ماذا عن المخاض الذي سبق الخاتمة السعيدة، وكيف اختمرت صفقة تحرير الراهبات؟
نشرت صحيفة "السفير" الرواية الكاملة بمراحلها المتدرجة حول عملية إطلاق سراح راهبات معلولة، فكتبت :
ماذا عن المخاض الذي سبق الخاتمة السعيدة، وكيف اختمرت صفقة تحرير الراهبات؟
مفاوضات متقطعة ومعقدة، انقضت ما بين اختطاف راهبات معلولا في الثالث من كانون الاول 2013، ومساء امس. ثلاث قنوات مختلفة فاوضت نائب امير "جبهة النصرة" في القلمون "ابو عزام الكويتي" في مقره في يبرود، قبل التوصل الى التفاهم الاخير الذي انقشعت معه الغيوم.
وغداة عملية الخطف، انطلق مساران من التفاوض، على قاعدة ان الراهبات ضيفات يسهل تحريرهن، ولسن رهينات، وهو ما ردده للتغطية سياسياً على عملية الخطف، أقطاب في المعارضة السورية، كميشال كيلو، الذي قال إثر العملية، إن المعلوليات ضيفات لدى صديق في يبرود، ولسن مخطوفات.
وخلال الاسابيع الاولى، وقبل دخول القطريين على خط المفاوضات، كان ابو عزام الكويتي، (نائب ابو مالك التلي الذي هو امير "جبهة النصرة" في القلمون) قد استرد من الخاطف الاول والمهرب السابق بين لبنان وسوريا مثقال حمامه، احد قادة "كتائب الصرخة"، المجموعة التي خطفها، عند الهجوم الثاني على معلولا في الثاني من كانون الاول. واختبر الخاطفون في البداية، مكتب الامم المتحدة في دمشق، ورئيسه السفير مختار لماني. رفض لماني الذهاب الى يبرود للتفاوض مباشرة مع "جبهة النصرة"، بعد حديث في "السكايب" مع ابو عزام الكويتي. وكانت نيويورك، قد اوعزت للماني، برفض اي اتصال مباشر، مع "جبهة النصرة" الموضوعة على لائحة الارهاب، فتوقفت المفاوضات.
انفتح مسار ثان بالتوازي مع المسار الاممي المتراجع. لعب رجل الاعمال اليبرودي، جورج حسواني دورا بارزا في المفاوضات. لم يكن وسيطا بالمعنى الدقيق للكلمة، فحسواني القريب من الحكومة السورية، كان يقوم بنقل العروض المتبادلة احيانا والاجوبة عليها، بالتنسيق مع اللواء ابراهيم، وكان في بعض الاوقات يعيد الامور مع الخاطفين الى اطارها الصحيح، لكسب الوقت، بالرد على مفاوضه المستمر والدائم ابو عزام الكويتي، الذي لم يخلع حزامه الناسف، ثانية واحدة خلال التحدث اليه، عبر السكايب.
وخلال المفاوضات، انتقل المخطوفون والخاطفون الى الاقامة في منزل جورج حسواني في يبرود، الذي صادرته "النصرة" في غيابه. دفع رجل الاعمال اليبرودي اكلاف اقامة الخاطفين في منزله المؤلف من ثلاث طبقات، لتحسين شروط احتجاز الراهبات، وتسهيل التحدث اليهم، يومياً (أطلت الراهبات مرتين في غضون ثلاثة أشهر عبر شريطين تلفزيونيين).
ردد الخاطفون انهم لا يبحثون عن فدية مالية، وان جل اهتمامهم، ينصبّ على مبادلة الراهبات بمعتقلات في سجون الحكومة السورية. قدموا في البداية لوائح ضمت مئات الأسماء، قبل أن يتواضعوا ويبلغوا عتبة الــ 138 اسماً لمعتقلات سوريات، واشترطوا لاستكمال العملية التفاوضية، وقبل التوصل الى حل نهائي، ان تقدم الحكومة على بادرة حسن نية، وتطلق سراح سجينة عراقية تدعى سجى حميد الدليمي، وهي زوجة مسؤول عراقي في "القاعدة"، كانت السلطات السورية، قد اعتلقتها مع ثلاثة من اطفالها، في احدى العمليات بريف دمشق.
رفض السوريون الشرط المتعلق بسجى الدليمي لانها ليست من المعتقلات السوريات، وردوا بأن الاسماء التي تقدم بها ابو عزام الكويتي، ليست كلها في قبضة الحكومة. فمن بين 138 اسما، لا تتوافر اي معلومات عن 66 اسما، فيما اطلق سراح عشرة من المعتقلات الواردة اسماؤهن في اللائحة، ويمكن اطلاق سراح 23 اخريات. ومن بين الاسماء رويدة كنعان وقمر الخطيب ورندا الحاج عواد وزاهية عبد النبي وياسمين البلشي ودلال الكردي وحورية عياش وهنادي الحسين ومجدولين الباير.
عززت المطالبة بسجى الدليمي، قناعة من تابعوا المفاوضات بأن ابو عزام الكويتي لم يكن سوى الواجهة المعلنة، وأن المفاوضين الحقيقيين، في مكان آخر، لان الكويتي، لم يكن في اي لحظة من المفاوضات، قادرا على الاجابة على العروض المقدمة اليه، ليتبين في ما بعد، انه ليس اكثر من وسيط في العملية، التي تتحكم بها اطراف اخرى في "جبهة النصرة"، ويقودها عن بعد ابو محمد الجولاني، امير "النصرة" في بلاد الشام.
توقفت المفاوضات على المسار السوري بداية العام الحالي، وبدأ تفعيل القناة القطرية، بالتنسيق مع اللواء ابراهيم، وخلال الشهر الماضي، زار مبعوثون قطريون منطقة الجرود حول عرسال، وبدأوا بالتحدث مباشرة الى المجموعة الخاطفة، ولكن من دون ادنى تقدم يذكر. وتقدم الخاطفون بلائحة اسماء معتقلات سوريات ضمت ما لا يقل عن الف اسم، الى اللواء ابراهيم، لم توافق السلطات السورية على التفاوض بشأنها، واعتبرتها غير جدية.
وكان اللافت للانتباه شمول اللائحة حوالي 150 اسما من المعتقلين الاسلاميين في سجن روميه، معظمهم ممن يحملون جنسيات غير لبنانية، وقد كان موقف اللواء ابراهيم بالتنسيق مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي حاسما برفض التفاوض على إطلاق أي سجين من روميه.
ويقول مسؤول سوري تابع المفاوضات، ان الحياة دبت في عروقها قبل ايام، بعدما طرأت تطورات مهمة على الاوضاع في يبرود، شبيهة بتلك التي أحاطت بظروف صفقة أعزاز. فقد احتدمت خلال الاسبوعين الماضيين معركة القلمون، وتشتت المجموعات المقاتلة، التي تضم عشرة آلاف مقاتل على الجبهات كافة، وقتل الخاطف الاول مثقال حمامة، في احدى كمائن الجيش السوري في المنطقة، ما اطلق يد المفاوضين الآخرين.
وقبل اسبوع قرر الخاطفون، مغادرة منزل جورج حسواني في المدينة، مع اقتراب الجيش منها، وسقوط التلال الاستراتيجية حول مزارع ريما، على تخوم يبرود، بيد مقاتلي "حزب الله" و"الحرس الجمهوري". وتم توزيع الراهبات على عدد من المواقع في يبرود.
وعادت ورقة الراهبات لتطرح بقوة، لمقايضتها بما هو أبعد من الفدية. وقبل يومين، اعاد "ابو يزن " قائد "لواء الغرباء" في القلمون، الاتصال مجددا، بوسيط في القناة القطرية مع الحكومة السورية، وطلب التسريع في انجاز الصفقة، مشترطا الحصول على 16 مليون دولار، وإطلاق سراح من وردت اسماؤهن في اللائحة، مضيفا مرة أخرى اسماء سجى الدليمي وأطفالها الثلاثة العراقيين وزوجها. وافتتح ابو يزن الشق الامني والعسكري من المقايضة، طالبا وقفا لاطلاق النار، حول يبرود والتوقف عن قصفها. كما طالب بتوفير ممرات انسحاب آمنة لـ1500 مسلح في يبرود، نحو رنكوس، وعرسال، لكن هذا الشرط رفض رفضا قاطعا.
ويقول مصدر سوري، ان القطريين تكفلوا بدفع الفدية، وان السلطات السورية وافقت على اطلاق المعتقلات، ولكن الشق الامني والعسكري استبعد كليا من اي مفاوضات.