لم تعد استراتيجية الصين دفاعية محضة، بل دخلت مرحلة المبادرة، ما يعني أنّنا قد نشهد في المستقبل القريب صراعاً أميركياً/ صينياً يشبه حرباً باردة على الانترنت، في استكمال «افتراضي»، لحقبة حرب النجوم.
ينال الإنترنت في الصين حصّة كبيرة من الاهتمام الإعلامي الأميركي. كأنّ الجميع يحاول اختراق سور هائل من الرّقابة، والحذر، والقدرة على التملّص من سيطرة المواقع الأميركية الكبرى ونفوذها. بالنسبة للعملاق الآسيوي، فإن كلّ ما يتم كشفه من فضائح تجسّس في الولايات المتحدة وغيرها، يصبّ في مصلحته مباشرةً، كمنافسٍ رئيسي على الفضاء السيبيري.
فادي الطويل / جريدة السفير
أمس الأوّل، أعلنت الشركة المشغلة لموقع «سينا ويبوه» أو ما يعرف بـ«تويتر الصيني»، أنّها تمكنّت من تحقيق أرباح ضخمة خلال العام الماضي، فاقت إيرادات «تويتر».
وأشار البيان المالي الصادر عن الشركة، إلى أنّ إيراداتها بلغت 197 مليون دولار أميركي في الربع الرابع من العام 2013، بزيادة 42 في المئة على أساس سنوي.
وبحسب البيان، فإنّ إيرادات خدمة المدونات القصيرة «ويبوه» وصلت إلى 71 مليون دولار أميركي، بزيادة 151 في المئة على أساس سنوي. في المقابل، فإنّ موقع «تويتر» لم يحقّق أيّ أرباح تذكر بعد، رغم دخوله البورصة.
تعيش الصين إذاً، اكتفاءً ذاتياً لناحية منصّات التدوين القصيرة، بشكل يجعل احتمال دخول «تويتر» سوقها، أمراً شبه مستحيل.
ربما يكون من المبكر الحديث عن وقوف الصين كطرف أوحد في مواجهة أميركا بمبدأ الندّ للندّ في حرب السيطرة على سوق الإنترنت والإعلام الجديد، لكن لا يمكن تجاهل طموحاتها (المشروعة) في الوصول إلى المستخدم الأميركي بلغته. فها هي اليوم تفكّر بتجريب واجهة انكليزية لـ«ويبوه»، كما أنها تقوم بحملة دعائية لاستقطاب أميركيين لتطبيق المحادثة «وي تشات».
في المقابل، يحاول موقع «لينكد إن» اختراق الاستعصاء الصيني على الشركات الأميركية، من خلال قراره مؤخراً، إنشاء موقع باللغة الصينية لاجتذاب 140 مليون مستخدم. بالنظر إلى أسباب هذه الخطوة، لا شيء جديدا، ويمكن اختصارها بالسعي إلى «استقطاب مستخدمين جدد في دولة ذات نمو اقتصادي وبشري هائلَين».
لكن المسألة ما الذي يمكن لـ«لينكد إن» أن يقدّمه ليثبّت قدميه في دولة تعدّ من بين الأقسى في العالم لناحية ظروف العمل في قطاع تكنولوجيا المعلوماتية والسوشل ميديا؟
لدخول الصين، يتعيّن على «لينكد إن» أوّلاً الحصول على شهادة محتوى من الحكومة الصينية، وتخزين معلومات وبيانات المستخدمين الصينيين، على خوادم ضمن حدود البلاد. وذلك لا يعدّ «مبادرة» تسهيلية، بقدر ما هو تنازل، يقود إلى جملةٍ من الأسئلة حول ما يمكن للموقع تقديمه من تنازلات، للصمود في السوق الصينية. تنازلات تقع في جوهر التناقض الذي تعيشه مواقع التواصل الاجتماعي، بين التسويق لحرية التعبير من ناحية، والاحتفاظ بالبيانات وتسليمها لجهة ثالثة من ناحية أخرى (تُعادلها في الحالة الصينية الرقابة الحديدية).
يحاول «لينكد إن» إمساك العصا من المنتصف، لكنّ خياره الصيني يبقى غير مقنع. ولكن، ثمة ما يحمل أملاً بأن تكون تجربته مختلفة عن تجارب أقرانه الأميركيين في السوق الصينية، كونه يقدّم مضموناً مختلفاً عن «تويتر» و«فايسبوك». فقد يتقبّل الصينيون وجود موقع تواصل مهنيّ، لا منصّة تواصل اجتماعي/ شخصي، قد تتحوّل إلى منصّة تعبير واحتجاج. لكنّهم سيحافظون على أساليبهم المعتادة في الرقابة، ووضع عقبات تقنيّة، ودعم مواقعهم المحليّة المنافسة.
فالصين لم تعد مجرّد معرقلة لمحاولات الشركات الأميركية النفاذ إليها، على حساب الحريات الشخصية. لم تعد استراتيجية الصين دفاعية محضة، بل دخلت مرحلة المبادرة، ما يعني أنّنا قد نشهد في المستقبل القريب صراعاً أميركياً/ صينياً يشبه حرباً باردة على الانترنت، في استكمال «افتراضي»، لحقبة حرب النجوم.
الرابط على موقع جريدة السفير