أزهرت اللوزيّات قبل أوانها في البقاع، أمّا في الساحل فعقّدت، وباتت على مشارف النضوج. المزارعون في حيرةٍ من أمرهم، فالشحّ الذي يهدّد المزروعات من دون استثناء، يدفعهم إلى إعادة النظر في ما إذا كانوا...
أزهرت اللوزيّات قبل أوانها في البقاع، أمّا في الساحل فعقّدت، وباتت على مشارف النضوج. المزارعون في حيرةٍ من أمرهم، فالشحّ الذي يهدّد المزروعات من دون استثناء، يدفعهم إلى إعادة النظر في ما إذا كانوا سيغامرون في زرع البطاطا والخضار، أم لا. النحّالون تداخلت مواسمهم، مع استعجال الزهر، وتغيّرت مواعيد العسل.
باسكال صوما / جريدة السفير
ها هو آذار يقلّب أيّامه، والشمس ساطعة ولا أمطار ولا من يحزنون. رسميًّا لا إجراءات حمائيّة للزراعة، وليس من يأبه لكارثة حقيقيّة تهدّد قطاعًا بأكمله، فالجميع منشغلٌ بالحكومة الجديدة وبيانها الوزاريّ المرتقب. هذا باختصار المشهد الزراعي اليوم.
يشير رئيس «جمعية المزارعين» أنطوان الحويّك لـ«السفير» إلى أنّ «المطر المتساقط حتى الآن لم يملأ سوى ربع الينابيع والبرك، ما ينبّئ بأنّ الزراعة أمام كارثة كبيرة، إذا ما مرّ آذار الحالي من دون أمطار».
ويسأل: «كيف سنسقي المزروعات في الصيف، إذا كانت معظم الأصناف والأراضي تشرب من الينابيع أو مصالح المياه أو مشاريع الريّ المشتركة، التي تعاني مجتمعةً من الشحّ؟». ويؤكّد أنّ «تبعات الجفاف لا تقتصر على صنف دون الآخر، فكلّ الأشجار المثمرة إضافةً إلى الخضار والكرمة، ستتحمّل عبء الوضع الصعب، وأشجار كثيرة من التفاح والكرز وغيرهما معرّضة لليباس في حال لم تتساقط كميات كافية من الأمطار خلال الأسابيع القليلة المقبلة».
حلول بديلة
أمام هذا الوضع، يرى الحويّك أنّه «من الضروري البدء بالتفكير بحلول بديلة في حال استمرّ الوضع على ما هو عليه، ولم ترحم السماء المزارعين». ويقترح «توزيع أنابيب ري بالتنقيط على المزارعين لتوفير المياه، علمًا أنّ بلديات بعض القرى، بدأت بخطوات من هذا النوع، تفاديًا لكارثة اليباس التي بدأت تلوح في الأفق».
ويطالب الدولة «بتسهيل تراخيص حفر الآبار، ليستطيع المزارعون ري أراضيهم»، مضيفًا: «مطلوب أيضاً تسهيل الحصول على تراخيص لتعميق الآبار الموجودة حاليًا التي لا يزيد عمقها عن 70 أو 100 متر، لأنها جفّت أو ستجفّ قريبًا».
ويُعرب مزارعون لـ«السفير» عن «تخوّفهم من الوضع الزراعي»، مشيرين إلى أن «هذا الشح يشكّل سابقة حقيقيّة لم تحصل منذ سنوات». ويأسفون لكون «الدولة غير محضّرة لأخذ أيّة إجراءات لحماية الزراعة من اليباس والتلف»، آملين أن «يكون آذار ونيسان أكثر كرمًا من الأشهر السابقة».
تخفيف الخسائر
عن إمكانية معالجة المشكلة في حال تساقطت الأمطار خلال آذار الحالي، يقول مسؤول قطاع الخضار والخيم البلاستيكية ورئيس منطقة الجنوب في «جمعية المزارعين» رامز عسيران لـ«السفير»: «نحن نتمنّى ذلك، لكنّ تساقط الأمطار الآن، لن يقلل سوى 10 أو 20 في المئة من الخسائر المتوقّعة في القطاع».
يتطرّق عسيران إلى الموز والحمضيات، مشيرًا إلى أن «موسم الموز كان جيّداً، باستثناء موجة الجليد التي ضربته وأدّت إلى خسائر تقدّر بـ20 في المئة من المحاصيل. أمّا الحمضيات فلم تتأثّر بالجفاف خلال هذا الموسم بشكلٍ كبير، لأنها من المزروعات التي تُسقى في الصيف». يستدرك قائلاً: «لكن مع هذا الشح كيف سيكون الحال في الصيف؟ من أين سنسقي الحمضيات والموز؟»، موضحًا أنّ «هذه المزروعات تُسقى بعدما يتوقّف تساقط الأمطار بحوالي عشرين يوماً، ومع الشح الذي نعيشه، منذ فترة، علينا البدء بالتفكير بطريقة نسقي بها الحمضيات والموز».
الأكثر تضرّرًاً
يفيد عسيران بأنّ «المزروعات البعلية هي الأكثر تضرّراًً، أي التفاح ومجمل الزراعات الجبلية التي تعتمد على الأمطار، وليس هناك أنابيب أو أي وسيلة أخرى لريّها»، مشيراً إلى أنّ «المزروعات غير البعليّة تتحمّل بدورها عبئاً كبيراً أيضاً، لأنّ الينابيع والبرك ومشاريع الريّ من مشروع الليطاني والقرعون، كلّها تواجه أزمة الجفاف».
إلّا أنّ عسيران يختم حديثه بالقول: «علينا ألّا نستبق الأمور، فحتّى الآن لا يمكننا تحديد حجم المشكلة، علينا أن ننتظر ما إذا كان الطقس سيتغيّر حتى نهاية آذار الحالي، أم أنّه سيكون على الزراعة أن ترفع العشرة».
شهيب يستنفر الطاقات
شدد وزير الزراعة أكرم شهيب على استنفار الطاقات وتوظيف القدرات المتاحة لمعالجة الآثار السلبية التي قد تنشأ عن ندرة المتساقطات، وتأثيرها على المواسم الزراعية.
وأكد شهيب أمس، خلال لقاء العمل الذي ضمه إلى المدير العام للزراعة لويس لحود، رئيسة «لجنة المشروع الاخضر» غلوريا أبي زيد، ومدير عام «مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية» ميشال افرام، على أولوية مواجهة تراجع معدل الأمطار هذه السنة، والتعاون مع الوزارات والادارات المعنية لمساعدة المزارعين.
من جهة ثانية، اطلع شهيب من لحود على مجريات اجتماع الدورة 32 لـ«منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة» (الفاو) التي عقدت في روما، والتوصيات الصادرة عنها. كما نقل لحود ما جرى خلال الاجتماع الذي ضمّه إلى مدير عام منظمة «الفاو». ودعا شهيب إلى البدء بالتحضيرات لهذه الاستضافة، وانجاز الترتيبات المتعلقة بإنشاء المكتب شبه الإقليمي لـ«الفاو» في بيروت.
وكان شهيب قد استقبل سفيرة الهند آنيتا نيار في زيارة تعارف وتهنئة، وبحث مع السفير المصري أشرف محمد حمدي في العلاقات الثنائية والتعاون الزراعي.