27-11-2024 03:52 PM بتوقيت القدس المحتلة

لبنان مهدد بالعطش.. ولا خطة طوارئ!

لبنان مهدد بالعطش.. ولا خطة طوارئ!

أبعد من احتمالات العاصفة المتوقعة في الأسبوع المقبل، ما هي أسباب هذه الأزمة؟ هل تغير المناخ حقا؟ هل دخلنا فعلا في سنة الجفاف؟ كيف يمكن مواجهة أزمة المياه الآتية وضمن أية خطة طوارئ؟

كل المؤشرات تدل على أن لبنان سيدخل أزمة مياه لا مثيل لها في تاريخه، ليس فقط لان نسب المتساقطات تدنت إلى حد الندرة هذه السنة، بل بسبب الفلتان والفوضى والهدر في إدارة هذا القطاع، ثم ان مشكلة النازحين السوريين الذين يكاد يقارب عددهم نصف الشعب اللبناني، ستؤدي إلى تزايد الطلب على المياه تزايداً كبيراً جدا، بالإضافة إلى المشاكل التي يفترض أن تنجم عن قلة المياه وزيادة تلوثها وتسببها بالمزيد من الأمراض والأوبئة وضرب الإنتاج والتصنيع الزراعي.

لبنان مهدد بالعطش.. ولا خطة طوارئ!أبعد من احتمالات العاصفة المتوقعة في الأسبوع المقبل، ما هي أسباب هذه الأزمة؟ هل تغير المناخ حقا؟ هل دخلنا فعلا في سنة الجفاف؟ كيف يمكن مواجهة أزمة المياه الآتية وضمن أية خطة طوارئ؟

حبيب معلوف / جريدة السفير 

يدل التراث الشعبي الذي يمكن اعتباره مرصداً مناخياً قبل الرصد العلمي، على أن لبنان شهد سنوات عجافاً كهذه السنة.

وتؤكد الدراسة التي يشرف عليها الدكتور نديم فرج الله، الأستاذ المشارك لمادة الهيدرولوجيا البيئية في كلية العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت، انه منذ العام 1932 وحتى العام 2002 (خلال 31 سنة) بلغ معدل المتساقطات أقل من المعدل العام الحالي (875 ميلليمتراً) أكثر من مرة، ما يعني "أن ما يشهده لبنان هذه السنة هو من ضمن التقلبات المناخية المعتادة". لكنه يستدرك بالقول "هذا لا يقلل من خطورة الوضع وضرورة أخذ الحيطة القصوى في إدارة الموارد المائية"، مشيرا إلى عدم وجود خطة وقائية لمواجهة الجفاف.

كذلك، يصف الدكتور وجدي نجم، عميد كلية الهندسة في جامعة القديس يوسف، ظاهرة احتباس المطر هذا العام بأنها "طبيعية"، ويشير الى سنوات عجاف عرفها لبنان كالعام 1932، كما في الخمسينيات، مشددا على ان المشكلة هذا العام تكمن في عدم تراكم الثلوج التي تعتبر المغذي الرئيسي لعملية التخزين الجوفي. ويقول ان ثلوج آذار، اذا هطلت، لن تساهم في تعويض ثلوج شهري كانون التي كانت تتراكم عادة، والتي ستأتي عندما تكون الأرض قد زادت سخونتها وبالتالي لن تصمد كثيرا، ما ينعكس سلبا على عملية تغذية المياه الجوفية.

كيف يمكن مواجهة الشح الآتي؟

"لا بديل من اعتماد استراتيجية وطنية لإدارة المياه تختلف تماما عن الخطط السابقة (لا سيما العشرية منها) أو عن الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه التي أقرها مجلس الوزراء قبل سنتين وترتكز على نظرية التخزين المائي السطحي خلف السدود المكشوفة".. وهي استراتيجية انتقدها "حزب البيئة"، بدليل ان السدود ستبقى هذه السنة على الارجح فارغة، وستتبخر مياهها (الشحيحة) بسرعة أكبر بسبب ارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة الى عمليات التسرب المعروفة في لبنان.

يطرح ذلك مهمة حسن إدارة المياه الفائضة فوق الأرض أولا(متساقطات) وان تترك المياه الجوفية كخزين استراتيجي لسنوات الشح مثل هذه السنة واتخاذ إجراءات وقائية سريعة في حال حصول سرقة أو هدر للمياه وسحب أكبر من قدرة الخزين على التجدد وفق النظم الايكولوجية والهيدرولوجية الطبيعية.

وتبين دراسة أن الاستهلاك الأكبر للمياه في لبنان هو في القطاع الزراعي (بين 60 و70 في المئة) من حجم المياه العذبة في لبنان و9 في المئة للاستخدام المنزلي و21 في المئة في قطاع الصناعة، فيما تسكت الأرقام عن الاستخدامات في القطاع السياحي.

على صعيد الزراعة: تؤكد الاستراتيجيات المقترحة ضرورة تغيير طرق الري واستخدام طرق التنقيط الحديثة (بدل الجر) والتي توفر أكثر من 50 في المئة من المياه.

وينصح الخبراء بتجنب زراعة الخضار التي تحتاج الى الكثير من المياه هذا العام والتركيز على الزراعات شبه البعلية، واتباع الإرشادات التي يفترض أن تقدمها وزارة الزراعة.

على صعيد الصناعة: إصدار قوانين تفرض على الصناعات التي تستهلك الكثير من المياه، اتخاذ إجراءات التوفير والتدوير وإعادة الاستخدام، وعلى وزارة الصناعة وجمعية الصناعيين التعاون استثنائياً هذا العام للتوفير في الاستخدامات كافة.

أما في القطاع السياحي المسكوت عنه، والذي يعتبر المستهلك الاكبر بعد الزراعة، لا سيما عندما يكون الطلب على المياه في حالة الذروة في فصل الصيف، فيفترض التشدد في مراقبته هذا العام استثنائياً والطلب من السياح التنبه في الاستهلاك عبر إرشادات مكتوبة ومسموعة، بعدما كان مطلوبا كمطالب استراتيجية للتوفير في هذا القطاع اعتماد المكننة والتكنولوجيا الموفرة.

بالاضافة الى الارشادات المطلوبة للمواطنين للتوفير في الاستهلاك المنزلي والتي بدأ الإعداد لها في وزارتي الطاقة والمياه والبيئة، يفترض التشدد بمراقبة العيارات وضبط السرقات والعمل على وقف الهدر في الشبكات، بعدما كان مطلوباً، كإجراء استراتيجي موفر، استبدال العيارات بالعدادات.

وإذ يعرف المتابعون أن هناك علة كبيرة في سرقة المياه الجوفية التي كان يفترض ان تشكل الاحتياط الاستراتيجي لمثل هذه السنوات من الشح... يصبح المطلوب من وزارة الداخلية أن تتعاون مع وزارة الطاقة والمياه والبلديات والسلطات المحلية، والجيش إذا اقتضى الأمر... لإنجاز مهمة مسح الآبار الجوفية في لبنان وإقفال غير المرخصة منها، ووضع عدادات على المرخصة، لضبط السحب من الخزين الجوفي الاستراتيجي.

أما لناحية المياه المعبأة التي لا يعرف ما هو حجم غير المرخصة ولا حجم سحب وتعبئة تلك المرخصة منها، ولا حجم تجارتها والرسوم التي تدفعها للخزينة، فيفترض ايضا ان يشملها المسح والتشدد في ضبط أسعارها وسلامتها حاليا، تمهيدا لإعادة دراسة وضعها القانوني وإيجاد حل استراتيجي لقضية ما يسمى "الحقوق المكتسبة على المياه"، فتضع الدولة خطة استراتيجية ايضا لإعادة شراء تلك "الحقوق" وتطبيق الدستور الذي يعتبر المياه ملكية عامة.

كما يفترض التنبه وضبط توزيع المياه المنزلية على المنازل، التي من المفترض أن تستغل الى أقصى الحدود شح المياه هذه السنة وقد تباع المياه من خطوط مصالح المياه أو من أي مصدر ربما يكون غير آمن، بالإضافة إلى مراقبة مجاري المياه المبتذلة لكي لا تستخدم في الزراعة للتعويض عن نقص المياه، والإسراع في إنجاز وشرك محطات التكرير التي قد توفر مياهها المعالجة من استخدام المياه العذبة في استعمالات شتى.

الرابط على موقع جريدة السفير