الصمود الأسطوري للدولة السورية شعباً وجيشاً وقيادة على مدى ثلاث سنوات ونيف، أبهر العالم وجعل الروسي يقف بصلابة في المحافل الدولية وفي شتى الميادين الى جانب حليفه السوري.
إبراهيم عبدالله
الصمود الأسطوري للدولة السورية شعباً وجيشاً وقيادة على مدى ثلاث سنوات ونيف، أبهر العالم وجعل الروسي يقف بصلابة في المحافل الدولية وفي شتى الميادين الى جانب حليفه السوري، ما اغاظ الأميركي وأتباعه، فقرر الضغط على الروسي من خلال "تأديبه" على مواقفه تلك التي وقفت حجر عثرة في وجه طموحاته في تدمير الدولة السورية في سبيل إقامة مشروع الشرق الأوسط الكبير، فأوعز لأدواته الأوروبيين بتفجير الوضع في الخاصرة الروسية لثنيها عن تقديم الدعم لسوريا وتقديم التنازلات مقابل تهدئة الأوضاع في أوكرانيا قلب روسيا.
فقرر الغرب من خلال تصرفاته في كييف إتباع سياسة حافة الهاوية مع قيصر روسيا، فتم الإنقلاب على الإتفاق الذي حصل بين المعارضة والرئيس الأوكراني، وجرى من خلاله السيطرة على البلاد وعزل الرئيس الشرعي بالمفهوم الروسي، وتدحرجت الأمور دراماتيكياً في الأسبوعين الماضيين الى أن عقد الرئيس بوتين مؤتمره الصحفي الأخير دالاً على أمور كثيرة.
الرئيس بوتين يتصدر المشهد في روسيا بدل وزارة الخارجية، للإجابة عن ما يحصل بشكل مباشر بعكس ما كان سائداً في السابق عن طريق وزارة الخارجية أو رئيس الديبلوماسية الروسية، وخاصة أن العالم كان ينتظر ليرى ماذا سيفعل بوتين .
في هذا الاطار يرى الأستاذ في القانون الدولي في الجامعة اللبنانية حسن جوني في حديث لموقع المنار ضمن قراءة في الخطاب، أن تركيز بوتين كان على "إحترامه لمبدأ القانون الدولي العام ، كونه يعتبر أن الحاصل في هذه المنطقة يجب ان يكون تحت سقف القانون الدولي العام، وحتى اللحظة تدخل روسيا في أوكرانيا يندرج ضمن الإتفاقيات المنصوص عليها في الأمم المتحدة"، وأن روسيا لم تتدخل في شؤون اوكرانيا الداخلية بشكل مباشر، مع توجيه الإنتباه على شرعية الرئيس الأوكراني، معتبراً أن طلب الرئيس المخلوع هو طلب شرعي وقد يلبي هذا الطلب من الرئيس الشرعي بمفهوم بوتين رغم أنه لم يعد يسيطر على شيء في أوكرانيا نتيجة إنقلاب المعارضة الأوكرانية المدعومة من الغرب، لافتاً الى "أن الرئيس بوتين يريد التركيز على الشرعية الدستورية وعدم حصول أي تغيير خارج الدستور ويحدد النقاط الرئيسية التي على أساسها يتغير الرئيس وخصوصاً في أوكرانيا" .
ورأى جوني أن "هذا التركيز على المشروعية القانونية رسالة للغرب وأميركا بأن تأمين الحريات والديمقراطية لا يأتي بالإنقلابات،وهذا يعتبر شيئا جديدا تخطه روسيا في علاقتها مع الغرب من خلال إعطائها الدروس لهم ولأول مرة في موضوع الحريات والديمقراطية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان .
الأمر الثاني الذي يشير اليه جوني هو "أن الرئيس بوتين أعطى معلومة مهمة جداً هي أن العسكر الموجود في جزيرة القرم ليسوا من الجيش الروسي بخلاف المعلومات الشائعة" وأنه لا وجود عسكرياً روسياً في الجزيرة ، ولكن الرئيس بوتين حدد بأنه ليس من الضرورة في الوقت الراهن التدخل العسكري في أوكرانيا ولكن قد يكون العكس صحيح في المستقبل،وهذا رهن بتدخل اوروبا والولايات المتحدة الأميركية، باختصار لقد برهن بوتين عن إمتلاكه لعدة أوراق ملوحاً بها دون أن يستخدمها كونه يعلم جيداً مكامن القوة لدى روسيا.
ولفت الى أن الرئيس بوتين عزا تدخله لإرتباط البلدين بثقافة واحدة ودين واحد وإقتصاد واحد وتاريخ بعكس الاميركي الذي إحتل افغانستان والعراق ولا تربطه بهم أدنى أي علاقة أو ثقافة .
ورأى جوني أن كلمة بوتين كان فيها نوع من مد اليد والتعاون مع الغرب لأنه لا مصلحة لأحد بتقسيم أوكرانيا وقبل أن يتحدثوا عن العقوبات عليهم ان يدرسوا ذلك جيداً كي لا يعاقبوا انفسهم، بمعنى أن العقوبات وعدم التعاون الإقتصادي لن يضر فقط روسيا، بل يضر تلك الدول التي تتخذ العقوبات.
وأشار الى أن النقطة المهمة في مؤتمر بوتين الصحفي هي مسألة قمة الثماني من خلال التهديد بتعطيل القمة ، فيرى بوتين أنه لا ضير في ذلك وبهذا يرسل رسالة الى الغرب والإدارة الاميركية لا يطلب منهم بالرجوع عن قرارهم ، وبأنه لن يتأثر من ذلك الإجراء وهذا يعني ان الرئيس بوتين ينطلق من منطلق القوة والإحترام والندية ، ومن منطلق ان أوكرانيا خط أحمر.
روسيا ماضية ... حتى لوتطلب الأمر سحب السفير الروسي من واشنطن
ولفت ان المؤتمر لم يكن موجهاً الى الشعب الأوكراني فقط بل الى الأعداء أيضاً بأنه مستعد للذهاب الى الآخر حتى ولو تطلب الأمر سحب السفير الروسي من اميركا وقطع جميع العلاقات معها، لأن الوضع خطير جداً كون الصراع ليس فقط على أرض أوكرانيا بل الصراع على قلب روسيا من الداخل، وبالتالي لن يسمح دون ادنى شك من اخذ أوكرانيا الى المقلب الآخر .
فشل التسوية حول الأزمة الراهنة يؤسس لتقسيم اوكرانيا...
اعتبر جوني من خلال الوقائع بأن الغرب من خلال عناده يسعى الى السيطرة على كامل اوكرانيا وضمها الى الإتحاد الأوروبي، وأشار الى أن الخطوات هذه سوف تسرع من عملية تفسيخ أوكرانيا وإنشطارها بين شرق وغرب ، ورأى أن بوتين لن يخسر إذا ذهبت أوكرانيا الغربية الى الحضن الأوروبي لأنهم سوف يندمون على هذه الخطوة وذلك من خلال قيام الشعب نفسه بمعاقبة الإنقلابيين وتحميلهم مسؤولية التوتر الحاصل في كل المنطقة وبالتالي المعارضة الأوكرانية مسؤولة عن عدم الإستقرار بشكل كامل .
وأشار الى ان المواطن في أوكرانيا الغربية سوف يكتشف سريعاً ما تعانيه اليوم أوروبا من مشاكل إقتصادية كبيرة جداً ، لذلك كانت المحاولة فاشلة من أخذ كامل اوكرانيا ، ولكن على الرغم من ذلك حتى لو حصل التقسيم فإن روسيا لن تسمح للغرب ببناء قواعد عسكرية او تشييد الدرع الصاروخي للحلف الأطلسي في تلك المنطقة، كون أوكرانيا بالنسبة لروسيا أهم بكثير من جورجيا فالأخيرة تعد من الأطراف أما في أوكرانيا فالأمر مختلف تماماً .
ترابط في الأزمتين ... السورية والأوكرانية
واعتبر جوني أن الأزمات الدولية والإقليمية في المبدأ مترابطة في كل العالم وليس فقط بين روسيا واميركا ، نظراً لتداخلها وتشعبها ونظراً لمدى تورط الدول الكبيرة في تلك الأزمات .
ولكن في الأزمة الأوكرانية الموضوع مختلف لأنها مهمة جداً لروسيا وقد تشعل حربا عالمية ثالثة كونها المنطقة الحساسة الأولى في العالم وبالتالي كل المناطق الساخنة سوف تشتعل سواء في اميركا الجنوبية او آسيا او الشرق الأوسط وهذا هو المقصود بالترابط ، لذلك هذا التأثيرسوف يكون إيجابي على الأزمة السورية، لأن ما حصل في اوكرانية أكد على قوة روسيا على مستوى العالم.
وبوتين اليوم في مؤتمره يتحدى الغرب وبالتالي ما كان غير جائز في سوريا قبل الأزمة الأوكرانية سيتاح بعد الأزمة باعتبار روسيا كدولة كبرى لديها ملفات للمواجهة ومن ضمنها الملف السوري والروسي ليس مشغول عن الملف السوري في حال فتح له الغرب ملف في أوكرانيا .
الزمن هو زمن الحرب بالوكالة
ورأى جوني ان الدول الكبيرة في هذه الحالة تخطط و الدول التابعة تنفذ مثلما تفعل دول الخليج من تنفيذ مخطط صهيوني أميركي طبقاً لأهدافهم المرسومة كون القرار بيد الأميركي وليس بيدها .
ولفت الى أن العالم الرأسمالي يعيش فترة إقتصادية صعبة ، وأي حدث يحصل على مستوى العالم علينا ان نركز في خلفياته على ما يحصل في العالم الرأسمالي، هذه الأزمة لا حل لها إلا بالحروب وطالما لا يستطيع ان يشن حروب كبيرة ، يلجأ الى إشعال حروب صغيرة في مختلف انحاء العالم لثلاث أسباب:
السبب الأول : حالة الإنكماش الإقتصادي التي تصيبه لا حل لها من وجهة نظر الغرب إلا بالحرب إفساحاً في المجال لبيع الأسلحة بمليارات الدولارات والجميع يعلم ان الإدارة الأميركية هي الأولى عالمياً من حيث بيع الأسلحة أكثر من القمح او أي سلعة أخرى وحتى اكثر من النفط بالنسبة لحجم الأموال، وبالتالي العمل على إشاعة الخوف والتوتر في مختلف بقاع العالم من اجل تامين مصالح شركات الأسلحة.
السبب الثاني : عندما يدمر بالحرب هو ياتي "للبناء" طبقاً لمصالحه وأهدافه من خلال تامين العقود لشركاته من أجل إعادة إعمار ما هدمته الالة العسكرية للبنى التحتية وغيرها وذلك بمليارات الدولارات وهنا نتحدث عن بناء مشاريع كبرى لعشرات السنين .
السبب الثالث : يلجأ العالم الرأسمالي بعد عجزه لإجتراح الحلول لأزماته الى الحروب الكبرى فهو كان السبب في إندلاع الحرب العالمية الأولى بسبب سياسة السباق الى التسلح وعندما حصلت الأزمة الإقتصادية عام 1929 تسبب بإشعال الحرب العالمية الثانية والان ما يحدث في اوكرانيا وفي العالم، نرى حالة من التوتر الدولي لأنه يمر بأزمة إقتصادية خطيرة جداً وهذه تنعكس إجتماعياً ونفسياً في بلاده، وبالتالي هذا الوضع يخلق نوعا من الرعب عند الفرد الأوروبي، فيسعى الى نقل أزماته الداخلية الى الخارج عن طريق خلق عدو وهمي لتبرير سبب عجزه من تحقيق الرفاهية والإستقرار في الحياة ، فلذلك تراه يهرب الى الحروب كونه لا ضير عنده إذا قتل مئات الآلاف من الأشخاص في الشرق الأوسط باعتبار أن الحربين العالميتين قتلت اكثر من 60 مليون شخص في أوروبا وبالتالي العالم الرأسمالي مستعد أن يدمر نصف الكرة الأرضية من أجل إنقاذ نفسه.