نجح طلاب «الجامعة الأميركية في بيروت» بفرض إضرابهم، أمس، على إدارة الجامعة. أُخليت معظم المقاعد الدراسية، وتجمهر الطلاب في ساحات الجامعة كلها يطلقون صرختهم المدوّية ضد زيادة الأقساط: «لن ندفع». نجح...
نجح طلاب «الجامعة الأميركية في بيروت» بفرض إضرابهم، أمس، على إدارة الجامعة. أُخليت معظم المقاعد الدراسية، وتجمهر الطلاب في ساحات الجامعة كلها يطلقون صرختهم المدوّية ضد زيادة الأقساط: «لن ندفع». نجح الطلاب للأسبوع الثاني على التوالي بحماية وحدتهم الطلابية، مواجهين محاولات الإدارة شرذمتهم وتسييس تحركهم.
كارول كرباج / جريدة السفير
«وحدة وحدة طلابية تسقط الستة بالمية»، علت قبضات الطلاب عند مدخل الجامعة في الاعتصام الرئيسي عند الثانية عشرة، وكأنهم جسم واحد. شعاراتهم ولافتاتهم كلها تحدثت باسمهم كطلاب، فـ«لا مكان للحزبيين في الحراك.. إلا بصفتهم الطلابية». «يا طالب طل وشوف ما في حدا بالصفوف». يرفض الناشطون الإفصاح عن انتمائهم لنوادٍ طلابية (أو أحزاب). «أنا هنا كطالب، لا كعضو في النادي»، عبّر العديد منهم.
يهتف أحدهم حاملاً مكبّر الصوت وسط الحشد: «الإدارة ما سمعت الأسبوع الماضي. نقول لها اليوم إن الإضراب خطوة أولى، وسنمضي في حراكنا». فيصيح بنبرة حماسية: «علّوا صوتكن لتسمع الإدارة»، ليطلق الشعار الأشهر: «الطالب يريد إسقاط القرار». تتحمّس متظاهرة وتعود إلى الشعار الأصلي «الشعب يريد إسقاط النظام». يعارضها بعض من حولها، فتضحك مبررةً: «هي ذاتها: الإدارة هي النظام».
لم تقتصر الشعارات على رفض «الزيادة»، طالت قضية الفساد وغياب الشفافية في الجامعة: «يا بيتر (رئيس الجامعة بيتر دورمان) قول الحق، المصاري انسرقت ولا لأ». يوضح طالب الهندسة مازن عزام خطاب الطلبة بكلمات مقتضبة: «تحركنا يهدف إلى محاربة الفساد واعتماد الشفافية المالية في جامعتنا وإشراك الطلاب في القرار الأكاديمي». بينما تؤكد رهام قنوت التي حملت لافتةً تظهر رسماً يُبيّن الزيادة 37 في المئة منذ ثلاث سنوات: «شخصياً أستطيع أن أدفع الزيادة، لكنني أشارك في الاعتصام لأنّ التعليم حق للجميع، وليس امتيازاً أو حكراً على طبقة معينة».
لم تُفقد جدية المطالب فُكاهة الاحتجاج. رقص الطلاب وهم يعانقون بعضهم بعضا على إيقاعات الدف والدربكة وعلى أغانٍ حرّفوا كلماتها لتتماشى مع المناسبة. فحضرت شادية بـ«إمتى حتعرف إمتى، إنت حرامي إنت»، وزياد الرحباني مع «الحالة تعباني يا دورمان، مصاري ما فيش، إنت غني يا دورمان واحنا دراويش»، ومارسيل خليفة «شدوا الهمة الهمة قوية، يا تلاميذ الأميركية. أميركية هيلا هيلا. صوت الجامعة الجامعة نحن، ساحة الجامعة مطارحنا».
رُسمت الابتسامات على وجوه البعض، وهم يقرأون لافتات زملائهم الساخرة، مثل «لا تلحقني مديونة»، و«اعتبروني بسينة» (في إشارة إلى تخصيص الجامعة ميزانية لإطعام القطط)، و«يسقط نظام البواب» (Dorman في الإنكليزية وهي عائلة رئيس الجامعة) وDorman» you are the because» (ترجمة حرفية للعربية: دورمان أنت السبب). وكانت معظم الهتافات بالعربية، وباللهجة المصرية أحياناً «بص وشوف AUB بتعمل إيه».
وشارك عدد من الأساتذة في الوقفة الاحتجاجية، داعمين مطالب طلابهم بصراحة. فأكّد رئيس اتحاد الأساتذة جاد شعبان أن «غالبية الأساتذة التزموا بالإضراب. كثيرون أبدوا دعمهم الصريح للتحرك، وآخرون اكتفوا بتفهم مطالب الطلاب».
وقفت الأستاذة ليزا أرمسترونغ بين الطلاب تنظر إليهم بإعجاب واصفةً ما يحصل بـ«الرائع». تعتبر أرمسترونغ التي تدرس مادة «المؤسسات المالية والحركات الاجتماعية» أنّ «الطلاب يمارسون على الأرض ما تعلموه في صفوفهم. هم يحاولون فرض شروط التعليم الذي يريدونه ويطالبون مؤسستهم بتجسيد قيمهم وحاجاتهم». كرّست أرمسترونغ جزءاً من حصص التدريس لمناقشة التحرّك بين طلابها: «يعتقد الطلاب أن تحركهم لا يقتصر على نوعية التعليم وكلفته. هم يُسائلون قيم جامعتهم».
وعلى الرغم من انخفاض عدد المشاركين في الاعتصام مقارنةً بالاعتصام الماضي، والذي تفسره نائبة رئيسة الحكومة الطلابية جنان أبي رميا بعدم حضور جميع الطلاب إلى الجامعة بسبب الإضراب، كانت مشاركة كثيرين للمرة الأولى واضحة في الوقفات الاحتجاجية. ما يعني أن الناشطين يشاركون تجاربهم مع بقية الطلاب. وتجلى ذلك في مشهد الهتافات نفسه عندما حثّ ناشطون طلاباً على تخطي خجلهم وحمل مكبّر الصوت.
تعبّر طالبة علم النفس الاجتماعي كارول أبي غانم عن أهمية النقاشات وإشراك الطلاب بعملية اتخاذ القرارات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والعلاقات الشخصية والاجتماعات المفتوحة لجميع الطلاب. «نحاول أن نتعلم من أخطاء الماضي. فشل تحرك العام 2010 لأن القوى السياسية الموجودة خرقته وشرذمته. لن نسمح بتسييس حركتنا وتفريقنا». ويؤكد طالب الهندسة أمجد كمالي المضي بالتحرك حتى تحقيق المطالب. «لن نتراجع كما فعلنا العام 2010. إذا خضعنا اليوم، فلن تتوقف الإدارة عن ابتزازنا وزيادة الأقساط».
يحمّل شعار «إسقاط الزيادة» معانيَ كثيرة. يُسقط تحرك «الأميركية» الحدود بين طلاب من مختلف الكليات، والأعمار والجنسيات والطبقات الاجتماعية والتيارات السياسية. يُطلق الطلاب صوتاً موحداً دفاعاً عن مصالحهم في ساحة يعلو مدخلها شعار: «لتكون لهم الحياة وتكون حياةً أفضل».
المطالب
أصدر طلاب «الجامعة الأميركية في بيروت» خلال اعتصامهم احتجاجاً على زيادة الأقساط، أمس، بياناً، أشاروا فيه إلى أنّ «تحركنا هو لرفض زيادة الـ6 في المئة التي تنوي الإدارة فرضها علينا السنة القادمة من دون مبررات مقنعة، ومن دون الأخذ برأينا نحن الممول الرئيسي للجامعة».
وطالبوا بـ«حقنا بالشفافية المالية، وبالاشتراك بالقرارات التي تطالنا شخصياً، والتي قد تؤدي بالكثير منا لعدم إكمال دراسته. نزلنا رفضا لسياسة الفرض بالقوة التي تعتمدها الجامعة على تلاميذها».
وقالوا إن «هذه الجامعة وعلى مدى 148 سنة كانت لكل الطلاب من الطبقات الاجتماعية كافة وستبقى كذلك».
أضافوا: «نزلنا دعماً للـحكومة الطالبية (USFC) التي رفضت الدخول في اللجنة المالية التي شكلها الرئيس بيتر دورمان قبل اجتماع مجلس أمناء الجامعة في 21 من هذا الشهر، وقبل إعطاءنا الضمانات الكافية للمطالب الآتية: تجميد الزيادة عند 0% والبحث عن مصادر أخرى للتمويل لا تكون على حساب الطلاب، إنشاء عقد للطلاب الجدد عند دخولهم الجامعة يوضح المبلغ الذي عليهم دفعه للحصول على الشهادة والتخرج من دون زيادات عشوائية، الحق بالشفافية من خلال نشر ميزانية الجامعة بحيث يستطيع كل الطلاب الإطلاع عليها، وبشرح مفصل للـ37 في المئة زيادة في السنوات الثلاث الأخيرة، إعلام الحكومة الطالبية من جانب الإدارة عند اتخاذ أي قرار يخص الطلاب مباشرة، وإعطاؤهم حق التصويت وحضور اجتماعات مجلس أمناء الجامعة ممثلين بنائب الرئيس.
وأشار الطلاب إلى أنهم لن يوقفوا تحركهم السلمي، وسيستمرون حتى صدور القرار النهائي من مجلس أمناء الجامعة بإعطائهم كل مطالبهم. وأبدوا استعدادهم الإضراب لأسابيع وليس ليوم واحد فحسب. ووجهوا تحية لكل «الأساتذة الذين دعمونا وأوقفوا الصفوف ونزلوا معنا، وللمتخرجين والموظفين الذين يساندوننا».