الحاج زار قبل شهر إيران حيث التقى آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي.. وقتها طلب منه الحاج أن يدعو له أن يرزقه الله الشهادة وقبّله على لحيته، فردّ عليه سماحته في لحظتها "أدعو لكَ بحسن العاقبة"..
استجاب الله لدعوة الحاج حسّان اللقيس.. ختم له بالشهادة كما تمنّى تماماً.. مهّد طويلاً لحُسن العاقبة، فكانت ألمع التجارب الجهادية.. ابنُ بعلبك، وهب عمراً مديداً من حياته للمقاومة.. عبّد خطّ الإبداع فيها.. آمن بنهج حزب الله، تطوّر وكبر فيه، أخلص له فتألّق وحلّق عالياً بابتكاراته التقنية، ليضفي تقدماً نوعياً في معركة المواجهة المفتوحة مع العدو.
لطيفة الحسيني/ موقع العهد الالكتروني
بين ساعات يومه، مساحة واسعة للمقاومة لا يُنافسها سوى تربية أبنائه على اعتناق درب الجهاد وحبّ فلسطين.. اصطيادُ لحظات الى جانبه، كانت أشبه بالفوز بجائزة كبرى.. اختار تسخير حياته وتفاصليها لأجل القضية، كرمى لمسيرة الحرية ورفض الضعف أمام العدو، فغدا سراً من أسرار المقاومة، يستحيل كشفه بسهولة.
الشهيد الخمسينيّ واكب انطلاقة المقاومة وتأسيس حزب الله قبل أكثر من ثلاثين عاماً.. تحمّس للّحاق بركب النهج الحسيني الثائر.. تعلّق بالامام الخميني وتأثّر بالثورة الاسلامية في إيران.. تعرّف في الثمانينات إلى السيد حسن نصر الله عندما كان مسؤولاً حزبياً في منطقة البقاع.. خطّا معاً مسيرة جهاد وإيمان..
للظروف السياسية المتأزمة في الثمانينات اللبنانية دورٌ في صداقة الحاج حسّان والسيد حسن.. متّنها أكثر التناغم والانسجام التامّ في القرارت المتخذة إبّان الاحتلال الاسرائيلي للجنوب..
ثابر الحاج حسان مع توالي الأيام، ظلّ رفيقاً مقرّباً من السيد نصر الله، تواصلا باستمرار، ولم تفصلهما جغرافية سكنهما وعملهما.. فالشهيد حرص على الموازنة بين مسؤوليته وبين الإبقاء على علاقته المميزة بسماحته.. يحكي العارفون عن "خبز وملح" بين الرجلين يعودان الى مرحلة تلقّيهما دروساً على يد الشهيد السيد عباس الموسوي في بعلبك.. آنذاك كان الحاج حسان يستضيف السيد في منزله البقاعي، الى حدّ أن صورة تجمعهما وهما يحضّران طعاماً. علاقة وطيدة بين العائلتين يصفها أحد المسؤولين الحزبيين الكبار بعبارة مختصرة "السيد والحاج كالجفن من العين"...
عائلة الشهيد تروي كيف أن الحاج حسان عمل على تعويض ابنته نسخة القرآن الكريم الممهور بتوقيع السيد نصر الله (أهداها اياها سماحة السيد عند عقده لقرانها قبل 11 عاما) والتي أتلفت جرّاء القصف الاسرائيلي الذي طال منزلها في منطقة العيسرة في بعلبك ابّان حرب تموز. فأمّن نسخة من مصحف مميز جداً كان بحوزة الشهيد القائد الحاج عماد مغنية، وقّع عليها السيد مجدّداً..
لم تظهر لأصحاب الحاج حسان في بعلبك يوماً خصوصية الشهيد الجهادية، لكنّهم حين ينقّبون في ذاكرتهم عن قصصهم مع القائد، يتحدّثون عن شعور لطالما حضر في لقاءاتهم معه، إحساس يلامس حدّ التيقّن من أن الشهيد كان من المقرّبين للأمين العام لحزب الله.. يستندون في ذلك الى الرسائل التي كان يعدهم الحاج حسان بإيصالها للسيد ويفعل دون إطلاعهم على أية تفاصيل.. فالهدف كان "خدمة وتيسير شؤون الناس".
موقعية الحاج الحساسة في المقاومة لم تتضح الا بعد استشهاده، خاصة أن طبيعة عمله والمسؤولية الملقاة على عاتقه كانتا مجهولتين تماماً بالنسبة لعائلته.. بعد الاغتيال في 4 كانون الأول الماضي، أخبر أحد المجاهدين عائلته أن الحاج زار قبل شهر إيران حيث التقى آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي.. وقتها طلب منه الحاج أن يدعو له أن يرزقه الله الشهادة وقبّله على لحيته، فردّ عليه سماحته في لحظتها "أدعو لكَ بحسن العاقبة"..
يغلب على شخصية الشهيد الطيبة والكرم والزهد، يقول أفراد عائلته "كان الحاج يهتمّ كثيراً بأبنائه وعائلته الصغرى وأعمامه وأخواله، ويواظب على زيارتهم في الأعياد". وعندما كان يحضر الى منزله في بعلبك، كان يتصل بأولاده ويجمعهم فوراً على مائدة غداء أو عشاء والاعتراض على ذلك مرفوض.. يروي صهره " في إحدى المرات، وصل الحاج قادماً من بيروت، دعانا الى الغداء وكان بصحبته ضيوف. جلسنا ولاحظنا أنه لم يتناول الطعام، سألناه عن السبب ، فأخبرنا أنه صائم".
أقرباء الشهيد الكبير، يعدّدون الكثير من المزايا الإيمانية التي كانت تطبع شخصية الحاج، يقولون إن قدوته في الحياة الامام علي بن أبي طالب (ع)، ويشيرون في الوقت نفسه الى تأثره الشديد بالامام الخامنئي.
كذلك، يستذكر المقرّبون تصرفات لافتة للحاج حسان في أيّامه الأخيرة ونظراته الغريبة. يتوقف صهره عند الطريقة التي ودّع فيها الحاج يوم الأحد (1 كانون الأول) أي قبل يومين من اغتياله ( ليل الثلاثاء 3 كانون الاول)، حينها وعلى غير عادته لوّح لصهره بيده ثمّ غادر.. في لحظات عمره الأخيرة، حديث مركّز عن سوريا والمعارك التي تجري فيها، بموازاة إثارته لموضوع ظهور الامام المهدي (عج) وعلاماته..
يفتقد المجاهدون اليوم كثيراً الشهيد القائد حسان اللقيس، غير أنهم يعرفون تماماً أن التضحية أساس طريق المقاومة، لا يُعرقلها اغتيال ولا فقدان عزيز.. المعركة مستمرّة و"بركات" الحاج حسان ستُكشف يوماً وبأسه لم يبدأ بعد..