مرّ الأمين العام السابق للهيئة العليا للإغاثة، الموقوف حالياً، بـ «ساعة تخلٍّ». ساعة جعلته يذكر مشاكله مع ميقاتي، قائد الجيش، الاستخبارات، إضافة إلى الصرف المالي على نائب شمالي و«جماعة الأسير»، قناعته
محمد نزال
مرّ الأمين العام السابق للهيئة العليا للإغاثة، الموقوف حالياً، بـ «ساعة تخلٍّ». ساعة جعلته يذكر مشاكله مع ميقاتي، قائد الجيش، الاستخبارات، إضافة إلى الصرف المالي على نائب شمالي و«جماعة الأسير»، قناعته بأن المعارك في طرابلس مفتعلة، رسمياً، وهو توقع سابقاً أن رأيه الذي باح به سيوقعه... ووقع. في ملف «الإغاثة» الكثير من الفضائح، يبقى للقضاء أن يبتّها، وللمواطنين، دافعي الضرائب، أن يعرفوا كيف تُنفق اموالهم؟ واين؟... إليكم بعض الإفادات الرسمية الصادمة التي ادلى بها بشير في التحقيقات الجارية معه، وفق ما كشفته مصادر قريبة من التحقيقات.
هل تذكرون الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة، إبراهيم بشير؟ العميد المتقاعد، الذي أوقف قبل نحو 4 أشهر، ثم ادّعاء القضاء عليه بجرم «اختلاس وتبييض الأموال». أين أصبحت قضيته؟ قبل أيام قليلة كان قاضي التحقيق الأول في بيروت غسان عويدات لا يزال يستمع إلى شهود جدد في القضية. هل أظهرت التحقيقات تفاصيل توعّد بشير نفسه بكشفها؟ هل كل القصة تتصل باختلاسه، مع زوجته (رجاء يونس)، وشخص آخر في أفريقيا (حسين فواز) ومعه زوجته (زينب الصمدي) أيضاً، مبلغ 4 ملايين دولار تقريباً من المال العام... أم أن «ما خفي كان أعظم»؟
ان كشف ما ادلى به بشير في التحقيقات معه، هو بحدّ ذاته يجسد المصلحة العامّة، ولا سيما في ظل الكلام الكثير عن الفساد السياسي والاداري، الذي يطاول الهيئة العليا للاغاثة، كما غيرها.
كثيرون استغربوا، آنذاك، رفع الغطاء السياسي – الطائفي غير المألوف عن موظف كبير. هذه ليست عادة لبنانية إطلاقاً. فما الحكاية؟ بشير هاجم الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي، ولاحقاً رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، الذي تتبع الهيئة العليا للإغاثة له مباشرة، علماً أن ميقاتي هو من كان قد أتى ببشير إلى رأس إدارة الهيئة. حاول الموظف الموقوف اليوم، قبل توقيفه، إعطاء المسألة بعداً «مذهبياً». تحدث عن خلاف معه (داخل البيت السني بحسب وصفه) من قبل بوجي وسواه. قال لـ«الأخبار» قبل يوم واحد من توقيفه: «لدي الكثير من المعلومات عن مخالفاتهم وارتكاباتهم، وعن كيفية صرفهم أموالاً بلا وجه حق، وهي مبالغ ضخمة، وعندها عليّ وعلى أعدائي يا رب». انتظرنا «الفضائح» لكنها لم تظهر، بل على العكس، ذكرت مصادر لـ«الأخبار» أنه، في التحقيقات الأولية معه، اعترف بما أسند إليه من تهم، التي كانت «هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال» في مصرف لبنان قد بينتها من خلال تقارير ترصد حركة مريبة في حسابات مصرفية عدّة تعود الى المتهمين المذكورين وآخرين على صلات معهم.
تعبت صحة بشير بعد توقيفه، ونقل إلى المستشفى، بعدما قال أمام المحققين، بحسب المصادر نفسها: «إنها ساعة تخلّ، لم أقدّر نتائجها، والله يلعن الشيطان». إذاً، إنه الاعتراف (وإن ظل ينكر بعض ما أسند إليه).
لكن مهلاً، ثمّة معلومات أدلى بها المتهم الموقوف في التحقيقات معه لا يمكن القفز عنها. معلومات ربما تلخص القضية من أصلها، حكاية نموذجية، ربما، عن: كيف ومتى ولمَ يُرفع الغطاء السياسي – الطائفي عن أحدهم في لبنان. إليكم بعض مما قاله إبراهيم بشير في مراحل التحقيق معه، بحسب ما كشفته المصادر القريبة من التحقيقات.
«إغاثة» المرعبي والأسير!
في التحقيق معه أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت غسان عويدات، يوم 19/11/2013، تحدّث بشير عن خلافات كبيرة بينه وبين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. فالأخير «رئيس الهيئة الهيئة العليا للإغاثة (بصفته رئيساً للحكومة)، أما أنا، فالأمين العام لهذه الهيئة». واضاف: «من أسباب هذا الخلافات هو الخلاف بيني وبين قائد الجيش، وعدم سماح ميقاتي لي بمقاضاة رئيس مكتبه، وقد أرسلت إليه كتاباً في شهر أيلول (أبرز لكم نسخة عنه). هذا الأمر هو ما جعلني أطلب من ابني وسام، المتزوج امرأة روسية، أن يذهب إلى خارج لبنان هو وأولاده، إذ سبق أن تعرّض لمحاولة قتل في طرابلس». أكثر من ذلك، ذكر أنه من جملة الخلافات مع ميقاتي هو «ما كان يطلبه مني (كهيئة عليا للإغاثة) من مساعدات للنائب معين المرعبي، وكذلك لشخصين قُتلا من جماعة (أحمد) الأسير، وكثير من الطلبات لسياسيين آخرين».
في جوابه على سؤال عن عدد المستودعات التابعة للهيئة العليا للإغاثة في لبنان، يجيب بشير: «المستودع الأساسي في مرفأ بيروت، ومستودعات «ائتلاف المجموعات الإسلامية» ومستودعات المفوضية الأوروبية، وكذلك دار الإفتاء». لم يوضح بشير معنى مستودعات «ائتلاف المجموعات الإسلامية» (ولا يبدو أن المحققين سألوه عن الأمر)، كما لا تُظهر التحقيقات أن المحققين سألوه عن طبيعة عمل هذه المستودعات، أو حتى عن أسماء مالكيها وبعهدة من.
يُسأل بشير في التحقيق معه عن قيمة المبالغ التي صرفها لمساعدات النازحين السوريين إلى لبنان، فيجيب: «بين 10 مليارات و12 مليار ليرة لبنانية»، لكن ما هو تفسير بشير لكون حسين فواز (المدّعى عليه في القضية، والمتواري عن الأنظار) قد قبض من الهيئة 5 ملايين دولار عبر شركته التي تدعى FAWCO، ولا سيما ان هذه الشركة فازت بعقود سخية مع الهيئة، على الرغم من انها حديثة العهد، ولم يجر قيدها في السجل التجاري إلا في 13 نيسان 2013. يقول بشير: «هذه المبالغ تُنفق من الأموال المخصصة للأحداث في طرابلس، وقد طلب مني رئيس الحكومة (ميقاتي) أن أصرف الأموال في طرابلس، وهو وقّع ورقة جاء فيها: «تُصرف من الأموال المخصصة لطرابلس». ويختم إجابته بأنه «كان يُدفع مبلغ 23 مليار ليرة تقريباً في الشهر لطرابلس، ويوجد دليل على ذلك، وهو وزير المال».
وسام الحسن أم الجيش؟
قبل مثول بشير أمام قاضي التحقيق الأول، مثل بشير أمام النيابة النيابة العامة التمييزية، بشخص القاضي شربل أبو سمرا، وهناك بتاريخ 11/11/2013 سُئل: «يتبين من حركة حساب زوجتك في بنك لبنان والمهجر (الذي فتحته بناء على طلب بشير) حوّلت إلى حسابها في فرنسبك – فرع روسيا البيضاء، مبلغ 3.6 ملايين دولار، وأفادت بأنها تقوم بهذا التحويل لرغبتها في الانتقال والعيش هناك، خوفاً من الوضع في لبنان، فبمَ تجيب؟». وها هو بشير يجيب بكثير من الإسهاب، بما لم يكن كثيرون يتوقعونه، فيقول: «خلال شهر تموز من العالم الحالي (2013) تعرّض ابني وسام لحادث مع مجموعة من المسلحين في طرابلس، على خلفية سياسية، والحقيقة هي أنني بمناسبة عيد الفصح في العام الماضي، أرسلت إلى دولة الرئيس (نجيب) ميقاتي كتاباً موقّعا مني، أخبره فيه أنه بمعرض حصول التمديد لقائد الجيش، يعمل بعض الأفرقاء على إثارة النعرات في طرابلس لقيام مواجهات تبرر التمديد. لكن ميقاتي أبلغ العماد قائد الجيش الكتاب المذكور، ما أدّى إلى سوء العلاقة بيني وبين قائد الجيش. لاحقاً استدعاني ميقاتي وقال لي أمام قائد الجيش، الذي كان موجوداً، إن وسام الحسن هو من يعمل على حصول الحوادث في طرابلس لا قائد الجيش، فأجبته أن من يقوم بذلك هو العميد عامر حسن التابع لقيادة الجيش (استخبارات منطقة الشمال). إثر ذلك قام رقيب أول في الاستخبارات بمحاولة التعرّض لي لاستدراجي، وبرغم أن القضية انتهت حبيّاً، إلا أنه جرى استدعائي إلى الشرطة العسكرية للتحقيق معي. أحسست أن الأمر معد لتوقيفي، فأجريت اتصالات على أعلى المستويات، فحُل الموضوع». لا يُعلقّ المحققون على ما ذكر، ولو بأسئلة استيضاحية، ويعودون إلى متابعة الأسئلة عن حجم المبالغ التي حوّلتها زوجته إلى الخارج. مصادر قضائية متابعة للقضية، تنقل لـ«الأخبار» أن في قضية بشير الكثير من الرؤوس الكبيرة التي يمكن استدعاؤها إلى التحقيق، لكن «ما السبيل إلى خرق الحصانات الدستورية والسياسية؟». من يجرؤ على المس بتلك الرؤوس، ولو بمجرد استدعاء لإفادة؟ هذا هو السؤال.
تعويضات حرب تموز
بعد يومين، كان بشير يمثل أمام النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، وهناك أفاد بما يلي: «تسلمت منذ سنتين الهيئة العليا للإغاثة، وبدأت بملف النازحين السوريين، لم يُحدد مبلغ، لكن أطلب عند الحاجة 10 مليارات ليرة لبنانية. عندما بدأت عملي لم يحصل تسليم وتسلم، وطلبت من المسؤول المالي إجراء كشف مع المصرف المركزي لبيان المبالغ العائدة للهيئة. لم أعرف بالتحديد المبلغ المتوافر، لكن أغلب المبالغ الموجودة كانت مخصصة للتعويضات عن حرب تموز». ربما يكون على المعنيين، اليوم، مصارحة أصحاب البيوت التي دمّرها العدو الإسرائيلي، بأن أموالهم قد «نُهبت» (ربما ليس كلها) أو جرى صرفها لاغراض سياسية وحزبية في أماكن أخرى.
بشير اليوم رهن التوقيف الاحتياطي، لم يصدر القرار الظني في حقه بعد، لكن هناك اعترافات ودلائل. هل كان العميد المتقاعد فقيراً، أو معسراً، حتى يلجأ إلى الاختلاس وتبييض الأموال؟ سؤال شغل بال بعض المحققين معه، الذين استغربوا منه أن يصل إلى ما وصل إليه، برغم منصبه الرفيع ودخله العالي. في الواقع كان مدخول بشير المالي بحسب أقواله هو: «أقبض معاشا تقاعديا قدره 5 ملايين ليرة لبنانية، إضافة إلى 5 ملايين ليرة بقرار من مجلس الوزراء، ومليونين نثريات». أي ما مجموعه 12 مليون ليرة شهرياً (فضلاً عن غير المعلن).
400 مليون في جيب الابن
قبل أيام، أضيف اسم خامس في القضية، لكن في تفصيل مختلف، وهو وسام بشير، نجل إبراهيم، الذي ادّعت عليه النيابة العامة المالية بتهمة الاختلاس. هناك بلاغ بحث وتحر بحقه الآن (هو خارج البلاد). عرف وسام أن مجموعة من الأشخاص استحقت مبلغ 400 مليون ليرة، من الهيئة العليا للإغاثة، فقصدهم وعرف أن لديهم ابنة مريضة من ذوي الاحتياجات الخاصة. قال لهم حولوا المبلغ إلى حسابي وأنا سأتكفل بمعالجة ابنتكم. صدقوه، فهو ابن مسؤول في الدولة، فما كان منه إلا أن وضع المبلغ في جيبه وطار به إلى الخارج.
ميقاتي «يُخبر» ضد بشير
قبل توقيف بشير، وبعد شيوع الفضيحة، أرسل ميقاتي «رسالة تنبيهية» إليه. يقول فيها: «أنبهك إلى أن ما أدليت به (عبر بعض وسائل الإعلام) يمثل خروجاً عن القانون، وعن موجب التحفظ وعدم الإدلاء بأية تصريحات من دون إذن من رئيسك المباشر، فضلا عن افتقادك المناقبية». ويضيف ميقاتي في رسالته: «إن رمي التهم جزافاً تجاوز حدود الانفعال، ليصل بفعل تهورك إلى ما قد يعد جرماً جزائياً، يُعاقب عليه قانون العقوبات. فمن ناحية إن ما قمت به يمثل محاولة يائسة لحرف القضاء الجزائي عن مسار القضية، التي أحلتها على هيئة التحقيق الخاصة (مصرف لبنان)، ومحاولة فاشلة للتشكيك في قرارات هذه الهيئة وإضفاء طابع سياسي على ما أوقعت نفسك فيه. ومن ناحية ثانية، إن ما أقدمت عليه يمثل محاولة لبث النعرات المذهبية والمناطقية». وختم ميقاتي رسالته بالإشارة إلى أنه سيحيل نسخة هذا «التنبيه» على النيابة العامة التمييزية، وهذا ما حصل فعلاً، إضافة إلى «إخبارات» من نوع آخر بحق بشير أرسلها ميقاتي إلى القضاء أيضاً.
من بين هذه الإخبارات، التي أرسلها ميقاتي، رسالة وصلته «فجأة» بعد توقيف بشير موقعة باسم «مواطن لبناني». أصبحت الرسالة الموجهة إلى ميقاتي بيد القضاء اليوم. مما يقوله «المواطن» إن بشير «عين 14 موظفاً جديداً من خارج الادارات، من دون علم رئيس مجلس الوزراء، منهم 9 موظفين لا يداومون في الهيئة، إلا عند قبض الراتب تحت عنوان إغاثة النازحين السوريين». كمّ هائل من التهم التي يوجها «المواطن» إلى بشير، الذي يعود ليصف نفسه بأنه من ضمن العاملين في الهيئة العليا للإغاثة، أي إنه لم يتكلم بكل ما ذكر إلا عندما وقع بشير في قضية أخرى. مصادر قانونية متابعة لهذا التفصيل تحديداً، ذكرت لـ«الأخبار» بأنه «يُرجح أن يكون بوجي، بالتنسيق مع أحد موظفي الهيئة، هو من صاغ هذا الإخبار ضد بشير».
أموال وفساد إداري
من بين التهم، التي يبدو صاحب الرسالة المذكورة آنفاً «استخبارياً» من النوع الذي يعرف كثيراً، جاء: «يمكنكم مراجعة تحرّي بيروت ومعرفة علاقة إبراهيم بشير بتخبئة ملايين الدولارات التي سرقها شقيق زوجته م. ي. من أموال مكتب الهندسة في بيروت، الذي كان يعمل فيه محاسباً. عندما تقدّم صاحب المكتب بشكوى، تدّخل المحامي م. د. في القضية بتكليف من بشير شخصياً لحل القضية، لأن شقيق زوجته الذي أوقف بهذه التهمة كان يعمل لحسابه... حلّت المسألة بإحضار مبلغ مليون دولار أوراق نقدية من منزل بشير فخرج الموقوف من السجن». بشير نفى أثناء التحقيقات أن تكون هذه الحادثة قد حصلت بالتفصيل المذكور، ولم يُعرف إن كان القضاء قد توسع فيها لاحقاً، كقضية منفصلة، مكتفياً باستدعاء المعني (شقيق زوجة بشير) والاستماع إلى إفادته التي نفى فيها ما ورد آنفاً. من بين التهم الكثيرة التي ساقها «المواطن الغامض» ضد بشير، أنه دخل في صفقات عقارية «فاسدة»، إضافة إلى «شقق اشترتها زوجته بمبالغ ضخمة لم تملك ثمنها».
من بين الشهود الذين استمع إليهم القضاء، مسؤول عمليات الكوارث في الهيئة العليا للإغاثة ا. ب. الذي أفاد بأنه «كان يوزّع المساعدات على السوريين واللبنانيين المقيمين في سوريا، وأنها كنت تُنقل بواسطة سيارات «بيك آب» وكانت الحصص إما في البلديات وإما في «الكميونات» التي تنقلها ولا دخل لي بالمستودعات». أما مسؤول المكننة في الهيئة العليا لللإغاثة أ. ع. فأفاد بأن «الوضع الإداري في الهيئة كان يرثى له، وهناك شيكات تظهر في الصرفيات وشيكات لا تظهر، والتلزيمات كانت تجري بالتراضي وأحياناً بطريقة صورية». يُذكر أن هذه الطريقة، غير القانونية، معمول بها (بحسب الإفادات) قبل وصول بشير إلى الهيئة، وليس معلوماً إن كانت قد تغيّرت الآليات اليوم. هكذا، بنتيجة مجمل الإفادات والشهادات الكثيرة في هذه القضية، يبدو بشير كحلقة منسجمة تماماً مع هيئة عليا لـ«الفساد» في أصل تكوينها الإداري، على غرار الكثير من الهيئات الحكومية في لبنان، التي لعل فيها أكثر من «بشير» مع فارق أنهم لم يقعوا بعد... وربما لن يقعوا.
نوّاب على حساب «الإغاثة»
يقول إبراهيم بشير رداً على أحد أسئلة التحقيق، عن علاقته بحسين فوّاز(المدّعى عليه في القضية بالتهم نفسها – الذي كان يزود الهيئة بمواد التغذية والاغاثة) إن الأسباب التي دفعته إلى التعامل معه هي «توافر الشروط والجودة، وهذا يعود إلى رغبتي في تلافي فضائح المواد الغذائية الفاسدة التي تعرضت لها الهيئة سابقاً، كما أن هناك شركات كان يوصي الرئيس نجيب ميقاتي بالتعامل معها، مثل شركة الصوفي». ويذكر بشير في أحد أجوبته أن حسين فواز ليس لديه مستودعات، وأنه «كان يسلمنا البضائع في مستودعات شركة حمزة التي يشتري منها المواد، أما في الحالات الطارئة، وعند إلحاح بعض النواب على رئيس الحكومة، فكانت مراقبة التوضيب تجري عند تسلّم البضائع في مستودعات النواب المعنيين». يذكر أن العلاقة مع مورد البضائع لم تكن تخضع للأصول القانونية، أي من غير استدراج عروض، إلى حد أن هذا يُعد عرفاً في الهيئة قبل بشير وبعده (بحسب إفادة بعض الموظفين - تحديداً مسؤولة المحاسبة المالية). اللافت أن المحققين في القضاء لا يسألون بشير عن هوية هؤلاء النواب، وهم من الشمال، وحتى عندما أتى على ذكر النائب معين المرعبي (الصورة)، فإنه فعل ذلك من تلقاء نفسه. ربما يجدر لفت نظر الجهات القضائية إلى طبيعة دور الهيئة العليا للإغاثة، التي لا يُتصور أن تكون علاقتها مع النواب، الذين يأخذون المساعدات ويوزعونها على الناس كأنها من أموالهم الخاصة.
لا يبدو أن القضاء، بحسب المعطيات والأوراق الرسمية، سيضم إلى ملف القضية أولئك النواب وسواهم من الشخصيات التي ورد ذكرها، لأنه عندها يكون يستدعي «النظام» الإداري – السياسي برمته في لبنان! لكنهم في المقابل يؤكدون: «التحقيقات لم تنته بعد».
لا أتدخل بأمور زوجتي
في إحدى جلسات التحقيق، يوجه إلى إبراهيم بشير السؤال الآتي: من أين لزوجتك أن تودع في حسابها لدى «بنك عودة» شيكا بقيمة مليون دولار؟ يجيب: «أنا لا أتعاطى في الأمور المالية العائدة لزوجتي». سؤال ثانٍ: زوجتك تقول في إفادتها أمام «هيئة التحقيق الخاصة – مصرف لبنان» إن مصدر أموالها منك أنت، فما هو تعليقك على ذلك؟ يجيب: «هذا غير صحيح، وهي تعمل مع ابنها منذ عام 2008». يتحايل القاضي على بشير، ليفهم دور زوجته في القضية بدقة، فيسأله: «هل سبق أن قبضت زوجتك مبالغ كالتي قبضتها، أي بملايين الدولارات؟ هنا يكرر بشير الإجابة نفسها، التي، على ما يبدو، يعرف أنها فاعلة وقوية في القانون، وأن القضاء لا يمكنه ردها: «أنا لا أتدخل في الموضوع المالي لزوجتي». يكررها باستمرار، لاحقاً أيضاً، حتى يكاد يظن المتابع أن بشير مجرد زميل عمل، مثلاً، بالنسبة إلى زوجته! يعود المحقق ويسأله: كيف تفسر أن ثروة زوجتك التي تمكنت من تحويل مبلغ مليونين ونصف مليون دولار أميركي منها، ظهرت بعد توليك منصب الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة؟ الجواب: «لا أعرف». سؤال آخر: هل تعرف أن زوجتك خضعت لعملية تجميل؟ يجيب: «أخبروني بذلك». يُذكر أن أحد الحسابات المصرفية المجمدة كان مشتركاً بين بشير وزوجته، إضافة إلى حساب آخر كان باسم الزوجة فقط، كما جرى ذكر صيدلية في الشمال تعود ملكيتها إلى أحد أبنائهما، كان الوالد يأخذ منها كميات كبيرة من الأدوية لـ«النازحين». هكذا، يبدو أن الهيئة العليا للإغاثة كانت هيئة لـ«صيادلة القربى» و... عمليات التجميل!
http://www.al-akhbar.com/node/202395
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه