إن المعلم أمين وأمانته هي الإنسان الذي فيه صلاح المجتمع وانحطاطه. فلو خان الإنسان في أية أمانة أخرى؛ فإنه يرتكب ذنباً حتماً، وعمله هذا لا يؤدي إلى حدوث مشكلة في المجتمع...
التربية أهم من التعليم
إن المعلم أمين وأمانته هي الإنسان الذي فيه صلاح المجتمع وانحطاطه. فلو خان الإنسان في أية أمانة أخرى؛ فإنه يرتكب ذنباً حتماً، وعمله هذا لا يؤدي إلى حدوث مشكلة في المجتمع.
أما لو كان الإنسان هو الأمانة، الطفل المؤهل للتربية هو الأمانة، فإن الخيانة بهذه الأمانة-لا سمح الله-سوف ترونها في وقت ما قد تسببت بخيانة شعب وخيانة مجتمع، وخيانة الإسلام.
إن الذنب المرتكب في مجال التربية والتعليم يختلف كثيراً عن ذلك الذنب الذي يرتكبه شخص في دائرة معينة أو وزارة من الوزارات. فالذنب المرتكب في وزارة معينة لا يقضي على البلاد مثلاً إلا في حالات نادرة. أما لو تربى طفل في سلك التربية والتعليم تربية فاسدة، وتربى على أخلاق شيطانية واستكبارية؛ فإنه قد يدفع البلاد نحو الهاوية من خلال تربيته الشيطانية وأخلاقه الاستكبارية، ويدفع بعدد كبير من الناس إلى الفساد.
لذا فإنكم - أيها المعلمون - ومن خلال عملكم العظيم هذا تشتركون معهم في جميع ذلك سواءً في الحسنات أو السيئات، تشاركونهم بالجريمة أحياناً، وأحياناً بالنورانية التي أوجدتموها أنتم. إنكم أمناء على مثل هذا الجيل، ويجب أن تمارسوا التربية إلى جانب التعليم. وهذه الوظيفة لا تقتصر على وظيفة معلم العلوم الدينية، بل هي وظيفة جميع المعلمين مهما كانت فروعهم، وجميع أساتذة الجامعة مهما كانت تخصصاتهم.
إن عملكم أيها السادة ويا معلمي الدين هو التربية. يجب عليكم تعليم تلك المجموعة التي بين أيديَكم، واعلموا أن التربية أهم من التعليم.
التعليم رسالة إلهية ونبوية
إن دور المعلم في المجتمع كدور الأنبياء، الذين هم معلمو البشرية. إنه دور مهم وحساس للغاية، ومسؤولية ثقيلة.
دور مهم لأنه هو نفس دور التربية والتي هي «إخراج من الظلمات إلى النور» {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (البقرة:257). هذه هي سمة المعلم. وينسب الله تبارك وتعالى هذه السمة له، فهو ولي المؤمنين، ويخرجهم من الظلمات إلى النور. فالمعلم الأول هو الله تبارك وتعالى الذي يُخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويدعو الناس بواسطة الأنبياء وبواسطة الوحي إلى النورانية، وإلى الكمال، وإلى العشق، وإلى الحب، ويدعوهم إلى مراتب الكمال التي هي للإنسان، ومن بعده الأنبياء الذين ينشرون تلك المدرسة الإلهية وعملهم هو التعليم أيضاً، إذ يعلمون البشرية، ويعلمون الناس. عملهم هو تربية الإنسان ليسمو عن مقام الحيوانية ويصل إلى مقام الإنسانية.
حضن الأم أول مدرسة
أنتنّ أيتها السيدات تملكن شرف الأمومة، فتسبقون الرجال بهذا الشرف، وتقع عليكن مسؤولية تربية الطفل في أحضانكنّ. فحضن الأم هو أول مدرسة للطفل. وتربي الأم الصالحة طفلاً صالحاً، ولو كانت منحرفة-لا سمح الله-فسوف يخرج الطفل من حضنها منحرفاً، ولأن الطفل يرتبط بعلاقة خاصة بالأم لا مثيل لها، وينظر إليها على أنها تجسّد كل آماله، فإن كلام الأم وخُلقها وعملها يؤثر في الطفل.
وبما أن حضن الأم هو الصف الأول للطفل فلو كان طاهراً ونزيهاً ومهذباً لنشأ الطفل منذ البداية ونما مع تلك الأخلاق الصحيحة ومع تهذيب النفس ذاك ومع ذلك العمل الجيد. فأنتنّ المسؤول الأول عن أطفالكنّ. كما أنه لو ربيتنّ طفلاً تربية صالحة فقد يحقق سعادة شعب بأكمله، وإذا تربى طفل-لا سمح الله-تربية فاسدة في أحضانكنّ فقد يؤدي إلى حدوث فساد في المجتمع.
يتربى الطفل في حضن أمه أفضل من المعلم. وإن علاقة الطفل بأمه لا تضاهيها أية علاقة، وإن ما يسمعه من أمه في صغره ينقش في قلبه، ويبقى معه حتى النهاية.
يجب على الأمهات أن يلتفتن إلى هذا المعنى فيربين الأطفال تربية صحيحة ونزيهة، ولتكن أحضانهنّ مدرسة علمية وإيمانية، وهذا شيء عظيم جداً لا يستطيع أحد أن يقوم به سوى الأمهات. ويتقبل الطفل من الأم أكثر مما يتقبل من الأب. وتؤثر أخلاق الأم في طفلها الصغير، ويتأثر بها أكثر من الآخرين.
فالأمهات أساس الخيرات، وسوف يكوننّ-لا سمح الله-أساس الشرّ فيما لو ربّين أطفالهنّ تربية سيئة. قد تربي أُمّ معيّنة طفلها تربية حسنة، فيقوم ذلك الطفل بإنقاذ أمّة، وقد تربيه تربية سيئة فيكون سبباً لهلاك أمّةٍ.
دور الأهل في التربية
إن تأثير الأسرة-وخاصة الأم-على الأطفال، والأب على الأحداث كبير جداً. ولو تربى الأولاد بشكل لائق وتعليم صحيح في أحضان الأمهات وبحماية الآباء المتدينين، ثم يُرسلون إلى المدارس، فإن عمل المعلمين سيكون أسهل.
أساساً فإن التربية تبدأ من الحضن الطاهر للأم، ومن جوار الأب. ويمكن من خلال التربية الإسلامية والصحيحة وضع اللبنات الأولى للاستقلال والحرية، والالتزام بمصالح البلاد. واليوم يجب على الآباء والأمهات أن يهتموا بسلوك أولادهم.
وينبغي للآباء والأمهات أن ينتبهوا إلى أن سنوات المدرسة والجامعة هي سنوات الهيجان والتحرك بالنسبة لأولادهم، وأنهم ينجذبون إلى المجموعات والمنحرفين من خلال أبسط الشعارات.