مساء أمس الأوّل، كتب مخترع الويب، الكلمات التالية، على موقع «رديت»: «أنا تيم برنرز لي. في 12 آذار/مارس عام 1985 تقدمت باقتراحي للشبكة العالمية (www).
مساء أمس الأوّل، كتب مخترع الويب، الكلمات التالية، على موقع «رديت»: «أنا تيم برنرز لي. في 12 آذار/مارس عام 1985 تقدمت باقتراحي للشبكة العالمية (www).
فادي الطويل / جريدة السفير
اليوم، بعد خمسة وعشرين عاماً، أنظر بدهشة لما حقَّقته من إنجازات، وكيف غيّرت طريقة كلامنا، والتي عن طريقها نتشارك ونبدع. باحتفالنا بـ25 عاماً على الانترنت، أريد من الجميع أن يفكروا بالمستقبل، وأن نسأل جميعاً كيف يمكن لنا أن نجعل هذه الشبكة منصّة مفتوحة، آمنة وخلّاقة بحقّ، ومتوفرة للجميع».
كلامٌ مقتضبٌ من الرجل الذي قام بمغامرة جمعت العالم بأطيافه وتبايناته وألوانه وثقافاته في «قرية صغيرة». لاحقاً، مساء أمس الأوّل، نُشرت مقابلات وتصريحات لبرنرز لي، أبدى فيها استياءه من تحكّم الحكومات بالويب، معرباً عن قناعته الراسخة بأنّه «ما لم يكن لدينا شبكة انترنت مفتوحة ومحايدة، نستطيع الوثوق بها والاعتماد عليها، فلن يكون لدينا حكومة مفتوحة، رعاية صحيّة جيّدة، مجتمعات متواصلة وتنوّع ثقافي.. فإنَّني (كمواطن) أمتلك الحقّ في استخدام الانترنت من دون خشية أن أكون ضحيّة تجسّس. لدي الحق في الدخول إلى موقعك والتواصل معك بغضّ النظر عن هويتك، سياستك، لونك أو ثقافتك».
يلخّص الرجل قناعته بضرورة وجود «شرعة كبرى» Magna Carta تثبت حرية التعبير والتواصل على الشبكة (الويب)، التي دعا لاستعادتها من الأنظمة المتطرّفة في ممارسة رقابة تعسفيّة. كما طلب برنرز لي دعم مبادرة «الويب الذي نريد» (the web we want) الهادف لحشد دعم شعبي، أولاً، ورسميّ لاحقاً، لضمان حقوق الأفراد في حريّة تصفح الويب بشكل آمن. وهو في هذا يدعم ما قام به إدوارد سنودن الذي «كشف ما يتعرض له الفرد من إجراءات مؤسسات ومراكز حكومية تتحد كلها على تقييده ومراقبته»، بحسب تعبيره.
ما قبل الانترنت
يعبّر تيم برنرز لي عن دهشته للأبعاد التي أخذتها فكرته، وكيف غيّرت وجه العالم إلى الأبد، وكيف باتت شبكةً متداخلة ومعقدّة، تصل أصقاع الأرض بعضها ببعض. خطوطٌ متشابكة تغطّي وجه البسيطة، وبيانات، واتصالات، ومعلومات، ومواقع، وتطبيقات تستحوذ على مليارات البشر، وتوجّه وعيهم، وتفتح أمامهم طرق المعرفة. ووسط هذا الدفق من البيانات، حرب مواقع يفرض فيها الأقوى قواعد استحواذه المعنوي والمادي والافتراضي.
خلف ذلك كلّه، مع انشغال الجميع بالتفاصيل، ثمة ما هو بديهيّ، أيّ وجود الشبكة ذاتها، والذي بات عاملاً أصيلاً في وجودنا. خلال ربع قرن، وتحديداً في سنوات العقد الأخير، بعد تجاوز مخاوف الألفية، نشأ جيلٌ لا يعرف شكل العالم ما قبل الويب، وينظر إلى ما كان قبل 25 عاماً بشيء من النوستالجيا. كيف كان العالم من دون التفاعل والمشاركة والقرصنة والحروب الالكترونية؟ كيف كان إيقاع الحياة قبل هذا التسارع الرهيب في تقنية الاتصالات؟
على «تويتر»، ينتشر منذ أشهر، وسم #beforetheinternet (قبل الانترنت/ بمعنى الويب هنا). ومع أن التغريدات والصور المرافقة لذلك الوسم، أخذت طابعاً أقرب إلى الطرافة، إلا انَّه يعكس مزاج أشخاص يدركون حجم التغيير الذي طرأ على أدقّ تفاصيل حياتهم، ويشي باعتمادهم التام على المواقع الالكترونيّة لتلقّي المعلومات ومشاركة الأفكار. كتب أحد المغرّدين: «قبل الانترنت، كان النوم أسهل، كان إنجاز الوظائف المدرسية أصعب، كنا نعيش حياة أكثر إنتاجية، كنا نصنع الأصدقاء، لا نُضيفهم». وكتب آخر: «قبل الانترنت، وحدها الطيور كانت تغرّد» (في إشارة إلى «تويتر»).
بالإضافة إلى تعليقات أكثر عمقاً وواقعية، كما في الكلام عن الـ outernet (الشبكة الخارجية) التي كانت تتطلب فعلاً حركياً للوصول إليها، والقيام بعملٍ أصبحت المواقع بديلةً له: «غوغل» بدلاً من المكتبة، «إي-باي» بدلاً من المول التجاري، «فايسبوك» و«تويتر» بدلاً من أماكن اللقاء والنزهات، وهكذا.. أما من أطرف ما نشره المغردون على «تويتر» عبر ذلك الوسم، فكان تصوّرهم لبديل Google Earth، حيث تخيّل بعضهم حمامات تجوب المساء وتصوّر العالم من فوق. لكن من يحتاج إلى ذلك المجهود؟ يمكننا رؤية أيّ شارع في العالم من فوق اليوم بنقرةٍ واحدة، بفضل الوسائط المتعدِّدة التي نحاصر نفسنا بها. (صفحة مبادرة «الويب الذي نريد» على الانترنت)