بعد الشغور المفاجئ في إدارة «قصر الاونيسكو»، بوفاة انطوان حرب، توافق الوزيران السابقان للتربية والتعليم العالي حسّان دياب والثقافة المهندس كابي ليّون، على تكليف سليمان الخوري بمهمة إدارة القصر.
بعد الشغور المفاجئ في إدارة «قصر الاونيسكو»، بوفاة انطوان حرب، توافق الوزيران السابقان للتربية والتعليم العالي حسّان دياب والثقافة المهندس كابي ليّون، على تكليف سليمان الخوري بمهمة إدارة القصر.
وما أن صدر قرار التكليف في السادس عشر من كانون الثاني الماضي، حتى لمس الخوري حجم أعباء المسؤولية الملقاة على عاتقه، لأسباب عدة، لعل أهمها أنه يخلف رجلاً أثبت مكانته كشخصية لافتة، عمل وتمكن من أن يبعث «قصر الأونيسكو»، بعدما دمرته قنابل الطائرات الإسرائيلية، من دون أن يتيح لها تحقيق هدفها في تدمير رمز الثقافة اللبنانية، يقول الخوري: «سعى حرب جاهداً لإطلاق القصر نحو المكان المفترض أن يكون، أي أن يتحول إلى ذاكرة وحاضرة وحاضنة الثقافة في لبنان».
والأمر الثاني، هو أن الخوري اؤتمن على الصرح الثقافي الرسمي الأول في لبنان، «وُضع في عهدتي أمر تسيير هذا المرفق العام والهام... لقد أدركت كم هو كبير وعظيم حجم هذه «الوزنات». ومنذ تسلمه لمهامه، وبعدما حصل على الدعم اللازم من الوزيرين السابقين للثقافة والتربية، ومن وزير الثقافة الحالي ريمون عريجي، ومن المديرين العامين للثقافة فيصل طالب وللتربية فادي يرق، عمل على وضع خارطة طريق تكون دليله الواضح في مسار تسيير «القصر»، وتعبّر عن نَفَسه في الإدارة، تحت سقف الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء.
يحدّد الخوري الصعوبات التي واجهته في المرحلة الأولى بـ: «الفترة الانتقالية، وتعثر المعاملات منذ وفاة انطوان حرب، وإحجام الناس على تقديم طلبات، ريثما تتضح صور الخلف. والأشغال التي كانت قائمة في القصر، والوضع الأمني والتفجيرات المتنقلة».
تلك الأجواء دفعت الخوري إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي للقصر أولاً، للدخول في تناغم مع الموجودين فيه، مع السعي للإسراع في تسريع العمل في الأشغال، والتي أعاقت حسن سير العمل في القصر. وبعد الانتهاء من ذلك، بدأ بناء خطة على غرار الفترة الذهبية التي شهدها القصر في فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، من حيث النشاطات الفنية المحلية والعالمية.
بصدد العمل على إرساء نوعية فنية للنشاطات التي ستحصل في القصر، بمعنى أن يعود أهل الفن والإبداع الكبار للقيام بهذه النشاطات، بالتوازي مع إفساح المجال للمبدعين من جيل الشباب، يقول الخوري، لافتاً إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى تواصل مع النخب الفنية، إضافة إلى إقامة توازن بين حضور هؤلاء الكبار مع المبدعين الجدد. ويسعى إلى تحويل القصر إلى ملتقى للأنشطة، أي إلى مبادر وصانع لها، بالتعاون مع الوحدات المعنية في المديرية العامة للثقافة.
ويصف القصر بأنه جسر عبور للفن إلى المجتمع، وبقدر ما يكون المستوى مرتفعا، يساهم في إرساء الثقافة والتذوق الفني في المجتمع، و«إذا كان المستوى هابطاً، نكون أخطأنا في أداء دورنا الثقافي المطلوب للمجتمع، وهذا ينسحب على كل أنواع الأنشطة سواء كانت مسرحا أو رسما أو موسيقى أو ندوات».
ويعد أن يكون القصر ملتقى للحوار الفكري بين أهل الفكر، ليتم النقاش والتفاعل على مستوى راق بعيدا عن الانزلاق والتسييس. ويضع في اهتماماته تفعيل الموقع الالكتروني للقصر، ووضع جدول الأنشطة أسبوعيا، حتى تطلع الناس وتختار ما يناسبها من أنشطة، إضافة إلى طباعة منشورات، أو كتيب يوزع على الحضور حول الأنشطة التي أقيمت أو التي ستقام.
عن إقامة المعارض والندوات في المجان، يشدد الخوري، موضحا «إلا في حالات استثنائية، لأنشطة ثقافية تكون مكلفة على صاحبها (عمل مسرحي أو حفلة فنية)، وهذا يستدعي موافقة استثنائية من وزير الثقافة، على ألا يتعدى سعر البطاقة العشرين ألف ليرة عن كل شخص، على أن تذهب الأموال إلى صاحب النشاط». ويوضح أن القصر يتحمل أعباء مالية باهظة تتمثل في تقديم الصالة، والإضاءة والتدفئة أو التبريد والموظفين وغيرها، والدولة تتحمل هذه الكلفة بهدف إتاحة الأنشطة الثقافية أمام المواطنين، إنطلاقا من واجبها تجاه المجتمع.
لا يميز بين جهة أو أخرى، «نحاول أن تكون الأنشطة للجميع ومتوازنة، على أن تكون أنشطة بعض الجمعيات المتشابهة (مثلا الكشافة) نشاطات موحدة. والعمل مع جمعيات المجتمع المدني ضمن ما يسمح به القانون، خصوصا في العلاقات مع الجمعيات التي تحمل صفة صداقة مع هذه الدولة أو تلك».
ويفضل أن يتم التركيز على الأنشطة ذات البعد الثقافي والنوعي، ويقول: «يتم استنزاف القصر لحفلات تخرج الطلاب، إلا ضمن حالات محددة، يقصد منها جمع فروع جامعة ما لها فروع عدة منتشرة في عدد من المحافظات، في حفل واحد وموحد».
في جعبته أفكار عن «إتاحة الفرصة أمام الفرق الفنية الشبابية لتقديم عروضها المسرحية أو الفنية، في مسرح حديقة القصر التي تتسع لنحو 400 شخص، على أن يستفاد من المسرح في إقامة علاقات تعارف وتعاون بين هذه الفرق. عقد لقاءات مع ناقد أو مبدع في عالم الكلمة أو الانجازات، أو فنان في الرسم أو المسرح أو الفلكلور، على أن يكون اللقاء شهريا. إقامة صالون ثقافي يكون ملتقى لأهل الفكر والفن والإبداع. استغلال حديقة القصر لعرض الأنشطة الفنية، خصوصا في فصل الصيف، مثل عرض المنحوتات أو الرسومات (ليوم واحد) أو أنشطة فلكلورية أو موسيقية. إنشاء ورشة صغيرة (محترف) بغية اطلاع الجمهور على كيفية عمل الفنان من رسم أو نحت وما شابه. وتأسيس مكتبة تجمع فيها كتب كل من مرّ على القصر، ليوضع في تصرف الرواد».
ولا ينسى الخوري طلاب الجامعات، ويؤكد أن القصر سيكون متاحا أمام طلاب المعلوماتية، والترجمة الفورية، والعلاقات العامة والإعلام للتدريب فيه.
ويختم: «كل حلمي أن يتحول القصر إلى خلية يتواصل فيها الحراك الثقافي على مدار الساعة».