي يُحاكي مخاوفهم. وبعيداً عن الرواتب الشهرية التي كان يدفعها الأسير والتي تتراوح بين ٥٠٠ ألف ليرة و١٣٠٠ دولار أميركي للعاملين معه تبعاً لوظيفة كل منهم، يفيد بعض الموقوفين بأن المشوار العسكري بدأ مع إنشاء الأسير «كتائب مقاومة مسلحة لقتال إسرائيل ورد اعتداءات سرايا المقاومة». خضع على أثرها معظم مريدي الأسير لدورات عسكرية على أيدي مدربين وخبراء، كان من بينهم شقيقه أمجد وصديقه عبد الرحمن شمندر.

وأفاد هؤلاء بأن الأسير في المدة الأخيرة صار يحثّ أنصاره على محاربة الجيش ويدعو أهل السنّة إلى ترك الجيش وتأليف جيش حر. وورد في الإفادات أيضاً، إشارة المقرّبين من الأسير إلى أن الشيخ بدأ يجمع الأسلحة والذخائر والقنابل منذ نحو سنة قرب المسجد. وينقل هؤلاء أن كلاً من فادي السوسي الملقّب بـ«نوح» ومحمد البيروتي توليا المسؤولية العسكرية في التنظيم السري المسلّح. وشارك هذان إلى جانب آخرين في تدريب المجموعات وتوزيعها.

ويتطرّق القرار الاتهامي إلى مسار المعارك استناداً إلى إفادات الموقوفين، لكنّ الإشارة إلى تحرّكات الأسير وفضل شاكر خلال المعارك تكاد تكون مغيّبة. وإضافة إلى ذكر أنّ الشيخ كان المحرّض للهجوم على حاجز الجيش واقتلاعه، يرد ذكر الأسير في إفادة المدعى عليه أحمد هاشم، الذي طلب منه الشيخ جلب ماكينة حلاقة حيث حلق لحيته، طالباً إليه نقل زوجتيه وبعض النساء إلى الهلالية.

وينقل هاشم أنّه سمع الشيخ يقول إنه «سيهرب إما إلى عين الحلوة أو إلى طرابلس». كما يرد ذكرهما في إشارة بعض الموقوفين الذين قالوا إنهم شاهدوا الأسير وشاكر في الملجأ مع النساء والجرحى. كما ينقل أحد الموقوفين أن شاكر هرب مع مجموعة مسلحة عبر سلوك طريق خلفية قرب موقف للسيارات، كاشفاً أنهم سلكوا الطريق التي نقل عبرها المدعى عليه هاشم زوجتي الأسير إلى الهلالية ليعود ويُخبر الشيخ بأنها خالية من الحواجز.

وبعد هربهم، تبعهم الأسير داخل سيارة مرسيدس من نوع «شبح»، بحسب ما أفاد أحد الموقوفين. وقال بعض الموقوفين إنّهم لما علموا بهرب الشيخ الأسير مع مرافقيه رموا السلاح، علماً بأنّ معظهم ذكروا أنهم لم يكونوا يعلمون أن المعركة كانت مع الجيش وإنما مع سرايا المقاومة.

كذلك يشير القرار الاتهامي إلى أن الشيخ محسن شعبان، أحد المدّعى عليهم في القضية والذي أُخلي سبيله، عرّف الأسير على عدد من قياديي «الجيش السوري الحر»، كاشفاً أنّه رتّب له زيارة جوسيه ونقله بسيارته الخاصة. وُنقل في إفادة الشيخ شعبان ذكره، أنه خلال الاجتماع جرى الاتفاق على بيعه السلاح وإرسال مجموعات للقتال في سوريا. ونقل في إفادته الأولية أنّه اعترف بنقل السلاح المشترى إلى مجمع الشيخ الأسير ونقل العديد من المقاتلين إلى سوريا لمساعدة الثوار، لكنه تراجع عن إفادته ليقول أمام القاضي إنها انتُزعت منه تحت الضرب. كما يذكر شعبان أن أمجد الأسير، شقيق الشيخ الأسير، اتصل به طالباً منه إحضار سيارة عليها رقم دار الإفتاء وألبسة شرعية للرجال والنساء حتى يتمكن الشيخ ومرافقوه من الهرب، لكنّه لم ينجح.

ويتطرق مضمون القرار إلى واقعة تعرّف الشيخ الأسير إلى المدعو خالد عامر الذي كان مقاتلاً في سوريا ضمن صفوف كتيبة الفاروق، علماً بأنه خبير تصنيع عبوات ناسفة. وقد عرض عليه الأسير المساعدة في تدريب عناصره على صنع العبوات. فترك الأخير سوريا بعد سقوط القصير، بناءً على طلب قيادي في «فتح الإسلام» يعرف بـ«أبو أحمد حمية» لنقل المعركة إلى الداخل اللبناني رداً على مشاركة حزب الله في القتال في سوريا، والتحق بعدها بتنظيم الأسير وشارك في معارك عبرا.

وختم القاضي أبو غيدا قراره بالإشارة إلى ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات وقذائف الهاون في مجمع الأسير. ومصادرة أجهزة إلكترونية وسيارات، مشيراً إلى أن كاميرات المراقبة في المكان بيّنت إقدام المدعى عليهم على إطلاق النار على عناصر الجيش.

وفي المسار القانوني، قسّم القاضي المدعى عليهم البالغ عددهم ٧٤ شخصاً إلى مجموعات، قاسمها المشترك طبيعة الأفعال التي ثبت ارتكابهم لها. تشمل المجموعة الأولى المدعى عليهم الذين أطلقوا النار على الجيش وقتلوا عناصره، من بينهم الأسير وشاكر، وأفعالهم تنطبق عليها أحكام المادة ٥٤٩ من قانون العقوبات التي يصل حكمها إلى الإعدام، فيما تشمل المجموعة الثانية المدعى عليهم الذين لم يعترفوا بإطلاق النار على الجيش، لكن ثبت انتماؤهم للمجموعات المسلحة وحملوا السلاح في نقاط تمركزهم أثناء الاشتباكات.

الأولى والثانية هي الأبرز، أما المجموعات الثالثة والرابعة والخامسة فتتدرج من المدعى عليهم المنتمين إلى المجموعات المسلحة التي حملت السلاح يوم الاشتباكات، وأولئك الذين انحصر دورهم بالأمور الإدارية واللوجستية، ثم المدعى عليهم الذين لم تقم أدلة بحقهم حول اشتراكهم بالحادث مع الجيش. وقد تدرجت التهم بدءاً من تأليف تنظيم مسلّح والانتماء إليه بهدف القيام بأعمال إرهابية. ومهاجمة مراكز للجيش وقتل ضباطه وعناصره عمداً، والاعتداء على القوى العسكرية أثناء قيامها بالوظيفة، وحيازة أسلحة حربية ومتفجرات وصواعق من دون ترخيص، وإلقاء خطب تمسّ بالمؤسسة العسكرية ووحدتها وتعمل على شحن النفوس وبثّ النعرات الطائفية والإخلال بالسلم الأهلي.

http://www.al-akhbar.com/node/201731

  موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه