للوهلة الأولى، يخيّل إليك أنك في دولة تحرص على احترام القوانين. ويخيّل إليك أنك أمام رجال دولة ومسؤولين حملتهم مناقبيتهم وأخلاقهم وماضيهم وحاضرهم الى حيث هم اليوم
ابراهيم الأمين
للوهلة الأولى، يخيّل إليك أنك في دولة تحرص على احترام القوانين. ويخيّل إليك أنك أمام رجال دولة ومسؤولين حملتهم مناقبيتهم وأخلاقهم وماضيهم وحاضرهم الى حيث هم اليوم. ويخيّل إليك أنك أمام مؤسسات يحرسها المسؤولون عنها برموش عيونهم. حتى إنك مثلما يوقفك شرطي ضبطك مخالفاً، فتبتسم له وهو يحرر لك المخالفة، تكاد تبتسم أنك أمام دولة تحفظ حق ناسها من خلال حفظ حقوق مؤسساتها ورموزها.
لكن، ليس عليك سوى فرك العينين!
جوقة من عملاء السفارات. هم هكذا، والله (بكسر الهاء) هم هكذا. هم يكتبون تقارير عن زملائهم حيث يعملون، وعن رؤسائهم في أحزابهم، وعن جيرانهم في الحي، وعن قاطني الشقة المقابلة حيث يسكنون. هم هكذا، حفنة من العملاء الصغار الذين لو دقّق أي مسؤول في مصدر «رزقهم» وقبلوا الكشف عن سرّيتهم العقارية والمصرفية، لبانت حقيقتهم. عملاء صغار. ثم هم صغار حتى بما يتقاضونه من بدلات عن أعمال الوشاية والفتنة التي يمتهنون.
هؤلاء، يتولّون مسؤوليات في البلاد اليوم. يتولّون سلطات ووزارات ومؤسسات عامة وخاصة، ويستولون على منابر رسمية ودينية وثقافية وإعلامية.
هؤلاء، يتحكمون في موازنات عامة، وأخرى خاصة حصلت باسم المركز العام، وأنفقت على الخواص. ساعة اسمها مصاريف سرية، وساعة اسمها هدايا. هم يسرقون كل شيء. لا هم لديهم سوى الاحتفاظ بكل ما حصلوا عليه باسم الطائفة أو المذهب أو الوفاق. والأكثر قساوة في واقع هؤلاء، من صار منهم رئيساً بالصدفة، أو وزيراً بالصدفة، أو نائباً بالصدفة.
ثم يريدون إعطاء الدروس في العدالة والنقاوة والطهارة والوطنية والشرف والحريات أيضاً!
ما علينا، نحن اليوم في مواجهة مع: ميشال سليمان بوصفه منتحل صفة رئيس للجمهورية، وكذلك في مواجهة مع أشرف ريفي بوصفه منتحل صفة وزير للعدل. وقد نكون غداً في مواجهة ـــ نحن لا نريدها، ولكننا لا نخشاها ـــ مع سلطة قضائية، باتت في نسخة هيئة محكمة المطبوعات أقرب الى محاكم التفتيش التي تعمل عند سلطان الموت والقهر.
الرئيس المزوّر
فقط، وقبل مناقشتك في أي أمر، هل أنت مستعد، يا من يسمّونك رئيساً للجمهورية، أن تحلف اليمين أمام قاض، وأن تروي لنا كيف زوّرت مع المرحوم وفيق جزيني ورضا الموسوي جوازات سفر فرنسية لكم أنتم الثلاثة، ولجميع أفراد عائلاتكم، يوم كنت قائداً للجيش؟
هل لك أن تروي لنا كيف فعلت ذلك، ثم رحت تتوسط لكي تسحب السلطات الفرنسية أمر ملاحقتك، بحجة أنك لم تستخدم هذه الجوازات أبداً؟ وهل لك أن تروي لنا من قدّم لك هذه الخدمة؟
هل لك أن تروي أمام القاضي نفسه كيف تعرفت الى غازي كنعان وإبراهيم صافي، ثم كيف وأين كنت تزورهما قبل أن تصير قائداً للجيش؟
هل لك أيها البطل المغوار أن تروي لنا أين كنت، وماذا فعلت، يوم هاجم إرهابيون، هم الرعيل الأول للتكفيريين الذين يقتلون أبناء شعبك اليوم، جنودك وضباطك في الضنية؟
هذه عيّنة أولى، وهي الأسهل من أسئلة سوف تلاحقك حتى بعد مغادرتك، غير مأسوف عليك، القصر الجمهوري. وسوف تطالعك أينما حللت وأينما ذهبت. لكن، لنجعلها بروفة لمواجهات أقسى مقبلة... وحتى لا تتهمنا بأننا نصبنا لك كميناً، ها نحن نعطيك طرف الخيط في مسألتين حديثتين: جمعية «يدنا» التي تتولى «سيدتك الأولى» رئاستها «مدى الحياة»، و«هوامش» الهبة السعودية لدعم الجيش اللبناني!
الوزير القبضاي
أما الوزير القبضاي، فهو من الذين ينتظرون فراغ علية القوم من الطعام حتى ينال حصته من الفتات، ومع ذلك:
هل لك، أيها الجنرال المتضامن مع جنرال مثلك، أن تعيد علينا سرد رواية «عصيانك» أوامر وزير الداخلية ـــ رئيسك ــ وقررت أن تقوم بما قررت أنت أنه المناسب، وذلك قبل أن تتهمنا بـ«التحريض على العصيان»؟
هل لك أن تقلد زملاء لك في المهنة، وضباطاً كانوا تحت إمرتك، وأن تعطينا جدولاً واضحاً بطريقة إنفاقك للمصاريف السرية، وأن نترك لهيئة متخصصة، قضائية وأمنية، التدقيق في ما إذا كانت صُرِفت في سبيل الخدمة العامة؟ أم ماذا تريدنا أن نقول عن احتفاظك أنت وحدك بمبلغ لا يقل عن مليار ليرة من النفقات السرية سنوياً، بلا حسيب ولا رقيب، وبذريعة أن القانون يتيح لك إنفاقها خارج أي أصول محاسبية؟ أم تريد لوسام الحسن أن يخرج من قبره ليروي لنا (ورفاق له لا يزالون أحياء) كيف تم استخدامها لشراء ذمم رؤساء عصابات يضربون بسيف السلطان بعد الأكل من صحنه؟
هل تتّكل أن طرابلس اليوم ليست في حال يتيح لأحد من الشرفاء الحقيقيين فيها نشر لائحة خدماتك العامة في إنشاء العصابات المسلحة في طرابلس، ورعايتك كل أنواع المخالفات في عاصمة الشمال، من تحكّم المسلحين في المدينة إلى استيفاء الحق بالذات إلى انتشار عادة الثأر إلى مخالفات البناء التي لك «من طيبها نصيباً»... وصولاً إلى استيلاء المتطرفين على الخطاب السياسي في المدينة؟
هل تعرف، أيها الجنرال، أن أسوأ ما في بيانك أمس هو خاتمته التي قلت فيها «إن تطبيق القانون هو المعبر الإلزامي لإعادة بناء دولة المؤسسات». هل تظن فعلاً أنه يمكن إرغام اللبنانيين على التصديق بأنك حقاً وزيراً للعدل؟ ألا تعرف أن هناك «تعارضاً أصلياً» بينك وبين دولة القانون والمؤسسات، وأنكما كالزيت والماء، لا تختلطان؟
بإمكانك، ومعك كل صحبك، أن تقنع من ترغب أيضاً بأنك وزيراً للعدل. وإذا كانت هناك قوى سياسية في البلاد، من هنا وهناك، قبلت بهذا الموقع لك، فإن كل ذلك لا يغيّر شيئاً في حقيقتك التي نعرفها جيداً، قائداً لميليشيا في طرابلس، منذ أن كنت مديراً عاماً للأمن الداخلي.
أخيراً، فكرة التلويح باللجوء الى القضاء، احتجاجاً على نقد هنا أو تشهير هناك، لن تغيّر في واقع الحال.
في حالتنا نحن، في «الأخبار»، نقولها لمن يريد أن يصمّ أذنيه من رؤساء، ووزراء، ونواب، وسياسيين، وأحزاب، ونقابات، وصحافيين، وقضاة، وأمنيين، ورجال أعمال، وتجار مخدرات، وللقتلة، ولعملاء إسرائيل وغيرها من دول الاستعمار....
نحن لا نخشاكم، لسبب وحيد، وهو أنكم لا تعرفون معنى الكرامة الحقيقية.
لم تحظَ أحضانكم بضمّ جثمان مقاوم شهيد. ولم تحظَ نحوركم بلهاث أم تركض لاستقبال ابنها المقاوم. ولم تتّسع صدوركم لهواء حر، نقي، ليس فيه سموم عدوّ أو عميل. لم تعرفوا يوماً النوم في حماية الله ورجاله.
ولأنكم كذلك، تعتقدون أنه يمكنكم، وببساطة، النيل من مقاومة أخذت منّا الدماء، ولها المزيد متى أرادت. فهل نخشى على ماء الوجوه معكم؟
اركبوا أعلى ما في خيلكم... والسلام!
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه