قوة لبنان اليوم هي بالمقاومة، ومن لا يعرف قيمة هذه القوة يجادل من اجل الغاء كلمة المقاومة في البيان الوزاري، وهذا عيب، فهذا ضرب للمصلحة الوطنية العليا اللبنانية.
شارل أيوب / جريدة الديار
في الوقت الذي تختلف فيه لجنة صياغة البيان الوزاري بشأن اعتماد كلمة مقاومة في البيان الوزاري، كان رئيس وزراء العدو نتنياهو الموجود حاليا في واشنطن يعتلي منبر المنظمة اليهودية «ايباك» ويعلن شرطين من مجموعة شروط اسرائيل للتسوية في الشرق الاوسط. وهذان الشرطان هما :
1ـ اعتراف الفلسطينيين والعرب بيهودية الدولة الاسرائيلية، وهذا يعني نزع الجنسية الاسرائيلية من مليون ونصف مليون فلسطيني، ممن يسمون فلسطينيي 1948، وهذا يعني تغييراً ديموغرافياً في الجزء الاول من فلسطين، التي تم تقسيمها سنة 1948.
2ـ اعلام الفلسطينيين بعدم حق العودة الى ارضهم في الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وبقاء الجيش الاسرائيلي على طول الخط مع الاردن، وبقاء الاغوار في وادي الاردن ـ الضفة الغربية مع اسرائيل، اي ان يتم توطين الفلسطينيين في الاردن وسوريا ولبنان في اماكنهم ومنع الفلسطينيين في الشتات من العودة الى وطنهم، وبالتالي توطين 400 الف فلسطيني في لبنان، شاء اللبنانيون أم أبوا، فهكذا يريد رئيس وزراء العدو نتنياهو.
غريب كيف اصبحت كلمة مقاومة عبئاً على البيان الوزاري، بدل ان تكون فخراً للبيان، وغريب كيف تتم مقابلة التطرف الاسرائيلي وكشف مخططات العدو بليونة تريد الغاء كلمة مقاومة ليس بالشكل فقط، بل بالمضمون، اذا استطاع البعض ذلك.
ان كرامة اللبنانيين وعنفوانهم دفعاهم الى المقاومة، وقامت فئة من الشعب اللبناني بتقديم آلاف الشهداء وتنفيذ عمليات تحرير عسكرية ضد مواقع العدو الاسرائيلي، ونشأت قوة مقاومة لا يستهان بها في المنطقة، قوامها عشرات الآلاف من المقاتلين المؤمنين المؤيدين بصحة قضيتهم وقاتلت دون خوف او وجل الجيش الاسرائيلي، فحررت الجنوب ثم الحقت الهزيمة في حرب 2006 ، بالعدو الاسرائيلي، واقامت الأمن على الخط الازرق، مانعة الجيش الاسرائيلي من اي عدوان على لبنان. واقامت توازن الرعب والردع بين لبنان والعدو الاسرائيلي.
فعلاً انه لأمر معيب ان تكون المشكلة لدى لجنة صياغة البيان الوزاري وضع كلمة مقاومة، والاعتراف بحق لبنان بالمقاومة، بشكل عفوي ضد العدو الاسرائيلي، ليس لتحرير تلال كفرشوبا ومزارع شبعا فقط، بل بقاء المقاومة طالما اسرائيل موجودة.
لقد قدمت المملكة العربية السعودية وثلاثة مليارات دولار للجيش اللبناني، وهي تشكر على ذلك، لكن يجب ان يعرف الشعب اللبناني ان اسرائيل تصرف سنوياً خمسة عشر مليار دولار على الجيش الاسرائيلي، وان قدرة اسرائيل العسكرية بموجوداتها وجيشها وطيرانها وبحريتها تساوي اكثر من 200 مليار دولار. فلو حصل الجيش اللبناني على ثلاثين مليار دولار، وليس ثلاثة مليارات دولار، فهو غير قادر على مقاومة اسرائيل، والسبب هو ان حرب الجيوش مع اسرائيل خاسرة، بينما حرب المجموعات الصغيرة التي ليس لديها مواقع مكشوفة وثكنات عسكرية، وقيادة جيش في مبنى مكشوف فوق الارض ككل ثكنات الجيش اللبناني، فان هذا السلاح الخفيّ الذي تشكله المقاومة هو الوحيد القادر على ردع اسرائيل، بينما الجيش المكشوف معرّض للضرب بالطيران الاسرائيلي وتدميره. وهذا ما حصل في حرب 1967 وحرب 1973 وحرب 1982 .
حتى الذين يريدون مفاوضة اسرائيل ولا يؤمنون بالمقاومة، فمن مصلحتهم ان تكون المقاومة موجودة كي تفاوضهم اسرائيل، لانهم اذا كانوا ضعفاء وليس هنالك من مقاومة، فلن تجلس اسرائيل لتفاوض احداً من الذين يؤمنون بالتفاوض وبالحلول السلمية والاتكال على الامم المتحدة، وعلى دعم دول غربية للتفاوض مع اسرائيل وايجاد حل.
فبالله عليكم، من يستطيع اقناع اسرائيل بعودة أربعمئة الف فلسطيني موجودين في لبنان، ونتنياهو يعلن ان الشرط الاساسي للتسوية، هو الغاء حق العودة للفلسطينيين الى فلسطين، حتى الى الضفة الغربية، مكان اقامة الدولة الفسلطينية الضعيفة، والمتآكلة من المستوطنات والمستوطنين.
ما لم يتضمن البيان الوزاري اعترافاً بالمقاومة على انها احدى ركائز لبنان الاساسية وانها القوة القادرة للحفاظ على حق لبنان، وعلى ردع اسرائيل، وعلى حق المقاومة الطبيعي لتحرير الارض، وردع اي عدوان اسرائيلي تلقائيا، فان البيان الوزاري سيكون بيان حكومة ضعيفة، تعطي اشارة للعدو الاسرائيلي، بالضعف والخوف.
وهكذا اسرائيل تستفيد باستباحتنا مجدداً، واعتبار ان المقاومة مكشوفة، وغير ذات رعاية من الدولة اللبنانية والشعب اللبناني، وتقوم لجنة صياغة البيان الوزاري بتقسيم اللبنانيين بين مؤيد للمقاومة ومعاد لها، بدل ان يكون البيان الوزاري مصدر وحدة اللبنانيين حول المقاومة، ومصدر احتضان رسمي وشرعي، لانها القوة الوحيدة القادرة على حماية لبنان وهي التي استرجعت سيادته على الجنوب، واجبرت اسرائيل على انهاء وجودها في الشريط الحدودي.
من يعتقد ان الخط الأزرق وهو خط الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان هو نهاية المطاف، لا يعرف طبيعة اسرائيل ولا يعرف مخطط اسرائيل العدواني ويعتقد ان المواجهة مع اسرائيل هي لسنة او لسنتين، بينما الصراع مع اسرائيل هو صراع وجود وليس صراع خط ازرق، هو صراع بين مجموعة عنصرية لا تؤمن الا بالدولة اليهودية وتقسيم المنطقة الى دويلات طائفية، وبين لبنان نموذج تعايش الطوائف، ورمز الانفتاح ورمز محاربة العنصرية بل بلد الايمان بالانسانية الحقيقية.
قوة لبنان اليوم هي بالمقاومة، ومن لا يعرف قيمة هذه القوة يجادل من اجل الغاء كلمة المقاومة في البيان الوزاري، وهذا عيب، فهذا ضرب للمصلحة الوطنية العليا اللبنانية.
وعلى كل حال ، اسرائيل هي المستفيدة الاولى من هذا النقاش في لجنة الصياغة للبيان الوزاري، سواء عن قصد او غير قصد، ومن هنا نطالب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء الكرام بأن يضعوا كلمة المقاومة في مرتبتها العليا، وان تكون فخراً للبيان الوزاري شكلاً وجوهراً كي يبقى لبنان قويا في وجه العدو الاسرائيلي وكي يبقى لبنان قوياً في حد ذاته يدافع عن كل عدوان من اي جهة كان، لان الذي يقاوم اسرائيل يقاوم اي عدوان على لبنان، ويكون مؤمناً بالسيادة اللبنانية وباستقلال لبنان الحقيقي. اما من يرفض قوة المقاومة فهو يعرّض لبنان لسقوط سيادته وسقوط استقلاله، والعيش بشعار قوة لبنان بضعفه، وهذا الذي جلب الويلات على لبنان، منذ استقلاله وحتى انطلاق المقاومة اللبنانية سنة 1982.