هذه الكلمات ليست من قصص "كان يا مكان من قديم الزمان" نتناولها على مسامع الصغار، إنها كلمات صادرة في زمن الألفية الثالثة على لسان رأس الهرم في الرئاسة الأولى للجمهورية اللبنانية.
إبراهيم عبدالله
... عاشت السعودية عاش الملك!!!
هذه الكلمات ليست من قصص "كان يا ما كان في قديم الزمان" نتناولها على مسامع الصغار، إنها كلمات صادرة في زمن الألفية الثالثة على لسان رأس الهرم في الرئاسة الأولى للجمهورية اللبنانية .
فخامة الرئيس لم تسعه الغبطة والفرحة وعاجل الشعب اللبناني في توقيت حساس ودقيق على المستويين الداخلي الخارجي بالاعلان عن وعود من السعودية بدفع ثلاثة مليارات لتسليح لبنان بسلاح فرنسي ، لكن شتان بين الوعود وواقع الامور.
صفقة سلاح... في ظل قرار دولي صارم بعدم تسليح الجيش
إذاً .. إنها المليارات الثلاث ، التي تحدث الإعلام عنها كثيراً، حيث من المعروف أن الجيش اللبناني باتت تجهيزاته قديمة جداً، وبحاجة الى تجديد معداته في مختلف الأذرع العسكرية من القوات الجوية الى الدفاع الجوي، ويرى العميد إلياس فرحات في حديث الى موقع المنار أن الجيش يحتاج الى سرب من الطائرات الحربية ذات الأجنحة الثابتة، والحوامات المقاتلة بالإضافة الى صواريخ دفاع جوي وشبكة إنذار رادارية على كافة الأراضي اللبنانية، أما في المجال البحري فالجيش بحاجة الى الزوارق المجهزة بالصواريخ الإعتراضية المضادة للسفن، فضلاً عن الدبابات ومدافع الهاوتزر ذاتية الحركة ومنظومة الإتصالات وشبكة الرؤية الليلية على مستوى ذراع البر.
فالتجربة مع الغرب بالنسبة لتسليح الجيش قاسية ومريرة، كون الغرب لا يسلح أي جيش إلا من أجل مهمة محددة تتطابق مع مصالحه وأهدافه، وفقاً لما يراه الخبير العسكري والإستراتيجي العميد امين حطيط ، وبالتالي ينبغي علينا الإطلاع على ما يحتاجه الجيش حتى نرى ما إذا كان الغرب سيسلحه ام لا .
ويرى العميد حطيط أن الجيش اليوم يواجه مهمتين: الاولى التي على أساسها انشئ وهي الدفاع عن الوطن ضد الأخطار الخارجية والمحافظة على سيادته البرية والبحرية والجوية ، وهذه المهمة هي من صلب العقيدة القتالية، أما الثانية هي مهمة دعم قوى الأمن الداخلي للمحافظة على الأمن والإستقرار في لبنان.
وتساءل العميد حطيط عما اذا كان في بال الطرف الذي أراد دعم الجيش من أجل تسليحه محاربة إسرائيل ؟ مشيراً الى أن فرنسا الذي حُصر فيها سوق السلاح لا يمكن أن تفكر للحظة بأن تجهز الجيش بسلاح كاسر للتوازن مع العدو الإسرائيلي ، وبالتالي يوجد تناقض تام بين المهمة المحددة للجيش بمواجهة إسرائيل ورغبات الممول ، وبناءً عليه إن الكلام عن تسليح فرنسي للجيش بشكل يجعله قادرا على حماية أرضه من الإعتداءات الإسرائيلية فيه ضرب من الجنون والخيال ونوع من الإستخفاف بعقول اللبنانيين .
ومن الواضح أنَّ الامور تتجه نحو سلاح للأمن الداخلي يمكّنه من محاربة الإرهاب ، وهنا نذكر ان تصنيف الإرهاب بالمفهوم الاميركي ينقسم الى فئتين: الأولى تديرها دول اقليمية والغرب وهي حسب العرف الأميركي إرهابية ، وهذه الفئة لا يسمح للجيش بأن يقاتلها مثلما لا يسمح له أن يقاتل إسرائيل، أما الثانية والتي تعادي أميركا فعلاً يتم ملاحقتها وضربها اذا امكن، وتتكون هذه الجماعات والفئات المسلحة من مقاومين وغير مقاومين في الداخل اللبناني ممن لم تتكمن أجهزة المخابرات من اختراقهم وتجنيدهم لخدمة اهدافها. اذا ، فالسلاح الممول سعودياً سيأتي لقتال الأطراف التي لا تنصاع للغرب وادواته في المنطقة. وهذا ممكن جداً أن تقدمه فرنسا ، أما الحديث عن خلاف ذلك ، فلن يكون هناك اي سلاح ولا صفقة ، وبالتالي تكون المسألة مجرد خداع وتضليل إعلامي من أجل الكسب الرخيص.
تسليح الجيش قوة للمقاومة ... والأخيرة تبقى حاجة إستراتيجية
تجاهر بعض الأطراف اللبنانية عن جهل او دراية بان تسليح الجيش بسلاح متطور يسحب الذريعة من المقاومة، وبالتالي تنتفي الحاجة لدورها لننتقل بعدها الى مرحلة "حصرية السلاح بيد الدولة المنشودة"، ولكن ربما سقط سهواً في عقول بعض الأفرقاء اللبنانيين أن الجيش اللبناني وبتجهيزاته المتطورة "المأمول تجهيزه بها" حتى يستطيع مواجهة العدو الصهيوني ينبغي عليه أن يمتلك قدرات توازي من ثلث الى نصف القوى الإسرائيلية هذا في العلم العسكري، حسبما اشار العميد حطيط ، فاذا عدنا الى واقع إسرائيل والتي تملك من القدرات العسكرية ما يجعلها ضمن ال6 جيوش الأولى في العالم ، فان الجيش اللبناني حتى يصل الى قدرات تسمح له حماية لبنان من الإعتداءات الإسرائيلية بحدها الأدنى ، فهو بحاجة الى نسبة ما بين 30 الى 70 مليار دولار ، فمن هو الطرف المستعد لتقديم هذا المال، وبالتالي الحاجة للمقاومة ستبقى ضرورية شاء من شاء وأبى من أبى إذا كنا حقيقة نريد حرية وسيادة.
ويعبر العميد فرحات عن حالة من اليأس من مسألة تسليح الجيش من قبل الغرب ، بسبب القرار الدولي القاضي بحرمان الجيش منذ زمن طويل من القيام بواجبه ، وخير دليل على ذلك حادثة العديسة التي ادت الى مقتل عقيد إسرائيلي، ما دفع الأميركي الى إجراء تحقيق حول هوية السلاح الذي اودى بحياته، وخلُصت الإدارة الأميركية الى اتخاذ قرار بوقف تسليح الجيش بالأسلحة غير القتالية لمدة سنة بضغط من الكونغرس نتيجة حادثة العديسة ، فكيف ستتقبل واشنطن بصفقة تفضي الى إقتناء سلاح قد يؤثر على التوازن ويزعج العدو؟!!...
المقاومة في العالم لم تكن يوماً محل إجماع شعبي وسياسي
عناد البعض في لبنان وإصرارهم على محاولة "شطب المقاومة" من البيان الوزاري ولو تطلب الأمر إنتهاء الفترة الدستورية لمهلة صوغ البيان، وتحويل الحكومة الى تصريف الأعمال، هذا الأمر بحسب العميد فرحات لم يكن بالغريب عن المقاومة، فالمقاومة في العالم على إمتداد التاريخ لم تكن في يوم من الأيام محل إجماع شعبي او سياسي مستشهداً بتجربة المقاومة الفرنسية زمن الإحتلال النازي، غير مستغرب أن تسمع أصوات تنادي بشطب المقاومة من البيان الوزاري، اصوات تلهث للوصول الى السلطة والمكاسب وإشباع الشهوات في المال والحكم ولو على حساب التفريط بهذه القيمة.
الفساد في لبنان ... مصير الصفقة الى أين ؟
أسرار صفقة السلاح الفرنسي للجيش لا «صورايخ كروتال» ولا «دبابات لوكلير» والعمولة 150 مليون دولار لحساب شركة «أوداس» الرسمية الفرنسية لتوسطها في عقد الصفقة، وذلك من ضمن اتفاق نصَّ على منحها 5 في المئة من الهبة السعودية، من دون استبعاد وجود وسطاء آخرين في صفقة مثلّثة الأضلاع، بحسب ما ورد في جريدة السفير اللبنانية ، وهذا ما جاء على لسان العميد فرحات حيث إعتبر أن المال سعودي والسلاح فرنسي، فإذا كان هناك مجال لسوء في تطبيق "الهبة" فسيكون منشأه سعودي فرنسي، في حين يبدي العميد حطيط نوعا من التشاؤم حول إنفاذ هذه الصفقة، باعتبارها ثمنا سياسيا دفعته المملكة السعودية لشراء الضمير الفرنسي، وأغرت به لبنان حتى تزج به على المستوى الرسمي ضد المقاومة، وهذه المليارات مجرد أن أصبحت وعداً إتخذها السياسيون الرسميون وغير الرسميين وقوداً يستعملونه في البازار السياسي .
إعادة تعويم "قوة لبنان في ضعفه" مواربة ساقطة على أصلها
مقولة "قوة لبنان في ضعفه" هي مقولة سياسية في لبنان ساقطة أصلاً على نفسها ، ولن يتمكن أصحابها من تحقيق المبتغى الأميركي والصهيوني والأوروبي والخليجي ، فالمسألة برأي العميد حطيط كلها مرتبطة بالمشروع الأميركي الذي يسقط في سوريا بفضل قبضات الجيش السوري وسواعد المقاومة ، لذلك لا نعول كثيراً على مواقفهم الرافضة والممانعة والداعية لإعادة إحياء فكرة لبنان قوي في ضعفه كونه إمتلك قوته بمقاومته وبتنسيق مع الجيش ، ولن يتخلى لبنان عن هذه القوة مهما كلف الأمر.
الحروب وفقاً لنسق الجيل الرابع... الحدود الجغرافية لا معنى لها
العدو الصهيوني يملك من القدرات ما يمكنه من خوض الحروب من الجيل الثالث بشكل ناجح واكيد، وإلحاق الهزيمة به لا تتم إلا على يد رجال أشداء يبرعون بخوض القتال تحت عنوان الحرب في الجيل الرابع، ولبنان يغيظ إسرائيل لإمتلاكه قدرات الجيل الرابع أي قدرات المقاومة الذكية والتي هزمت إسرائيل ذات القدرات الذكية والمركبة والمرنة حسب تعبير العميد حطيط، فالحدود لا معنى لها في حال قرر العدو تنفيذ عملية إنزال في العمق الشمالي للبنان، كون المقاومة منتشرة وغير محصورة بحيز جغرافي ضيق يطغى عليه الطابع المناطقي او المذهبي ، فالمقاومة وفقاً لمنظور العميد فرحات أضحت ضرورة ملحة وإستراتيجية للجيش اللبناني في مساعدته في الدفاع عن الوطن والمحافظة على سلامة أراضيه.
التحدي اليوم الذي يواجه لبنان وكل دول المنطقة، هو تحدي مركب "صهيو- وهابي" يستهدف كل مقومات الدولة لأنه لا ينتمي الى منظومة الفكر والحضارة ، هذا العدوان برأي الخبير العسكري السوري سليم حربا يحتاج الى إستراتيجية مواجهة جديدة إسمها الحرب الشعبية والعنصر الأساسي في تلك الإستراتيجية هي المقاومة ، والأسلوب الأمثل من خلال التجربة والسلوك والأداء ومواجهة التحديات هو حزب الله، كونه أبدع في مواجهة العصابات التكفيرية في المنطقة الحدودية مع سوريا ، هذا الإبداع في القتال يمكن ان يسجل له براءة إختراع تدرس في المدارس العسكرية، هذا التعاون ما بين الجيش النظامي والمقاومة الشعبية ادى الى قلب الصورة العسكرية التي كانت سائدة قبل عام ، لذلك هذا الشكل من اشكال التكتيك هو أنجع بالنسبة لمواجهة العدوان المركب أكثر من الجيوش التقليدية المدربة والمتخصصة بمواجهة عدوان خارجي كلاسيكي .