يدق الكورانيون ناقوس الخطر محذرين ليس من تراجع إنتاج الزيتون والزيت الكوراني وحسب، ولكن من انقراض شجرة الزيتون لإحاطتها بجملة عوامل سلبية مهددة لها بالرغم من وجود نقاط قوة عديدة تميزها، وقد وصلت....
يدق الكورانيون ناقوس الخطر محذرين ليس من تراجع إنتاج الزيتون والزيت الكوراني وحسب، ولكن من انقراض شجرة الزيتون لإحاطتها بجملة عوامل سلبية مهددة لها بالرغم من وجود نقاط قوة عديدة تميزها، وقد وصلت أعدادها في سهول الكورة إلى مليوني شجرة تراوح أعمارها بين عشر سنوات وستة آلاف سنة.
فاديا دعبول / جريدة السفير
في حين تتصاعد شكواهم من ضعف الموارد المائية المستدامة ما يمنعهم من ريّ حقولهم بسبب انحباس الأمطار أو تأخرها، تتعرض ثمار الزيتون إلى الجفاف والسقوط وتتدنى نوعية الزيت المستخرج منها وارتفاع نسبة الأسيد فيه. علماً أنّ مشروع سد داربعشتار ما زال منسياً بالأدراج، بالرغم من أهميته في إنعاش أراضي الكورة الزراعية التي تعتمد بنسبة 97 في المئة على الزراعة المطرية.
ويذكر أنّه منذ خمسينيات القرن الماضي، طرأت تغيرات جذرية على الحياة في الكورة، ولم تعد زراعة الزيتون فيها تشكل نمطاً للحياة وطريقة للمعيشة كما في السابق، بحيث أنّ اقتناء الجرارات الزراعية ساهم في اقتلاع جذور الأشجار، وتقلص أعداد حيوانات الحراثة حتى اختفائها كلياً وافتقاد التربة جراء ذلك السماد الحيواني الطبيعي.
وأدى ذلك إلى تراجع خصوبة التربة، وضعف الأشجار، وإصابتها بالأمراض، ولا سيما مرض عين الطاووس، في الكورة الوسطى، بعد بيع التراب إلى شركات الإسمنت التي حوّلت السهول في فصل الشتاء إلى مستنقعات تساهم في ارتفاع نسبة الرطوبة في الهواء وتؤدي إلى تفاقم الأمراض. كما أنّ الاستعمال المفرط للأسمدة الكيميائية التي تعطي إنتاجاً مضاعفاً، بادئ الأمر، تتسبب في تشكيل تصحر غير مرئي يصيب الأراضي المصنفة بشبه الجافة، بحيث يرتد استعمال هذه الأسمدة المرتفعة الثمن أكلافا إضافية من دون زيادة في المردود.
ما يفاقم سوء حال المزارعين، أن الكورة التي اشتهرت منذ القدم بزيتها الخضير البكر الممتاز، وهي تنتج منه في سني الإقبال ستة آلاف طن، أي ما يوازي 20 في المئة من إنتاج لبنان من الزيت، تغزو حالياً أسواقها الزيوت الأجنبية والزيوت المغشوشة وتباع بأسعار متدنية. ما جعل المزارع الكوراني غير قادر على المنافسة، بحيث يبقى قسم كبير من زيته في المخازن أو يباع بأسعار السوق من دون تحقيق أرباح أو بخسارة. وهذا الواقع المأساوي أدى مع السنوات إلى إهمال صغار المزارعين لأرزاقهم وتراجع الإنتاج.
تجاه هذا الواقع، يطرح الرئيس المؤسس لـ«مجلس إنماء الكورة» المهندس الزراعي جورج جحى سلسلة إجراءات تعتمد على تخفيض كلفة الإنتاج من طريق العمل التعاوني المتخصص، كحل مؤقت، بعدما فشلت الجمعيات التعاونية الزراعية في أداء مهامها، وقد اقتصر عملها على استلام وتوزيع مساعدات عينية على شكل هبة من وزارة الزراعة.
ويشجع جحى على الزراعة الحافظة تحت أشجار الزيتون، في حين أنّه يعتمدها ويروج لها منذ العام 2008. ويرى أنه بالإمكان اعتماد القطاف الآلي بعد تقليم الأشجار بقسوة وإعادة تكوين شكلها لتمكين الآلات من قطافها. ويشدد على أنّ تصدير زيت الزيتون الكوراني المشهود له بالجودة، يتوقف على تمتعه بمواصفات تنافسية في الأسواق المحلية، العربية والدولية.
ويعرض جحى العمليات الحقلية المؤثرة في تحسين نوعية الزيت والمتوقفة بغالبيتها على المزارعين من حيث مكافحتهم للأمراض والحشرات التي تصيب الأشجار، وعملهم على زيادة خصوبة الأرض، بإضافة الأسمدة الكيميائية والعضوية إلى حقولهم، وعدم المباشرة بقطاف الزيتون قبل نضج ثماره بنسبة 50 في المئة، وعصره بعد ثماني ساعات في معاصر نظيفة. ويعتبر جحى أنّ تخزين الزيت في أوعية من الفولاذ غير القابل للصدأ أو من الفخار ضروري، على أنّ يصفى الزيت للمرة الأولى بعد مرور ستة أسابيع على عصره، وفي المرة الثانية بعد شهرين، ويحفظ في مكان بارد وجاف.
وينصح بمزج الزيت بخزانات كبيرة «تعاونياً» لتوحيد المواصفات، ولا سيما الأسيد والبيروكسايد. ويرى أنّ هذا الإجراء أساسي، ليتمكن أصحاب الزيت من بيعه بالجملة أو تصديره للخارج.
ويطرح جحى حلاً «جذرياً»، بعد دراسة أعدها المجلس، للحفاظ على شجرة الزيتون وتطوير هذا القطاع وتسويق إنتاج المزارعين وعدم كساد مواسمهم، وذلك من طريق إنشاء تعاونية جديدة لمالكي بساتين الزيتون في الكورة تكون بمثابة شركة تجارية لتسويق وتصريف الزيت. وتقوم هذه الشركة على توعية وتوجيه المزارع في الأعمال الحقلية من خلال الإرشاد.
ويدعو لاعتماد المعاصر الحديثة، وتجهيز مختبر الزيت، وأجهزة مزجه، ومخازنه، وأجهزة التعبئة، وإعداد العلامات التجارية، والتدريب على التذوق الحسي له. ويولي أهمية لإدارة الجمعية التعاونية أي «الشركة التي تنتخب الهيئة العامة، عملاً بأحكام النظام الداخلي، ومجلس إدارة يقوم بدوره باستخدام موظفين وعمال للإدارة والتشغيل».
وكان المجلس قد وجه دعوة للمشاركة في استنباط الحلول الملائمة، للمحافظة على هذه الشجرة الدهرية وإنقاذها قبل فوات الاوان. ويبدي جحى خشيته من أن «تلحق الكورة الشويفات التي خسرت زيتونها، وقد كانت تلقب بصحراء الزيتون».
ويبقى السؤال من هي الجهة التي يمكنها أن تأخذ على عاتقها تنفيذ مشروع المجلس لإنقاذ شجرة الزيتون في ظل جمود برامج التعاونيات الزراعية، وعجز الدولة عن النهوض بهذا القطاع، ولا سيما انّ مساحة حقول الزيتون في الكورة تقدر بـ5496 هكتاراً، وهي تشكل نسبة 86 في المئة من مساحـة الأراضي الزراعية التي تقدر بـ6393 هكتاراً.